أزمة الخُبز.. أعيت من يُداويها!!

 

 

الخرطوم- رشا التوم

آلافَ المُواطنين في ولاية الخرطوم، يصطفون صباح مساء أمام المخابز للحُصُول على حصة خُبز تقيهم شرّ الجُوع في ظل ارتفاع تكاليف البدائل، وتفاقمت الأزمة نتيجة تراكُم مديونية أصحاب المطاحن على وزارة المالية والتي بلغت مليارات الجنيهات لـ(4) مطاحن.

ومازال تَوفير الدقيق والخُبز من المُشكلات التي تُؤرِّق مَضجع الحكومة منذ أمدٍ بعيدٍ، وأصبحت المُشكلة عَصِيّةً على الحَل، رغم مُحاولات الإصلاح التي جرت في هذا الملف وتَمزيق فاتورة استيراد القمح التي تصل ملياري دولار سنوياً، لكن لم تتمكّن البلاد من ذلك، بل تكرّرت الأزمات بصورة واضحة، وتفاقم الوضع حتى بات يُشكِّل خطراً على معاش الناس وتمدّدت الصفوف بصورة كبيرة، وبات الموقف أكثر تعقيداً!!

فخلال الأسبوع الماضي أوصد عددٌ كبيرٌ من المخابز أبوابها لعدم توافر الدقيق ونقص الحِصص، فيما شكا مُواطنون من النُّدرة والانتظار لساعات طويلة في صفوف مأساوية أملاً في الحصول على مُبتغاهم!!

عدم التزام

وشكا مواطنون من الانتظار في المخابز منذ الثانية عشرة منتصف الليل وحتى الساعات الأولى من الصباح للحصول على خبز بواقع (50 – 100) جنيه، ونوّه بعضهم إلى التلاعُب الواضح في أوزان وحجم الخُبز رغم تحديد الحكومة زنة الرغيفة بـ(80) جراماً بواقع (2) جنيه، حيث ضربت بعض المخابز بالقرار عرض الحائط وتباينت الأحجام من مخبزٍ لآخر!!

ظروف سيئة

وأكد عضو تجمُّع أصحاب المخابز بولاية الخرطوم عصام الدين عكاشة، اتّجاه عددٍ كبيرٍ من مخابز الولاية البالغة (4) آلاف لإغلاق أبوابها نتيجة نقص حصص الدقيق وتراكُم مديونية أصحاب المطاحن على المالية والتي لم تُسدِّد ما عليها وظلّت تُماطل!! وشَكَا لـ(الصيحة)، عدم توافر الدقيق وارتفاع تكلفة التشغيل، وقال إنّ سعر جوال الدقيق المدعوم من الحكومة ارتفع من (535) جنيهاً إلى (640) جنيهاً، وكرتونة الخميرة من (2400) إلى (6500) جنيه، والزيت من (1900) إلى (5700) جنيه، والعَمَالة من (50) إلى (120) جنيهاً للعَجنة الواحدة. وطَالَبَ، الحكومة بدعم كافة مُدخلات الإنتاج حال أرادت الاستمرار في بيع الرغيفة زنة (80) جراماً بـ(2) جنيه، وذكر أن الحوجة اليومية من الدقيق حوالي (20) جوالاً وفعلياً تتسلّم المخابز ما بين (7 – 8) جوالات فقط، وقال: “نحن في نهاية الأمر تُجّار ولن نعمل بالخسارة ونُسدِّد أجور عَمَالة وإيجارات وغيرها، ونوّه إلى أن المخابز يتم استيرادها بواقع (5 – 6) مليارات جنيه، وأكّد تعرُّضهم لخسائر كبيرة جرّاء التوقُّف عن العمل، وقال: “بتنا نتعرّض إلى ظلمٍ كبيرٍ، وكذلك المُواطن يتعرّض لمزيدٍ من الذلة بالانتظار في الصفوف”، واعتبر أن “حد الصبر انتهى”، ووصف كميات الدقيق المُوزّعة داخل الخرطوم بالضعيفة ولا تكفي الحوجة الفعلية، مِمّا يخلق نُدرة وشُحاً في الخُبز، وحذّر من تفاقم الأزمة عقب فتح المدارس والجامعات، ولفت إلى أن الولايات تشهد أزمة مُماثلة والموقف مُتأزِّمٌ للغاية!!

المخابز المصرية

وفي إطار جُهُود حل أزمة الخُبز المُتفاقمة، وصلت الدفعة الأولى من المخابز المصرية المُقرّر أن تنتج حوالي (2) مليون قطعة خُبز في اليوم.

وقال وزير التجارة والصناعة مدني عباس مدني، إنّ المخابز المصرية التي وصلت السودان أتت في وقتٍ مُناسبٍ لمُواجهة أزمة الخُبز، ونوّه إلى أنّها ستُؤسِّس لمجمع وادي النيل الاستراتيجي لتطوير صناعة الخُبز في السودان.

وكانت قد وصلت “الثلاثاء” الماضي، طائرتان مصريتان، أقلّتا طليعة الهدية المصرية المُقدّمة للسودان، والتي تضم (10) مخابز آلية، وكان في استقبالها من الجانب المصري السفير المصري بالسودان حسام عيسى، والقنصل العام في السودان المُستشار أحمد عدلي إمام، وطاقم السفارة المصرية، ومن الجانب السوداني، وزير التجارة والصناعة، والشيخ خضر كبير مُستشاري رئيس مجلس الوزراء، وأمجد فريد من مكتب رئيس الوزراء.

وقال مدني لدى تسلُّم المخابز “إنّ هذا الدعم أتى في وقته المُناسب، مع تَحدٍ، كلنا نُواجهه في السُّودان مُتعلِّق بالأزمات في موضوع الخُبز”، ولفت إلى أنّ هناك جهوداً استراتيجيةً لمُعالجة هذه المسألة في مُختلف جوانبها سواء ما هو مُتعلِّق بتوفير القمح أو تطوير صناعة الخُبز، ونوّه إلى أنّ المخابز في السودان بنسبة أكثر من (80%) بلدية، واعتبر هذا واحداً من العوامل التي تُؤثِّر سلباً في توفير الخدمة المُلائمة والمُناسبة.

إلا أن الناطق الرسمي باسم تجمُّع أصحاب المخابز بولاية الخرطوم عصام الدين عكاشة، أكّد أنّ المُشكلة ليست في “الأفران” البلدية، وقطع بأنّ الأزمة لن تُحل بوصول المخابز الآلية المصرية إلى السودان، وقال إنّ المخابز الموجودة بولاية الخرطوم تصل إلى (4500) مخبز، وأنها تكفي ثلاث ولايات حال توافر الحصص الكاملة من الدقيق، وأضاف: “المُشكلة ليست في توافر المخابز وإنّما في شُح الدقيق”.

أزمة مُستعصية

وفي مُحاولةٍ جديدةٍ لمُعالجة الأزمة، قرّرت وزارة الصناعة والتجارة رفع نسبة استخلاص الدقيق المدعوم من (78%) إلى (85%)، وأصدر وزير الصناعة والتجارة مدني عباس مدني، قراراً برفع نسبة استخلاص الدقيق المدعوم إلى (85%)، ووجّه القرار، المطاحن العاملة في مجال الدقيق المدعوم بوضع القرار موضع التتفيذ في الفترة من الأول من أكتوبر حتى  الخامس عشر منه.

وظلت مُشكلة توزيع حصص الدقيق على المخابز، أزمةً مُستعصيةً أعيت وزارة الصناعة والتجارة الاتحادية، والوزارة في ولاية الخرطوم على وجه الخُصُوص، سيما بعد أن جرَّبت عَدَدَاً من الآليات والوسائل التي تكفل انسياب السلعة الاستراتيجية المُهمّة بدون عوائق، فجرّبت إلغاء نظام الوكلاء السّابق إلى نظام جديد يرتبط مباشرة بالوزارة من خلال مُوزّعين يتبعون للولايات، ثم خَطت الوزارة خطوة أخرى، وغيّرت بعض بنود القرار الأول لتجعل التوزيع بالخرطوم من مسؤولية شركة الخرطوم للأمن الغذائي، ما أثار ردود فعل واسعة، غاضبة ورافضة في مُعظمها، مع تلويح بالتصعيد والإضراب عن العمل.

ويظل ملف الخُبز من أكبر المُهدِّدات التي تعوق سير الحكومة الانتقالية وربما تدفع بها إلى مُواجهة مع الشارع حال استمر الوضع بهذه الصورة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى