عقب انسحابه .. مسؤولو  الشيوعي بالانتقالية.. موقف مُربك وعلاقة مضطربة!

 

تقرير: صلاح مختار

دفع قرار الحزب الشيوعي (الانسحاب من قوى الحرية والتغيير) احتجاجًا على سياساتها، متهمًا عناصر داخل قيادته بالتآمر على الثورة، دفع البعض للسؤال حول مصير بعض الوزراء والدستوريين الذين لهم علاقة بالحزب عقب قرار الانسحاب. وترى اللجنة المركزية للحزب بالقول: (قررنا الانسحاب من قوى الإجماع الوطني ومن قوى الحرية، والتغيير والعمل مع قوى الثورة والتغيير المرتبطة بقضايا الجماهير وأهداف وبرامج الثورة). واتهم الحزب في ذات الوقت عناصر داخل الائتلاف الحاكم ــ لم يسمها ــ بعقد اتفاقيات سرية ومشبوهة داخل وخارج البلاد، إضافة لاتهامه لها بقيادة (التحالف نحو الانقلاب على الثورة والموافقة على السياسات المخالفة للمواثيق والإعلانات المتفق عليها).

المد الثوري

وبحسب بيان الشيوعي أن حكومة الانتقال تعمل على تقليص مساحة الحريات وانتهاك الحقوق في محاولة منها لوقف “المد الثوري وإفراغ شعار: حرية، سلام وعدالة من محتواه”. وتابع: أنها أيضاً تعمل على “مصادرة أدوات التغيير المتمثلة في المجلس التشريعي والحكم الشعبي المحلي والمفوضيات والإبطاء في تحقيق العدالة والتحقيق في فض الاعتصام ومحاكمة رموز النظام السابق مع الإبقاء على القوانين المقيدة للحريات”. وأشار الحزب إلى أنه رفض التحاور مع المجلس العسكري – المحلول، وتمسك بحكم مدني كامل، وأوضح “رغم ما حصل من المجازر والجرائم ضد الإنسانية في فض الاعتصام ورد الجماهير في 30 يونيو، إلا أن البعض أصر على المساومة بين قوى الحرية والتغيير واللجنة الأمنية”.

كرت أحمر

ورغم أنه قال ان القرار نهائي ولا رجعة فيه، إلا أن القيادي بالحزب الشيوعي كمال كرار أكد لـ(الصيحة) أن القرار يشمل الانسحاب من كل الحاضنة السياسية، بيد أنه نفى وجوداً للحزب بالحكومة، ووقطع بعدم وجود أي كوادر للحزب بالحكومة، وقال إنه سيلجأ إلى الجماهير التي هي صاحبة الكلمة كما يراها، ونوه إلى المخالفات التي حادت عن طريق الثورة وارتكبت من قبل الحكومة، وقال ليس هنالك مبرر. وسبق أن أعلن الحزب الشيوعي انسحابه من المفاوضات بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري الانتقالي.

ويرى الكاتب والمحلل عمر البكري أبوحراز في مقال منشور، أن تقييماً موضوعياً لموقف الحزب الشيوعي، نصل به إلى أن انسحابه يُقوي موقف الثوار ويشكل ضغطاً أكبر على المجلس العسكري، مما يساعد قوى الحرية والتغيير على تحقيق أكبر قدر من مطالبها، وفي زمن أقل مما يسعى إليه المجلس العسكري.

ممارسة مسؤولة

ويقول المحلل السياسي عبد الله آدم خاطر إنه لا الحزب الشيوعي ولا أي حزب آخر، في إطار الديمقراطية يستطيع أن يجري ممارسة مسؤولة في قيادة الرأي العام وتوجيهه إلى مبادئه الرئيسة، خاصة أن المرحلة وفق المبادئ الدستورية والمتاح في الإعلان الوثيقة الدستورية. ورأى أن القوى السياسية في الحاضنة وفق ثورة ديسمبر مسؤولة مباشرة عن مستقبل البلد في المرحلة الانتقالية. وقال لـ(الصيحة): ربما هنالك اختلاف في التطبيق، ولكن ذلك لا يعفي الحزب الشيوعي من المسؤولية حتى وإن خرج من قوى الحرية والتغيير، ولابد أن تكون له وسائل أخرى لدعم التغيير ضد الشمولية في إطار تصفية النظام البائد. وأكد أنه ليس بالضرورة سحب كوادره أو منسوبيه من الحكومة، ربما محاولة للضغط على الحلف في الحرية والتغيير، ويمكن أن تكون تلك أكثر التكتيكات السياسية ولكن المسؤولية تقع على الجميع للمضي قدماً في التغيير بالوسائل السلمية وفي إطار الاتفاق السياسي في الوثيقة الدستورية.

صورة داخلية

ويرسم الانسحاب المفاجئ للحزب الشيوعي تطوراً للعلاقة المضطربة للأحزاب السياسية السودانية المكونة لقوى (الحرية والتغيير) الحاضنة السياسية للحكومة الانتقالية الذي قرر الحزب الشيوعي انسحابه من الإئتلاف المكون لحكومة الفترة الانتقالية، بحجة أن الإئتلاف الحاكم ضل الطريق، متهماً عناصر داخله بقيادة انقلاب ضد الثورة ومكتسباتها ــ على حد زعمه.

برأى خبراء ومختصين في شؤون الأحزاب السياسية السودانية وتياراتها المختلفة أنّ الحزب الشيوعي السوداني أكثر الأحزاب السياسية السودانية (برغماتيةً) وهو كثير المراوغات السياسية وهو يتعامل (بوجهين) من خلال وجود منسوبيه في مؤسسات الحكومة وفي لجان المقاومة والنشطاء ويرون بأنه بعدما استكمل الحزب الشيوعي دوره وأقصى كثيراً من الأحزاب السياسية وبعدما ضمن وجود منسوبيه في الأماكن الحساسة في الحكومة يريد أن يخرج بهذا البيان وكأنه سحب أعضاءه من الحكومة الانتقالية. ويقول  الخبراء كذلك إنّ الحزب الشيوعي يستخدم الظهور الإعلامي وبهرجة الأضواء ويحاول بقدر المستطاع إحداث ضجيج وضوضاء حتى يغطي على حجمه وضعفه الحزبي أمام الأحزاب السياسية الأخرى ذات الوزن الجماهيري الكبير، ويذهبون أبعد من ذلك ويقولون: (إنّ الحزب الشيوعي حتى الآن لم يقم بسحب منسوبيه وأعضائه من الحكومة، وهو يريد أن يتمسك بالحكومة من جهة، ومن جهة أخرى يريد أن يكون مع المعارضة، وهذا يمثل إزدواجية في العمل السياسي لا يقوم به إلا الحزب الشيوعي السوداني لما له من إرث تراكمي في هذا المضمار .

ذكاء مصطنع

ويرى الخبير الإعلامي والمحلل السياسي الأستاذ صالح محمد عبد الله أن الحزب الشيوعي قد تسبب في إغراق سفينة دكتور عبد الله حمدوك لأنّ الشيوعيين يريدون أن يكونوا مع الحكومة ومع المعارضة، وبالتالي يمارس الحزب الشيوعي اللعبة السياسية في السودان بذكاء حتى لو حدثت أي انتفاضة ضد حكومة دكتور حمدوك سيكون الحزب الشيوعي مع الشارع ويكون له النصيب الأكبر في توجيه الشارع والمسيرات والمظاهرات ولو سقطت الحكومة الانتقالية فسيكون له نصيب الأسد في تشكيلها. إذاً  إنّ الحزب الشيوعي يعمل بتكتيك سياسي ماكر، وهو يراهن على بوابة الدخول للمجلس التشريعي الانتقالي عبر لجان المقاومة والنشطاء بأعداد كبيرة حتى يسهل له السيطرة على مجريات الأمور داخل قبة البرلمان السوداني الانتقالي ويستحوذ على غالبية رئاسة لجانه باستراتيجية جديدة . وأضاف أنّ الحزب الشيوعي يقوم هذه الأيام بحملة شرسة ضد حكومة الفترة الانتقالية عبر لافتاته الكثيرة وهو الحزب السياسي السوداني الوحيد الذي يعمل الفعل ونقيضه. ورأى إنّ الشعب السوداني ولجان المقاومة والنشطاء قد فقدوا ثقتهم في الحزب الشيوعي لأنه طيلة مسيرته الطويلة يعيش على التناقضات ولا يعيش إلا في ظل الأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية التي يجد فيها ضالته ليمارس (غوايته) السياسية.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى