وزارة المالية .. في قفص الاتهام

** كبلو: المالية لا تحترم المهنيين والخبراء الذين يعملون معها ولا تأخذ بآرائهم.

 ** د. إيناس: مشكلة الاقتصاد لم تكن في الأشخاص وإنما مشكلة دولة كاملة

** فتحي: الوزيرة لم تعمل بشكل فعّال لتعافي الاقتصاد وتحسين المؤشرات

خبير: المالية تقصد ألا تكون لها سياسة أو برنامج واضح حتى لا تُحاسَب

الخرطوم: سارة ابراهيم

ظلت السياسة التي تنتهجها وزارة المالية مصدراً للانتقادات من قبل المتابعين للشأن الاقتصادي، مؤكدين على عدم التزامها بسياسة أو برنامج واضح حتى لا تُحاسب عليه، وألا يكون لديها أولويات، لأنها تعمل بزرق اليوم باليوم واتهامها بالتنصل من التزامات  الوزارات الخدمية، وأجمعوا على أن تأخير دفعياتها يفاقم تلك المشاكل ويهدد بتحولها إلى أزمة ملاءة تهدد وجود الكثير من الخدمات الأساسية   للمواطن السوداني، مشددين على أهمية تغيير السياسات الحالية.

  تراجع المالية

علما باًن  وزيرة المالية المكلفة د. هبة محمد علي، أول سيدة تتولى حقيبة مالية في السودان، وشكل تعيينها مفاجأة للمراقبين لكون أنها لا تختلف كثيراً عن الوزير السابق في الرؤى والمفاهيم الاقتصادية، وهما من ذات المدرسة، وورثت هبة تركة ثقيلة لا سبيل لتخفيف حملها بغير الإصلاح الجذري، حيث تمثل وزارة المالية مركز الثقل في تشكيلة حمدوك، وعليها مواجهة واقع صعب يتمثل في تراجع المالية العامة للدولة وتراجع الإنتاج المحلي في كافة القطاعات الاقتصادية مع عجز بائن في الميزان التجاري بما يقارب الـ 9 مليارات دولار.

تحديات وتعقيدات

وتدرك الحكومة الانتقالية أهمية تدارك التعقيد والتحديات الاقتصادية، وذلك لأنها شكلت عصب الحراك الجماهيري الذي كلل بالتغيير، وكانت المطالب الاقتصادية والمعيشية هي السبب الرئيس في بروز وتنامي الأصوات الاحتجاجية وخروج الشعب وإسقاط النظام البائد، لأن الاقتصاد هو المتأثر الأكبر بالإخفاقات التي حدثت طوال الفترة الماضية، ووصول الأزمة حدوداً عجزت فيها الحكومة عن معالجة القضايا التي ما تزال مستمرة بل تتفاقم يوماً بعد يوم، علاوة على تصاعد أسعار الصرف وما نتج عنه من تراجع احتياطي البنك المركزي من النقد الأجنبي اللازم للاستيراد واللجوء إلى الشراء من السوق الموازي وهي ذات المعضلات التي ما زالت الحكومة الانتقالية ممثلة في وزارة المالية غير قادرة على وضع حلول لها..

مطلب أساسي

الأسبوع المنصرم اتهمت وزارة التربية والتعليم الاتحادية وزارة المالية بعدم التزامها بتعهداتها تجاه مجانية التعليم وحملتها تأخير عملية طباعة الكتاب المدرسي، وتمسكت التربية بضرورة أن تلتزم وزارة المالية بتنفيذ عملية طباعة الكتاب المدرسي حسب ما التزمت بذلك في اتفاق مبرم بين “التربية والمالية” في وقت سابق، وتوقيع مذكرة تفاهم مع شركة مطابع السودان للعملة التي أسندت إليها طباعة الكتاب في كل المراحل باعتبارها شركة حكومية مملوكة لوزارة المالية وبنك السودان المركزي، والتزمت وزارة المالية بسداد قيمة العقد والكتب المطبوعة ووافقت على التنفيذ وفقاً للمواصفات والكميات المتفق عليها. وشددت وزارة التربية على تمسكها بما تم الاتفاق عليه باعتبار أن طباعة الكتاب المدرسي مطلب أساسي من مطالب الثورة، مشيرة إلى أن ميزانية 2020م ضاعفت الصرف على قطاع التعليم والالتزام بمجانيته.

رزق اليوم باليوم

وفي ذات السياق، قال الخبير الاقتصادي د. صدقي كبلو إن أي اتهام لجهة أنها لا تملك سياسة ليس صحيحاً وإن الاتهام في حد ذاته سياسي، وأضاف في حديثه لـ(الصيحة)، إن وزارة المالية الآن تقصد ألا تكون لها سياسة أو برنامج عمل واضح حتى لا تحاسب عليه، وألا تكون لها أولويات لأنها تعمل رزق اليوم باليوم وتفكر بعقلية عجبية لتفضل بعض الجهات على جهات أخرى، مثال لذلك فيما يخص مرتبات العاملين في الجامعات والتعليم العالى آخر ما تلتفت إليه وزارة المالية وأنها لا تحترم المهنيين والخبراء الذين يعملون معها ولا تأخذ بآرائهم منذ عهد وزير المالية السابق د. إبراهيم البدوي وحتى الآن وهذا ما يجعل سياسة وزارة المالية الحالية تضربها الفوضى حتى يتسنى لها تنفيذ ما اتفقت عليه مع صندوق النقد الدولي دون معارضة من أي جهة، ودليلي على ذلك اللجان المشتركة التي تم تكوينها مع اللجنة الاقتصادية بقوى الحرية والتغيير والمهنيين من الإدارات المتخصصة بوزارة المالية والإدارات المختلفة من الجمارك وبنك السودان وغيرها من الجهات والتي توصلت إلى دراسات تم رفعها لهم والآن حبر على ورق، وهذا إن دل إنما يدل على عدم الجدية في تغيير الحكومة لسياستها الحالية، وتأكيد أن الحكومة لها سياساتها الخاصة التي تنفذها وما تفعله الآن انتهاز سياسي لكسب الوقت وتعطيل إجراءات يمكن أن تكون ذات معارضة وبُعد احتجاجي.

تنامي العجز

من جهته، قال الخبير الاقتصادي د.هيثم فتحي: في ظل تنامي العجز المالي بالميزانية العامة وتراجع مستويات الإيرادات العامة للدولة التي تستخدم لتغطية المصروفات العامة ومع الأزمة المالية المزدوجة المحققة بسبب تصاعد تداعيات أزمة (كورونا) الاقتصادية حكومياً وعلى القطاع الخاص. وأضاف: أصبح هناك نقص بالسيولة ما ترتب عليه تأخر دفعيات العديد من الجهات الحكومية، رغم أن هذا الأمر لا يجب أن يكون، على وزارة المالية أن تعي أن الجهات الحكومية المختلفة أصلاً تعاني من شح السيولة، وأن تأخير دفعياتها يفاقم تلك المشكلة ويهدد بتحولها إلى أزمة ملاءة تهدد وجود الكثير من الخدمات الأساسية للمواطن السوداني، على وزارة المالية تقديم خططها لتعظيم الموارد الحقيقية وعدم الاعتماد على موراد غير حقيقية مثل الدعم الخارجي والمعادن والمعونات الدولية، لأنها تتأثر بشكل سريع بأي تطورات دولية تداعياتها وانعكاساتها على الوضع المالي والائتماني للدولة، حيث إن تسارع نسبة النمو في الدين العام في مقابل ارتفاع بسيط في نسبة النمو في الناتج المحلي الإجمالي يهدد القدرة المالية للدولة في الوفاء بالتزاماتها في المستقبل مما يؤثر سلباً على تنفيذ المشاريع والبرامج التنموية المخطط لها خاصة مع التدخل السياسي على كل المستويات في المسائل الفنية الاقتصادية والمالية، وعدم كفاءة الإدارة الاقتصادية ، وتوهان الدرب بين وزارة المالية والبنك المركزى.

إيجاد مصادر أخرى

وأوضح فتحي في حديثه لـ (الصيحة) بأن الوزيرة لم تعمل بشكل فعّال في تعافي الاقتصاد السوداني، وتحسين مؤشرات الاقتصاد خاصة مع رفع وترشيد الدعم، فكل ذلك يؤثر علي النظرة المستقبلية للاقتصاد الكلي لدى المؤسسات الدولية ومؤسسات التصنيف الإئتماني ومناخ الاستثمار وتيسير أداء الأعمال والاستمرار في زيادة معدلات التضخم والبطالة، بنية الاقتصاد الوطني معدلات النمو، وقال: كان على وزارة المالية إيجاد مصادر أخرى لتمويل الميزانية تغطي العجز الذي نتج بتقليص الهيكل الإداري للدولة، فضلاً عن إعادة رسم الأعمال التي تقوم بها الدولة وتحويلها الى القطاع الخاص خاصة المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وقال: إذا لم تستطع وزارة المالية توفير التمويل للوزارات الخدمية فهذا ذريعة لها لأنها من أهم البنود التي يجب أن تتوفر لها الأموال بل من الأولويات وأبجديات عملها.

مشكلات هيكلية

الخبيرة الاقتصادية د. إيناس إبراهيم، ترى أن المحك الحقيقي للوزيرة الجديدة هو ما ستطبقه من خطط وسياسات، ومدى إمكانية نجاحها وملاءمتها لوضع البلاد الحالي. وقالت إيناس لـ “الصيحة”، إن مشكلة الاقتصاد لم تكن في الأشخاص بقدر ما هي مشكلة دولة كاملة بها سياسات معقدة وخطط رغم صحتها وجدواها، إلا أنه من العسير تطبيقها نظرًا لوجود مشكلات هيكلية وعقبات لا حصر لها، قد تؤدي لإفشال أي جهود للإصلاح الجذري الشامل، وأشارت لوجود إمكانية بتجاوز المأزق الاقتصادي الحالي بالاستغلال الأمثل للمتاح من موارد وتوظيفه بالصورة المثلى ليساعد في تجاوز المصاعب الاقتصادية الراهنة خاصة في القطاع الزراعي وصادرات الذهب والثروة الحيوانية، وقالت إن التدابير والخطط التي ستنتهجها وزارة المالية في عهدها الجديد هي التي ستحدد إمكانية الخروج من النفق المظلم من عدمه، مشددة على أهمية الإجراءات الإصلاحية واتباع سياسة تقشفية مقرونة مع تقليص طواقم المسؤولين وخفض الإنفاق الحكومي وتعديل بعض السياسات التي تعوق الإنتاج سيوفر للحكومة موارد مهمة يمكن استغلالها في تحسين الاقتصاد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى