المهدي.. فلترقد بسلام

 

 

أمدرمان: صلاح مختار

وداع مهيب ومشاعر دفاقة وتدافع كبير وحزن عميق سوّد وجوه الجميع التي كانت حاضرة في تشييع الإمام الصادق المهدي، من المطار إلى قبة المهدي، فضلاً عن الذين لم تتح لهم فرصة المشاركة سواء بالولايات أو بالخرطوم بسبب الإجراءات الاحترازية من وباء كورونا.

1

 وصل جثمان الرحل مبكراً إلى مطار الخرطوم التي استقبلته بحزن عميق ورغم تحذيرات وزارة الصحة ورجاءات كيان الأنصار وحزب الأمة من التدافع، إلا أن الموكب كان معبراً عن حب السودانيين للإمام.

كان في استقبال جثمان الفقيد أبناء الإمام وبناته الذين كانوا بالخرطوم خلال فترة العلاج.

2

 بمراسم عسكرية وتشييع رسمي بحضور رئيس مجلس السيادة الانتقالي القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول عبد الفتاح البرهان وأعضاء مجلس السيادة ورئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك، وأعضاء مجلس الوزراء إلى جانب رئيس هيئة الأركان الفريق أول ركن محمد عثمان الحسين ونوابه وقادة القوات الرئيسية والقوات النظامية الأخرى وممثلين للقوى السياسية وقيادات الجبهة الثورية وكيان الأنصار.

وحمل الجثمان عدد من كبار الضباط في رمزية للتشكيلات الرئيسية المكونة للقوات المسلحة بالإضافة إلى إجراء المراسم والتقاليد المُتّبعة في التشييع الرسمي. ومعروف أن الفقيد تقلد منصب رئيس مجلس الوزاء خلال فترتين ووزير الدفاع في فترات وحقب سابقة.

3

توجّه الجثمان من المطار إلى منزل الفقيد، ومن ثم إلى حوش الخليفة في أمدرمان في تمام الساعة الثامنة صباحاً، حيث اكتظ ميدان الخليفة عن بكرة أبيه بالأنصار والمريدين ومن جماهير الشعب السوداني والضيوف، ورغم التحذيرات إلا أن الجموع كانت حاضرة، لكن معظمهم كان يرتدي كمامة بالإضافة إلى وجود احتياطات احترازية داخل حوش الخليفة عن طريق الرش الوقائي.

4

العربة التي حملت الجثمان وصلت حوش الخليفة حوالي التاسعة صباحًا، وجدت صعوبة كبيرة في الدخول والمرور وسط الجماهير الهادرة والمتعطشة لإلقاء النظرة الأخيرة على الحبيب، فكانت تتدافع بشكل كبير وخطير نحو العربة رغم التأمين العالي من رجال الشرطة العسكرية مما أربك عملية التنظيم قليلًا وتعذر دخول العربة أكثر من مرة.

5

وصل الجثمان إلى حوش الخليفة ملفوفاً بعلم السودان وسط التهليل والدموع والحزن. عدد من الأنصار حاول التدافع بقوة نحو العربة التي تحمل الجثمان، أحد الأنصار الذين سُمح لهم باعتلاء العربة دخل في نوبة بكاء عميقة فشلت معه محاولات التمسك بالجثمان.

6

كانت هنالك صعوبة بالغة لتنظيم الجماهير للاصطفاف لأداء صلاة الجنازة رغم النداءات، ولكن كان لابد مما ليس منه بد أقيمت الصلاة وسط التكبيرات والتهليلات وأمّ الصلاة طبقًا لمصدر أحد قيادات الأنصار.

الصعوبة الأكبر كانت في نقل الجثمان إلى مرقده الأخير داخل القبة بجوار الإمام عبد الرحمن، فقد كان الشاهد أن التدافع يمنع حتى تحرك العربة إلى المدفن  عقب الصلاة.

مراسم الدفن أخذت وقتاً طويلاً بسبب العدد الكبير الذي كان داخل المقبرة، حيث قام بدفنه الشهير (درمة) بجانب أبنائه وتردد أن ابنته مريم كانت حاضرة أيضًا ونزلت في القبر مع المشيعين.

7

عدد من رجالات السلك الدبلوماسي والقوى السياسية شاركوا في التشييع من بنيهم ممثلون لسفارة العراق بالخرطوم والمملكة العربية السعودية والإمارات ومصر ووفود من دولة الجنوب، ودول أخرى.

8

آثرت أسرة المهدي أن يكون حصان الفقيد حاضرًا مراسم الوداع لرفيق دربه وحبيبه الذي ظل برفقته لسنوات، وقد قدِم نجل الفقيد عبد الرحمن على ظهر الحصان الأحمر المعروف للأنصار إلى حوش الخليفة حيث مواراة الجثمان الثرى، وظهر على الحصان الحزن يكسو وجهه، وقد توقف الكثير من الأنصار بالقرب من الحصان كتعبير ورسالة مواساة، صورة الحصان أثارت فضول الكثيرين خصوصاً وأن لون الحصان كان متفردًا عن بقية الأحصنة الأخرى. البعض من الحاضرين فسر امتطاء عبد الرحمن حصان والده دلالة على الخلافة.

9

قدم د. بشير آدم رحمة الأمين العام ــ المكلف ــ للمؤتمر الشعبي كلمة من قبة الإمام المهدي بأمدرمان قال إن رحيل رجل مثل الإمام الصادق المهدي يجعل الناس جزعة، لأنهم منارات هدى وملاذات رجعى ومستودعات طمأنينة مهما تقلبت بالناس أطوار الحياة التمسوا عندهم السند واطمأنوا إلى رجاحة فكرهم وصلابة عزيمتهم.

   وأضاف: لقد اختار فقيدنا الرسوخ على طريق الدعوة المهدية التي نشأ فيها، ولكنه لم يركن إلى حق طبيعي بوراثتها يستثمره في اكتساب مكانة اجتماعية أو حظوة سياسية، بل أدرك أن الميراث نفسه أمانة فاجتهد في أدائها وسعى إلى أن يكمل أهليته لها وأحقيته بها. ولم يكن الأمر سهلاً في ظروف نشأته الأولى، فقد كان المسرح معداً له ليكون قائداً كما يريد له الآخرون على طريقتهم ونهجهم وكان يمكنه أن يركن إليهم وربما كان يكفيه ذلك، ولكنه لم يفعل، بل نهض يختط طريقاً وسطاً يختار مرجعياته العقدية والفكرية من ذات المعين الذي نهل منه جده الإمام المهدي غير عابئ بما يجره عليه ذلك من سخط المستعمرين الذين حاربوا فكر جده الإمام ولا وكلائهم المحليين الذين أعدوا له عريشًا وملكاً على طريقتهم وفي إطار بروتوكولاتهم ومراسم دولتهم الخاصة.

وأضاف بشير:  لقد أراد المستعمر أن يفاخر بحفيد الإمام المهدي الذي أخذ من تراث جده وميراث جهاده، ولكن فقيدنا الراحل ذهب إلى منابر المستعمر محصناً من مغريات الركون إلى محاضن المستعمر فقام فيها مستقلاً منحازًا إلى صف إخوانه في محافل الدعوة الإسلامية ومنابرها ومؤتمراتها ومنظماتها وكياناتها مساهمًا ومجتهدًا وعاملًا في مسيرة شاقة للبعث الإسلامي والتجديد.

وتضرّع إلى المولى أن يثيب فقيدنا أجرًا مضاعفًا على رسوخه في عصور الزيغ والركون وعلى جهاده الطويل في زمان الاستسلام والاستلاب وأن يهيئ لكيانه وأحبابه ولأهل السودان إدراك ميراثه الذي خلفه عملاً صالحاً، إنه ولي ذلك والكفيل به سبحانه.

 

10

قال الأمين العام لهيئة شئون الأنصار عبد المحمود في خطبة الجمعة أمس بمسجد الخليفة بأمدرمان إن الصادق المهدي عمل على بناء مؤسسات سواء كانت دينية أو دعوية أو سياسية وحين سئل عمن يخلفه قال الصادق “تخلفني المؤسسات” مؤكدًا أبو أن الراية لن تسقط وخاصة أن الحبيب الصادق كان مدرسة متفردة لن تندثر وأن الراحل ترك ذرية صالحة ستحافظ عليها مؤكداً احترامهم الكبير لآل المهدي، وقال: الباب مفتوح لهم وذكر القاعدة الذهبية للإمام المهدي التي تقول لكل زمان وأوان رجال ولكل وقت ومقام حال، وأكد أن رسالة الصادق المهدي في الحياة قد اكتملت وسيطورها أبناؤه في الكيان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى