د. حسن عابدين يكتب :  مرحباً فرحاً بسلام جوبا وحذارِ من  شيطان التفاصيل

 

كنت مشاركاً وشاهداً على أجواء الابتهاج  والفرح  والترحيب باتفاقية  السلام  في مارس ١٩٧٢ بين الشمال والجنوب . وسعدت بتكليفنا نحن مجموعة من أساتذة جامعة الخرطوم وأخرين للسفر للجنوب للتبشير بالاتفاقية وشرحها لإخوتنا هناك. تنقلنا من جوبا  لواو وملكال ومريدي، وياي وأنزارا فألفينا الجموع تؤيد وتهلل وتفرح  بالاتفاقية التي أوقفت حرباً دامت سبعة عشر عاماً (١٩٥٥- ١٩٧٢).

ولكن ما أن أطل  شيطان التفاصيل برأسه حول تنفيذ وتفسير بعض بنود الاتفاقية حتى نقض  الرئيس نميري رحمه الله  ما اتفق عليه بتقسيم إقليم الجنوب الموحد لعدة ولايات فاستعرت الحرب من جديد بقيادة الدكتور جون قرنق عليه الرحمة.

* وشهدت  في نيروبي مطلع عام ٢٠٠٥ توقيع اتفاقية السلام الشامل (كما أسموها) بين الحكومة والحركة الشعبية لتحرير السودان وأجواء الفرح والابتهاج تعم  في الخرطوم عند عودة وفدي التفاوض. ولكن ما أن أطل شيطان التفاصيل حول كيفية جعل خيار الوحدة جاذباً لتحقيق الوحدة الطوعية عند نهاية الفترة الانتقالية حتى  اختار الجنوبيون الانفصال وبقيت جنوب كردفان والنيل الأزرق  في حالة حرب سبقتهما حرب دارفور عام ٢٠٠٣ .

إذن لم يكن سلام نيفاشا شاملاً بل عابه غموض التفاصيل حول المنطقتين ومستقبل منطقة أبيي الحدودية.

* الآن ودائماً الحمد لله الذي مدّ في أيامنا لنرحب ونفرح بسلام جوبا ونتطلع لانضمام حركتي الحلو وعبد الواحد نور ليتسم هذا السلام بالإحاطة والشمول والدوام. وَمِمَّا يشي بالاطمئنان أن المفاوضين الموقعين على الاتفاق في جوبا قد فطنوا لمزالق الاتفاقيات السابقة وتحوطوا  بتفاصيل التفاصيل لتضييق فرص اختلاف التفاسير .

ولكن لاستدامة الواعز الوطني وتعميق الثقة المتبادلة للتنفيذ السلس لسلام جوبا  يلزم ما يلي:

١. تسريع إيقاع التنفيذ  وفقاً للجداول والمصفوفات المتفق عليها بتقوية آليات الدولة التنفيذية وتكليف القيادات الإدارية في الخدمة المدنية من ذوي الكفاءة والخبرة.

٢.  حشد وتعبئة الموارد المحلية والمساعدات الدولية الموعودة كأسبقية في إعادة توطين اللاجئين والنازحين, ونزع السلاح وإعادة الدمج.

٣. التعاون الإيجابي مع بعثة الأمم المتحدة للمساعدة في تنفيذ الاتفاقية عبر اللجنة الوطنية للتنسيق والإشراف والمتابعة.

٤. الإسراع في تكوين المفوضيات المتفق عليها وتعيين الأكفاء ذوي الخبرة الإدارية لرئاستها.

٥. برنامج إسعافي للمدى القصير لحل الضائقة المعيشية المتفاقمة والتي لن تتوارى خلف ترديد وإدمان شعار “تلاتين سنة كيزان” وأناشيد الفرح والسلام.

٦.  توخي معيار الكفاءة والخبرة الإدارية بجانب المعيار السياسي  في إعادة تشكيل مجلس الوزراء وتعيين الولاة بعيداً عن المحاصصات الحزبية والجهوية والقبائلية.

إن الواعز الوطني  وتقديم المصلحة العامة على الخاص والشخصي إضافة لتعميق الثقة واستدامتها،  والتي جعلت سلام جوبا ممكنَا ومرضياً عليه،  كفيل بتجاوز وتخطي عقابيل  وعثرات التنفيذ وردع شيطان التفاصيل.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى