سراج الدين مصطفى يكتب : إتحاد الفنانين.. اتحاد ضد الدولة المدنية!!

 

حينما اشتعلت ثورة ديسمبر المجيدة في وجه النظام المباد، كان الهدف الرئيسي لها هو سيادة الدولة المدنية.. كانت ثورة  ضد الشمولية وقهر وحكم العسكر .. ولأجل ذلك المقصد الرفيع سالت الدماء وأزهقت الأرواح .. وكان الثمن غالياً .. حيث دفع الشعب السوداني كل ما يملك لأجل إزاحة نظام شمولي قاهر سلب كل مناحي الحياة وأوردنا موارد الهلاك ومازلنا ندفع الثمن حتى اللحظة.

على المستوى الشخصي لست ضد العسكر ولكني مع تحجيم دورهم في الشكل المهني المتمثل في حماية الدولة والنظام الديمقراطي، وما عدا ذلك فهو مرفوض على وجه الدقة والإطلاق .. لأن الثورة أصلاً قامت لتكريس الحكم المدني وليس تمدد العسكر في كل مفاصل الحياة وحشر أنوفهم في ما يعنيهم وما لا يعنيهم.

والأمثلة في ذلك كثيرة لا تحصى ولا تعد.. وهم أذكياء كفاية في اللعب على الفراغات التي تتركها حكومة عبدالله حمدوك.. ولن أذهب بعيداً في إيجاد النموذج الذي يؤكد تمددهم وتغولهم .. فقبل أيام قلائل التقى البرهان بوفد من اتحاد المهن الموسيقية بقيادة الفنان سيف الجامعة الأمين العام لاتحاد المهن الموسيقية .. وكانت فكرة اللقاء تتمحور حول تهنئة الوفد لرئيس مجلس السيادة بتوقيع اتفاقية السلام ودور الفنانين في إرساء السلام من خلال المبادرات الفنية.

بتقديري أن ذلك اللقاء من المفترض أن يكون مع رئيس الوزراء وليس رئيس المجلس السيادي، لأن اتحاد الفنانين يعتبر من منظمات المجتمع المدني ويتبع تنظيمياً لوزارة الثقافة، وهي الجهة التي يفترض أن تنظم مثل تلك اللقاءات .. ولكن السيد وزير الثقافة والإعلام تحول (لمذيع ربط) وأصبح ناطقاً رسمياً للحكومة أكثر من كونه وزيراً مسئولاً عن الشأن الثقافي والإعلامي، وتلك هي الفراغات التي أعنيها ويستغلها المكون العسكري بكل ذكاء وشطارة.

الوفد الذي قاده الفنان سيف الجامعة لم يكن مؤهلاً كفاية وهو يضم بعض الشخصيات التي أعتقد أنها لا تمثل شريحة الفنانين والموسيقيين وأستثني من ذلك الموسيقار يوسف الموصلي والفنانة إنصاف فتحي باعتبارها فنانة مؤهلة أكاديمياً وتمثل شريحة الشباب، ومع تقديري لكل من ذهب للقاء البرهان ولكنهم أقل قامة من تمثيل الفنانين، وكان من المفترض أن يمثل الوفد بشخصيات في قامة محمد الأمين، وصلاح ومصطفى، وعبدالله عربي وعبد القادر سالم وغيرهم من الكبار والرموز أصحاب الإسهام الحقيقي والدور المؤثر في وجدان الشعب السوداني.

هشاشة الوفد الذي ذهب للقاء البرهان، لا يمثل شريحة الفنانين ولا يعبر عنهم ولا عن قضاياهم كقطاع مهم جداً له دور فاعل في قيادة المجتمع المدني والتعبير عن قضاياه، ومن المؤكد أن مجلس السيادة سيقوم برعاية أي مبادرة فنية ويدفع لها أموالاً طائلة للتقرب زلفى لهذه الشريحة الهامة، بينما وزارة الثقافة تتماطل في دفع مستحقات وأجور بعض الفنانين الذين ذهبوا للغناء في احتفال السلام في جوبا.

على المستوى الشخصي تجدني معجباً جداً بالأستاذ فيصل محمد صالح وزير الثقافة والإعلام الحالي، فهو بمقام (الأستاذ) بالنسبة لي، وهو قلم ثوري من المقام الرفيع، ولكن تجربته مع إدارة وزارة الثقافة يشوبها خلل وتقصير كبير فيما يخص الشأن الثقافي، وظلت وزارته تؤدي دور المتفرج بامتياز دون أي نشاط على الواقع والراهن الثقافي.

وهنا لابد أن أشير للأحباب باتحاد الفنانين، أن التقرب من العسكر والتمسح بهم ستكون آثاره ضارة في مقبل الأيام والتاريخ لا يرحم وسيدوّن كل شيء، ولعل تجربة الفنان جمال فرفور أقرب دليل للتأكيد أن التقرب لهم هو عبارة عن محرقة وانتحار لكل القيم الإنسانية.. وكلنا نعلم المعاناة التي عاناها فرفور بسبب انتمائه للنظام السابق وكيف ظل محل شك وريبة ومصدر خوف في الوسط الفني.

دعم المكون العسكري على حساب المكون المدني، بتقديري الخاص جريمة ارتكبها وفد إتحاد الفنانين، وهي خطوة لم تكن محسوبة مطلقاً وافتقرت للقراءات المستقبلية، وفيها تكريس لدعم الحكم العسكري وإفشال الدولة المدنية، وتلك الخطوة كفيلة للإطاحة بهذا الاتحاد الهش.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى