في ذكرى المسيرة الخضراء.. السودان والمغرب.. علاقات أزلية ومواقف تاريخية

 

تقرير/ عبد الله عبدالرحيم

يأتي تدشين قنصليات العديد من دول إفريقية بالصحراء المغربية تزامناً مع الذكرى الـ(45) للمسيرة الخضراء التي قلبت الموازين في المنطقة التي شهدت تداخلات عميقة كادت أن تعصف بالأمن والاستقرار الدوليين لجهة أنها تتعلق بمصير دول المنطقة والجوار الأفريقي لدولة المغرب الشقيقة.  وقد افتتحت بوركينا فاسو وغينيا بيساو والإستوائية قنصلياتها بالداخلة في الصحراء الغربية أوائل هذا الأسبوع، وقد أكدت المغرب أهمية هذه الافتتاحات في تشكيل عمق الروابط التاريخية وتميز العلاقات فيما اعترفت معظم الدول برجعية مغربية الصحراء بعد أن شملت أقاليمها أكثر من (27) قنصلية بأقاليم الصحراء المغربية لتعزيز روابط التعاون الاجتماعي وعرفانا بالدور الكبير لملك المغرب في تهيئة المجال للاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني لدول المنطقة والدول الصديقة.

تحول استراتيجي

وحول هذا الأمر يقول د.عبد الله صالح سفيان الباحث في الدراسات الاستراتيجية لـ(الصيحة): هذه الخطوات الإفريقية الدبلوماسية المتمثلة في افتتاح 15 من القنصليات العامة بمدينتي العيون والداخلة في إيقاع خطوات متلاحقة مؤشر إيجابي على حصاد مثمر ووفير لاجتهادات الدبلوماسية المغربية النشطة والمتواصلة في التدبير العقلاني والمبادرات الواقعية لحسم إشكالية مغربية الصحراء.

وحول المسيرة الخضراء وجهود ملك المغرب يقول صالح للتذكير والمواكبة لا بد من التوقف والعودة للوراء عندما بادر الملك الشاب محمد السادس ليفتتح  عدداً من الملفات الاستراتيجية التي توزعتها جملة أوراش مخبرية وعلمية وعملية أذكر من أهمها في هذا السياق التحليلي/ الإستراتيجي الندوة الدولية التي نظمها مركز الدراسات الإفريقية التابع لجامعة محمد الخامس حول التعاون المغربي الأفريقي عام 2008م بالرباط والتي تطورت وتبلورت خلاصاتها –  مع قنوات مؤازرة أخرى –  لتعزز أشكال ومسارات التعاون المغربي الأفريقي؛ ولتبصم بقوة على عودة وحضور المملكة المغربية إلى موقعها الطبيعي والطليعي في المشهد الحيوي بالاتحاد الأفريقي. وقال إن  الملك محمد السادس قام بحملة دبلوماسية بكامل هيبته زار خلالها عدداً من الدول الإفريقية وقدم من خلالها نماذج واقعية للتعاون والمنح والشراكات والاستثمارات التي ساهمت بدورها وبقوة الإسناد الإعلامي المتطور حينذاك في تقديم صورة جديدة للمملكة المغربية وحضور وزخم كان هو المتصدر للمشهد وعطاء الحوار المنشود  المتصل جنوب/ جنوب.

توظيف سياسي

وزاد بقوله: من الطبيعي جداً أن توظف وتستثمر المملكة المغربية مستجدات هذه الخطوات الدبلوماسية المتمثلة في فتح هذه القنصليات للتأكيد على مجموعة أمور أبرزها على الإطلاق التأكيد على مغربية الصحراء التي تنعم أهم وأكبر المدن فيها بطفرة عمرانية تبرهن على حقيقة وجود التنمية الشاملة والمستدامة كنهج وآلية فاعلة في بسط وتعزيز الأمن والسلام والوحدة الجاذبة والاندماج في الوطن الأم. وقد بلغني مؤخراً افتتاح قنصلية عامة لدولة الإمارات العربية المتحدة بالعيون ليتسع مشهد ومشروع التعاون العربي الإفريقي ودعم المملكة المغربية في احتفالها السنوي الراتب بعيد وذكرى تنظيم ونجاح المسيرة الخضراء، ولا يفوتني أن أذكر هنا أن السودان ودولة الإمارات قد كانا من في طليعة الدول التي شاركت في المسيرة الخضراء. بيد أنه أكد أنها في مستوى نظر استراتيجي أشمل: تعزز هذه الخطوات الدبلوماسية الإفريقية وضعية الأقاليم والمحافظات الصحراوية المغربية كبوابة وجسر وقد يشكل قطباً اقتصادياً مغربياً/ أوروبياً، فضلاً عن إمكانية تأسيس منصة استراتيجية/ دبلوماسية لمراقبة طرائق مسارات الهجرة السرية إلى أوربا للحد منها بوسائل ومقاربات عملية إلى جانب ذلك التخطيط والتعاون لمكافحة الإرهاب .

مشاركة السودان

ويقول بروفيسور قاسم عثمان نور، إن المسيرة الخضراء مسيرة سلمية انطلقت الخميس 6 نوفمبر 1975 نحو الأراضي الصحراوية المغربية بهدف استرجاعها من الاستعمار الأسباني. وقال قاسم الذي كان من المشاركين فيها ممثلاً لجامعة الخرطوم لـ(الصيحة): المسيرة شهدت مشاركة أكثر من 35 ألف مواطن مغربي، بالإضافة لمجموعات من الأشقاء العرب، مؤكداً أن السودان كان له شرف المشاركة في هذا الحدث، وكان وفد السودان يضم حوالي (200) عضو من ممثلي النقابات والهيئات برئاسة الدكتور عبد الله علي نقيب المعلمين السودانيين. وأكد بروف قاسم أن ملك المغرب الحسن الثاني قد أذاع إلى شعبه خطاباً في 5 نوفمبر 1979 جاء فيه “شعبي العزيز غداً إن شاء الله سنخترق الحدود وغداً إن شاء الله ستطأون أرضاً من أرضكم وستلمسون رملاً من رمالكم ووطنكم العزيز”.

بداية الزحف ونهايته

وقال قاسم: تجمعت فئات المجتمع المغربي عقب هذا البيان وتوجهت نحو الصحراء الغربية يحملون المصاحف وأغصان الزيتون، وقد شهدت أيام السابع والثامن من نوفمبر تدفق آلاف المغاربة في مدينة الطرفاية وهي مدينة على مشارف الصحراء المغربية وتحركت الجموع بعد اجتماعها بالزحف داخل الصحراء متوجهين إلى العيون عاصمة الصحراء، وكانت السلطات الاستعمارية قد أصدرت بياناً بأن كل من يتعدى الحدود ويقتحم الصحراء يعتبر متعدياً على حدود أراضيها وسوف يتعرضون للإيقاف بما في ذلك إطلاق النار على المخالفين. وبحسب قاسم أن الجميع لم يعبأوا بهذه التحذيرات وانطلقت دفعات تغني بحياة المغرب وملكها وشعبها وتندد بالاستعمار الأسباني. وأكد بروف قاسم أن السودان قام على عجل بتشكيل الوفد بعد أن أذاعت الإذاعة السودانية نداء موجهاً إلى اتحادات النقابات بفتح باب التطوع للمشاركة في المسيرة الخضراء. وقال: كان الجميع على أهبة الاستعداد للدخول في الصحراء، ولكنه في التاسعة مساء أذاع الملك بياناً عن تراجع أسبانيا عن الصحراء وأعلن عودتها إلى المغرب أرضاً وشعباً، وفي الوقت نفسه طلب عودة الوفود إلى مناطقها بعد أن شكرهم على تلبية النداء خاصة وفود الأشقاء العرب ومنهم السودان بوفده الكبير.  وقال إن الملك الثاني قام بمنح ميدالية الصحراء المغربية لكل من شارك في المسيرة من الأشقاء العرب. وقال قاسم: كان من المتوقع أن تحتفل سفارة المغرب بالسودان بالوفد وتقوم بتسليم الميداليات هنا في الخرطوم ولكنه ألغي الاحتفال بعد أن احتجت الجزائر وتدخلت أيادٍ سياسية في الأمر.

أزلية العلاقات

أما د. كمال شرف المهتم بالعلاقات السودانية المغربية وأحد المشاركين في المسيرة الخضراء فقد أكد لـ(الصيحة) على أزلية هذه العلاقات، وقال إن الشعب السوداني كان حاضراً في كل الملمات مواسياً ومدافعاً عن إخوته في المغرب ويحظى السودانيون باحترام إخوتهم المغاربة ومكانتهم خاصة عند الملك المغربي منذ الحسن الثاني ومروراً إلى محمد السادس وإلى هذه اللحظة، مؤكداً عمق الدبلوماسية الشعبية بين البلدين. وقال شرف إن المسيرة كانت فلسفتها هي إمكانية إعادة واسترداد الصحراء دون سلاح، مشيراً إلى أن الأمر أصبح من بعد حدثاً وملهماً للشعب المغربي استمدت منه المغرب حكومة وشعباً حب الشعب للأرض المغربية. وأكد أنه نظم قصيدة طويلة تخليداً لهذه الذكرى الكريمة كما أنه نظم أكثر من خمسين نصاً وأغنية تغنى في المغرب، مشيراً إلى حبه الكبير لتلك البلاد وشعبها الأبي.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى