عبد الفتاح عرمان يكتب :مجلس شركاء الفترة الانتقالية.. حاضنة سياسية جديدة أم نبيذ قديم في قنانٍ جديدة؟! (2 – 3)

 

في المقال الأول، أشرنا إلى ماهية مجلس شركاء الفترة الانتقالية المزمع تشكيله والذي يتكوّن من مجلسي السيادة والوزراء، وقوى الحرية والتغيير، وأطراف عملية السلام (الجبهة الثورية) الذي تم تقنين وجوده بصورة شرعية عبر المادة 80 في الوثيقة الدستورية المُعدّلة بعد اتفاق السلام في جوبا. واستعرضنا بعض الآراء التي ترى فيه حاضنة جديدة لحكومة الثورة، بينما يرى البعض الآخر غير ذلك. سأجيب على السؤال الذي وضعته عنواناً للمقال في الحلقة الثالثة والأخيرة من سلسلة المقالات هذه، التي أردت عبرها إزالة بعض الغموض الذي اكتنف تشكيل هذا الجسم وحالة الشد والجذب التي تسود الساحة السياسية الآن ما بين مرحب ومتخوف من هذا المجلس الجديد.

في هذا المقال، سأستعرض الأطراف المكونة لمجلس شركاء الفترة الانتقالية ومشروع لائحته التي رأى فيها البعض “نكبة” في مسار ثورة ديسمبر المجيدة. يتكوّن مجلس شركاء الفترة الانتقالية من مجلسي السيادة والوزراء، وقوى الحرية والتغيير، والجبهة الثورية – بشقيها – والمعروفة بـ(أطراف العملية السلمية بجوبا) مما يعني أن الجهازين السيادي والتنفيذي سيكونان ممثلين في هذا المجلس بالإضافة إلى الحاضنة السياسية للحكومة الانتقالية – قوى الحرية والتغيير – بالإضافة إلى أطراف عملية السلام كلاعب جديد في المشهد السياسي وشريك في السلطتين السيادية والتنفيذية – ولاحقاً التشريعية. إذ الكل سيرى وجهه/ها في مرآة مجلس شركاء الفترة الانتقالية كشركاء لا أجراء. إلى الآن لم يتم التوافُق على العدد الكلي للأعضاء الذين سيشغلون مواقع في المجلس المعني، وتتأرجح الآراء ما بين عشرين أو يزيذ قليلاً.

 

هنالك جدل كثيف حول لائحة تنظيم أعمال المجلس، ولكن قبل ذلك دعونا نستعرض بعض أهم بنود اللائحة المقترحة – لضيق المساحة – حتى يستطيع كل منا تكوين رأيه حولها سلباً أو إيجاباً بناءً على معلومات لا على مظان تبذل على أنها حقائق. تنص لائحة مجلس شركاء الفترة الانتقالية في الباب الثاني منها على تكوين المجلس من الأطراف آنفة الذكر وعدد الأشخاص المُقترحين للمجلس والجهة التي تختارهم. على سبيل المثال، تقول اللائحة إن رئيس مجلس الوزراء سيكون عضواً في المجلس ويحق له اختيار اثنين من الوزراء ليكونوا ضمن أعضاء المجلس، ويختار المُكوِّن العسكري 5 من أعضائه العسكريين لعضوية المجلس بالإضَافة إلى اثنين من المدنيين يختارهم مجلس السيادة، و12 عضواً تختارهم قِوى الحُرية والتغيير لعضوية المجلس، و5 أعضاء تختارهم أطراف عملية السلام.

تجدر الإشارة إلى أن هذه الأرقام مُجرد مُقترح لم تتم إجازته بصورته النهائية بعد. في وجهة نظري أن المادة (5) تشكل حجر الزاوية في كيفية عمل هذا المجلس، إذ نَصّت على أن تَكون رئاسة المجلس حَسب التراتبية الرسمية للدولة ويُسمى المجلس رئيساً مناوباً – رئيس مجلس الوزراء. ولَكن نَفس المَادة حدّدت أنّ مهام الرئيس تنحصر في رئاسة الاجتماعات والدعوة لها حسب اللائحة المنظمة لأعمال المجلس. إذ هذا النص يؤكد بوضوح لا لبس فيه أن رئاسة المجلس تشريفية ولا تعطي رئيسه أي ميزة على بقية الأعضاء على غير ما يظن البعض أن الغرض من رئاسة هذا المجلس هي التمكين للمكون العسكري في مجلس شركاء الفترة الانتقالية.

 

وإذا نظرنا إلى الفصل الأول من لائحة المجلس، سنجد أن اختصاصه هو “تنسيق الرؤى والمواقف بين أطراف الوثيقة الدستورية والسلطة الانتقالية وحل التبيانات التي تطرأ بينهما، والتوافق على السياسات الوطنية العليا ومُتابعة القضايا الاستراتيجية، وضمان نجاح الفترة الانتقالية وتنفيذ الوثيقة الدستورية واتفاق السلام” – بنص المادة 10 من اللائحة المعنية. يتضح لنا جلياً أن الهدف من مجلس شركاء الفترة الانتقالية ليس التغول على سلطات مجلس الوزراء أو المجلس التشريعي المرتقب وإنما هو مثل مجلس أهل الحل والعقد لإطفاء الحرائق التي قد تنشب في كابينة القيادة العليا للدولة سواء في مجلسي السيادة والوزراء أو في تنفيذ بنود اتفاقية السلام وصناعة السياسات الداخلية والخارجية والتوافق حولها في هذا المجلس حتى لا يحدث ما حدث من هرج ومرج بعد لقاء عنتيبي، أو التراشق الإعلامي الذي حدث من قبل بين رئيس مجلس السيادة ورئيس الوزراء. والأهم من ذلك، حدد المجلس سلطاته بـ”وضع الخط والبرامج وإنشاء اللجان المساعدة وتحديد اختصاصاتها وسلطاتها – بنص المادة 11″.

 

إذن كل ما يثار حول سلطات واختصاصات المجلس أنه يعزز سُلطة أحد الأطراف في السلطة الانتقالية غير دقيق، ويؤكد أن من أطلقوا تلك التصريحات لم يطلعوا على نصوص اللائحة أصلاً.

نختتم سلسلة المقال بهذه بمقال ثالث، نحاول الإجابة عبره بصورة مباشرة على السؤال الذي وضعته عنواناً لهذه المقالات، وعما إذا كان هذا الجسم سيمثل حلاً أمثل لضبط إيقاع مؤسسات الفترة الانتقالية وهل سيحقق الهدف المُعلن له أم يذهب مع الرياح مثل أجسام أخرى كونت من قبل وطواها جدار النسيان.

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى