الأزمة الاقتصادية… البكاء على الفرص الضائعة

 

الخرطوم ــ رشا التوم

مازالت الازمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد في تعقيدات مستمرة جراء التصاعد الكبير في أسعار السلع الاستهلاكية وارتفاع معدلات التضخم وأزمة المواصلات والوقود والخبز وغيرها من المشكلات التي تتفاقم يومًا بعد يوم، واستحكمت حلقاتها ما دعانا إلى طرح سؤال حول المختصين في الشأن الاقتصادي حول كيفية الحد من الأزمة الاقتصادية الراهنة والتي تصاعدت وتيرتها بصورة غير مسبوقة.

وأكد مستشار التمويل والاقتصاد د. عبد الله الرمادي لـ”الصيحة”  أن أنجع الطرق للخروج من الأزمة الاقتصادية الراهنة تتمثل في  أهمية مكافحة التهريب وبكافة صوره بدءاً بالذهب والصمغ العربي وبقية قائمة المنتجات السودانية يضاف إليها مستوردات البلاد من سلع ضرورية كالنفط والدقيق وحتى الأدوية وانتهاء بالمنتجات الصناعية كالسكر وزيوت الطعام… والتي غمرت أسواق مالي وبوركينا فاسو والنيجر وغيرها. ولفت إلى أن قنوات التوزيع لتلك السلع قد أهملت زمناً طويلًا باستثناء محاولات خجولة لم يكتب لها النجاح مما أفسح المجال أمام مافيا السلع وهو نشاط طفيلي تقوم به مجموعات من  السماسرة، فما من سلعة إلا وانفردت لها مجموعة سماسرة  بدءاً بالخضار والفاكهة والسمك وانتهاء بالثلج وبخاصه في رمضان.

وهذا علاجه عبر إقامة تعاونيات بأعداد كبيرة في الأحياء ومراكز العمل يديرها أبناء الحي أنفسهم ومثل هذا العمل الضخم يحتاج إلى جهة حكومية تهتم به وتشرف عليه إما وزارة أو مفوضية ويخصص لها بنك وتوليها الدولة ما تستحقه من رعاية واهتمام.

وشدد على ضرورة محاربة الفساد، وقال: هنا حدث ولا حرج فما من مستثمر أجنبي أومحلي إلا وقع ضحية لمافيا (حقنا وين” وقد وئدت وعطلت مشروعات بعضها حيوي لهذا السبب، فإذا أردنا النهوض بهذا البلد لابد من معالجة هذه الأدواء بجسارة لاستئصال هذا السرطان، فالسودان لا تنقصه الإمكانات ولكن ينقصه الإخلاص والوطنية. وزاد قائلاً: لابد من حملة لإعادة تربية المواطن وغرس فضيلة الإحساس بالانتماء للوطن.

وفي السياق ذاته، مضى المحلل الاقتصادي د. محمد الناير بأن حكومه الفترة الانتقالية أضاعت وقتاً ثمينا دون إحراز أي تقدم في الملف الاقتصادي،  رغمًا عن توجيه اهتمامها بملفات أخرى كالسلام والذي لم يكتمل بعد لعدم التحاق عدد من الحركات المسلحة  ليعم ربوع البلاد، وكذلك أولت الحكومة اهتماماً بالغًا بالمجتمع الدولي ورفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، ولكن مازالت الإجراءات لم تكتمل إضافة إلى قرار الإدارة الأمريكية بتمديد الطوارئ، وقال في حديثه لـ” الصيحة” أمس: الحكومة كان عليها البدء في الاستفادة من أموال المغتربين ولا نقول تحويلاتهم لأن الفرق شاسع ما بين السعر الرسمي والسوق الموازية، ولكن من خلال إتاحة الدولة مشروعات مثل المجمعات السكنية وطرحها للمغتربين بالنقد الأجنبي، ودعوة شركات وطنية لإنشائها مما يحرك قطاع المقاولات وأسواق مواد البناء ويخلق فرص عمل كبيرة،  ومثل هذه المشروعات تشكل مصدراً للنقد الأجنبي، وكان يمكن إنشاؤها حتى في ظل الحظر الاقتصادي بسداد المستحقات للمغتربين عبر السفارات بالخارج من أجل معالجة قضية التدهور المستمر في العملة الوطنية أو عبر إيداع ودائع استثمارية في البنوك لعام أو عامين ترجع عائداته بالنقد الأجنبي، ولكن للأسف لم يتم اتخاذ أي خطوه في الاتجاه وأقر الناير بالفرص الضائعة التي لم تستثمر من قبل الحكومة خاصة فيما يتعلق بالذهب بحيث لم تستطع الدولة إنشاء بورصة حتى الآن لتجعل معدن الذهب مفيد في الاقتصاد وأيضًا عجزت عن اتخاذ سياسات خاصة بالسيولة وإدخالها إلى القطاع المصرفي مما يقلل المضاربة في الدولار، وهناك حوالي ٩٥٪ من الكتلة النقدية لدى الجمهور و٥٪  في الجهاز المصرفي، مضيفًا كان يمكن للحكومة أن تقوم بخطوة تبديل العملة وتحقيق السداد الإلكتروني واتخاذ معالجات وقرارات داخلية علي المدى القصير  خلال العام الماضي،  وشدد بأن المعالجة في المدى المتوسط والبعيد ضرورية ودعا للاهتمام بالبحث العلمي والتقنية الحديثة والتصنيع الغذائي وزيادة المساحات الزراعية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي، مشيرًا الى عدة أطروحات قدمت من جانبه تتعلق بإمكانية إنشاء شركة مساهمة عامة يساهم فيها ٣٧ مصرفا عاملاً في البلاد لزراعة مليون فدان قمح.. سكر.. زيوت.. لتحقيق الاكتفاء الذاتي وشركه أخرى في مجال الإنتاج الحيواني وثالثة في مجال التصنيع الغذائي وهي أحد الحلول التي على الدولة اتباعها في حالة إحجام المستثمرين الأجانب وتخوف القطاع الخاص المحلي مع  الوضع في الاعتبار تعطل المصانع  والإنتاج.  ولفت الناير الى عدم مقدره الحكومه على اتخاذ أي خطوه تجاه ما تم ذكره، وظلت تنتهج سياسات عكس تحقيق الاستقرار الاقتصادي المطلوب واستشهد بالسياسات المتبعة في تحرير أسعار الوقود والتي كان من المفروض أن ترتفع وتنخفض وفقاً للسعر العالمي، وهو ما لم يحدث، وحذر من تصاعد التضخم الذي بلغ ٢١٢٪ في أكتوبر الماضي، وتوقع أن يتجاوز ٣٠٠٪ نوفمبر الجاري بسبب سياسات الدولة والتي عظمت الاستدانة من النظام المصرفي (طباعة عملات) بجانب العجز المجاز في الموازنة المعدلة ٢٥٤ مليار جنيه، وهو الأكبر في تاريخ البلاد، وتعادل ١٣٪ من الناتج المحلي الإجمالي، وهذا لم يحدث من قبل، ووصف تحرير أسعار المحروقات بالسياسة التضخمية وعلى إثرها زادت أسعار السلع والخدمات بسبب قطاع النقل الذي يتغلغل في كل مفاصل الاقتصاد،  وأبدى أسفه على مخرجات المؤتمر الاقتصادي، وقال: كنا نأمل أن يخرج بتوافق بين الحكومة والحاضنة السياسية، ولكن ما يحدث فعلياً الحكومة تمضي في سياساتها والحاضنة تحتج وتعترض.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى