سلام السودان.. تأثير إقليمي مباشر

 

الخرطوم ــ مريم أبشر

ظل البُعد الإقليمي وجوار السودان يلعب دوراً واضحاً في الشأن السوداني، منذ اندلاع الحروب والتوترات الأمنية سواء في جنوبه والذى انتهى بانفصال جزء عزيز منه ومروراً بالتوتر الأمني في دارفور أو المنطقتين أو الشرق، حيث لعب دوراً واضحاً سواء كان سلباً عبر دعم وإيواء حركات الكفاح المسلح ضد الحكومة المركزية أو إيجاباً عبر التدخل المباشر وغير المباشر لدعم مساعي السلام ورعايتها سياسياً ومادياً واستضافته، فضلاً عن ممارسة بعض الضغوط على الرافضين بحثهم على أن طاولة الحوار هي المكان الأنسب لحسم الخلاف وإرجاع الحقوق وليس السلاح.

دول وتنظيمات إقليمية عديدة عملت على جمع فرقاء السودان وكثير من الاتفاقات وقعت، ولكن أفلحت جوبا التي يربطها بالخرطوم، إلى جانب الجوار، المصير المشترك ووحدة الهوى والمزاج، في توصل الأطراف السودانية لاتفاق سلام يتم اليوم التوقيع عليه نهائياً في جوبا، وقد حسم أكثر من (90%)، وتبقت فقط حركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور والحركة الشعبية- شمال جناح الحلو الذي قطع الحوار معه أشواطاً بعيدة، غير أن هذا السلام الذي طالما انتظره الشعب السوداني طويلاً والحكومة الانتقالية لإكمال هياكلها، يحتاج لدعم مالي ضخم حتى يصبح حقيقة ماثلة يراها أصحاب المصلحة أولاً والشعب السوداني المتطلع لغد أفضل .

حاضنة ضرورية

اتفاق السلام بين الحكومة الانتقالية والجبهة الثورية السودانية وبعض قوى الكفاح المسلح بحاضرة دولة جنوب السودان، يفتقد الحاضنة السياسية الحقيقية التي ترعاه، وفي ظل غياب هذه الحاضنة وانتشار السلاح والوضع الاقتصادى الضاغط الذي يعيشه السودان وأيضا دولة الجنوب راعية السلام، فإن هذا السلام الذي انتظره السودانيون كثيراً يصبح مهددًا بالانهيار كما يرى أستاذ العلاقات الدولية بالجامعات د. عبد الرحمن أبو خريس، ويقول لـ(الصيحة)، إن تثبيت السلام يحتاج لمتطلبات كبيرة بالتالي عمليات صرف مالي لتسريح ودمج القوات وإعادة النازحين تحتاج لدعم مالي كبير والراعية جوبا ليست لديها قدرات مالية لدعم السلام وكذلك الحكومة لن تقوى على مواجهة المطلوبات.

ويرى أنه لابد من أن تتوفر رعاية دولية حتى تنجح المخرجات وتنزل لأرض الواقع، وأنه لابد من رعاية إقليمية ودولية كالجامعة العربية والاتحاد الاوروبي أو دول لديها قدرات مالية مثل قطر والسعودية والإمارات والولايات المتحده لدعم برامج السلام، ويعتقد أن كل الأطراف الراعية الآن فقيرة والسلام يحتاج إلى مال.

اهتمام خاص

سفير وكاتب صحفي مخضرم أكد لـ(الصيحة)، أن  الجوار الإقليمي للسودان المباشر منه وغير المباشر، ظل يلعب دوراً مؤثراً في الأحداث الكبرى التي تشهدها البلاد، خاصة تلك التي تتعلق بالصراع السياسي المرتبط بالنزاعات والحروب الأهلية، فهو إما متعاطف مع الحكومة المركزية باعتبارها النظام الحاكم المعترف به، أو متعاطف مع الحركات المتمردة لأسباب عرقية أو أيديولوجية.

وسرد السفير في حديثه لـ(الصيحة)، تاريخ الاهتمام والتأثير، وأشار إلى أن التأثير ظل واضحاً منذ انطلاق حركة الأنيانيا الأولى في جنوب السودان في ستينيات القرن الماضي والتي تعاطفت معها غالبية الدول الأفريقية مروراً بالجبهة الوطنية في سبعينيات القرن الماضي والتي تشكلت من إئتلاف ضم حزب الأمة والحزب الاتحادي وجبهة الميثاق، حيث تعاطفت معه ودعمته عدد من الدول العربية، واستمر كذلك مع الحركة الشعبية في ثمانينيات القرن المنصرم وحركات دارفور في أوائل الألفية الثانية.

ونوه إلى أن جميع هذه الحركات التي حملت السلاح في وجه الحكومة المركزية في الخرطوم تلقت دعماً مباشراً أو غير مباشر من دول الجوار الإقليمي للسودان خاصة تلك التي تجاور المنطقة ميدان الصراع  لدرجة أنه يمكننا القول إنه لم تبق دولة من جوار السودان الحديث والقديم لم تتأثر بنزاعات السودان ولم تتدخل فيها بأشكال مختلفة.

وأضاف وفق تتبعه للملف، أنه بقدر ما تأثرت دول الجوار الإقليمي للسودان بنزاعاته الداخلية وتدخلت فيها بتقديم شكل أو آخر من أشكال الدعم بقدر ما لعبت الكثير منها دوراً مهماً في تسوية تلك النزاعات، ولفت إلى أنه يكفي أن نعرف أن أسماء أغلب اتفاقات السلام في السودان ارتبطت بعواصم تلك الدول كما في حال اتفاقية أديس أبابا 1972م واتفاقية انجمينا 2005م واتفاقية القاهرة  2005م واتفاقية نيروبي 2005م واتفاقية أسمرا 2006م وأخيراً  اتفاقية جوبا وهي المدينة التي كانت يوماً ما عاصمة الجنوب السوداني.

جوار عربي

ومضى السفير والكاتب السياسي إلى تأكيد أنه بالقدر الذي لعبت فيه العواصم الأفريقية التي تجاور السودان بشكل مباشر أدواراً مؤثرة في حروب السودان وسلمه، لعبت عواصم عربية مجاورة وغير مجاورة أدواراً مؤثرة كذلك، وعلى رأسها بطبيعة الحال القاهرة وطرابلس الغرب، والرياض والدوحة وأبوظبي وإن اختلفت أدوار العواصم العربية كونها قادت جهود وساطة وتسوية ونجحت في التقريب بين الفرقاء السودانيين، ولعل أبرز تلك الأدوار هو دور العاصمة القطرية الدوحة التي احتضنت عدداً من الفرقاء لمدة عامين ليتوج جهدها باتفاقية الدوحة للسلام في دارفور والتي تم اعتمادها لاحقاً بواسطة مجلس الأمن الدولي.

السودان الرابح الأكبر

عملية تحقيق السلام بالتأكيد لها بعد خارجي وتأثيرات إقليمية بالغة سواء في السابق أو ما يجري حالياً، ويقول محلل مختص في العلاقات الدولية لـ(الصيحة)، إنه بالنظر للدور العربي على سبيل المثال، فإن الدور القطري معروف للكافة وارتباط الدوحة بملف السلام في دارفور منذ سنوات، ويرى أن دور قطر ليس بغريب أو مثير لعلامات الاستفهام على أساس أنه مواصلة لجهود سابقة وتتويج لجهود لسنوات طويلة، وأن هذا الدور في الماضي وحتى الآن يجد التقدير والترحيب من النظام السابق وحكومة الثورة الحالية، أما السعودية والإمارات فتمثلان لاعبين جدد في ملف سلام السودان خاصة حركات دارفور، حيث لم يعرف للدولتين دور من قبل لتحقيق السلام، وبالطبع لهما أدوار في توصيل الإغاثة والعمل الإنساني وأحياناً التعليم، لكن في الجولة الأخيرة كان لهما دور أكبر خاصة الإمارات، وعزا الخبير ذلك إلى سعي أبو ظبي لإحراز هدف في المرمى القطري أولاً، وثانياً محاولتها لعب دور كقوى إقليمية عظمى وزيادة الطموح الإقليمي كدولة تسعى للانفتاح ولعب دور أكبر بالإقليم، أضف إلى ذلك هنالك أدوار كبيرة في السلام لعبها الاتحاد الأفريقي.

واعتبر الخبير أن ما قامت به دولة جنوب السودان ويتوج الآن بالتوقيع النهائي دور طبيعى لجهة أن دولة الجنوب تستفيد من هذا السلام، لأنه يخفف التوتر على حدودها الأطول مع السودان، بجانب ذلك استجابتها لرغبة أصدقائها وتطلعها لأن تحل حكومة السودان هذا الإشكال لتتفرغ للتعاون الاقتصادي والتجاري خاصة وأن جوبا على يقين بأن السودان هو شريكها التجاري الأول بلا منازع وليس أوغندا أو غيرها، فهولاء مستفيدون ولكن الرابح الأكبر بالتأكيد هو السودان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى