محمد فقيري يكتب : بين تعاليم الإسلام وسلوك المسلمين الإلتصاق الصفيق والبُعد السحيق السودان نموذجاً (5)

 

حسناً، نعود إلي الحديث الذي ذكرناه في الحلقة السابقة، هذا الحديث قاله الرسول إن كان قد قاله في فجر الإسلام، قبل أكثر من أربعة عشر قرناً، والسؤال البسيط، هل هناك مقارنة بين المرأة في ذلك الوقت وبين المرأة في هذا العصر؟، كانت المرأة حينئذ أمية جاهلة لا مكانة لها إجتماعياً ولاسياسياً، كانت المرأة عصرئذ جزءاً من (متاع) الرجل، لارأي لها في أمر من الأمور، كانت المرأة مثل سلعة، تُباع وتشترى، يقامر بها الرجل، وإذا خسر، تذهب الزوجة مع من ربح لعبة القمار، إذا ماتزوجها، يرثها إبن الزوج وتصبح زوجة له، كانت المرأة، قبل الإسلام، تخضع لمجموعة من أنواع الزواج الغير إنسانية مثل (الإستبضاع والمخادنة والمضامدة والشغار والمساهاة والمقت والرهط والبدل والرايات) ، وما زواج المتعة والمسيار بعد الإسلام إلاّ من بقايا زيجات ما قبل الإسلام، والمرأة في هذه الوضعية لم يكن من الممكن أن تتطلع إلي تقلد مناصب، ولم يخطر ذلك على بالها ولاعلى بالتقاليدالقبائل العربية، وكانت الثقافة الإجتماعية العامة في فجر الإسلام لا تختلف كثيراًعن ثقافة الجاهلية السايقة، فلم يكن من الممكن للرسول الكريم أن يقول غير ماقال، ولوقال الرسول أن المرأة يُمكن لها أن تتولى أمور الحُكم لما قبِل الناس أن يحدث ذلك، فرَجُل الجزيرة العربية في أمور المرأة ونظرته إليها، لاتختلف في الإسلام عنه في الجاهلية، نفس النظرة ونفس المعاملة ونفس التقييم، فالمرأة آلة حية مُهمتها أن تُمتع الرجل وتأتي له بالولد الكثير ليتفاخر بهم، وهي (عورة) عنده في الإسلام كما في الجاهلية، ولذلك فإننا نري في الجزيرة العربية كثيراً من أفكار الجاهلية الخاصة بالمرأة سائرة حتى الآن، ولم يكن (تحريم) قيادة المرأة للسيارة إلاّ من هذا القبيل، وبرر الفقهاء هذا المنع بأنه (حُكم شرعي) ،ووضعوا لهذا الحُكم الشرعي المُدعى تخريجا تفقهية تصب في خانة صون المرأة والحفاظ على كرامتها وعفتها وإبعادها من أجواء الإنحراف والإختلاط المُحرم، والمرأة في الذهن العربي، وبصورة خاصة في الذهن السعودي، (مشروع) إنحراف متى ما وجدت الفرصة، وكأنها بطبيعتها منحرفة، أي أن الأصل فيها الإنحراف، ولذلك يجب المحافظة عليها بعيداً عن الرجال، فلا تُرى ولاتُصافَح ولايجوز التحدث معها، فالحُرمة (ضعيفة) في كل أمر .

قيادة المرأة للسيارة كانت مُحرمة بفتوى من هيئة العُلماء في السعودية ، هذه هي الفتوى:-

(( الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد

فقد كثر حديث الناس في صحيفة الجزيرة عن قيادة المرأة للسيارة، ومعلوم أنها تؤدي إلى مفاسد لا تخفى على الداعين إليها، منها: الخلوة المحرمة بالمرأة، ومنها: السفور، ومنها: الاختلاط بالرجال بدون حذر، ومنها: ارتكاب المحظور الذي من أجله حرمت هذه الأمور، والشرع المطهر منع الوسائل المؤدية إلى المحرم واعتبرها محرمة.

وقد أمر الله جل وعلا نساء النبي ونساء المؤمنين بالاستقرار في البيوت، والحجاب، وتجنب إظهار الزينة لغير محارمهن؛ لما يؤدي إليه ذلك كله من الإباحية التي تقضي على المجتمع.)) من صفحة الإمام ابن باز رحمه الله

الغريبة أن الفقهاء والشيوخ ، المقتدين بإبن باز ، والذين كانوا حُرّاساً لهذا الحُكم الشرعي ، تخلوا عن هذا الحُكم الشرعي ، في طرفة عين قبل إنتباهتها ، تخلوا عنه عندما سَمَحَ السلطان ( ولي الأمر) للمرأة أن تقود السيارة ، وكعادتهم في تبرير قرارات السلطان ، وإعطاء شرعية لها ، تبارى شيوخ هيئة كبار العلماء في السعودية فأصدروا فتوى طويلة من المفيد أن نقرءها كاملة:-

((أكدت الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء، أن فتاوى العلماء كافة؛ فيما يتعلق بقيادة المرأة للمركبة انصبت على المصالح والمفاسد، ولم تتعرض للقيادة ذاتها التي لا يحرمها أحدٌ لذات القيادة.ونوهت الأمانة العامة بالأمر السامي الكريم باعتماد تطبيق أحكام نظام المرور ولائحته التنفيذية – بما فيها إصدار رخص القيادة – على الذكور والإناث على حد سواء ، وقالت :” إن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، بما قلّده الله من مسؤوليات في رعاية مصالح بلاده وشعبه، وحراسة قيمه الإسلامية، ومصالحه الشرعية والوطنية؛ لا يتوانى في اتخاذ ما من شأنه تحقيق مصلحة بلاده وشعبه في أمر دينهم ودنياهم”. وأوضحت الهيئة في بيان لها عقب صدور الأمر السامي الموجه إلى وزير الداخلية بهذا الشأن، إن علماء الشريعة كافة قرروا أن تصرف الراعي على الرعية منوط بالمصلحة. وعلى ذلك يكون الغرض من تصرفات ولي الأمر الاجتهادية: تحصيل المصالح وتكميلها، ودرء المفاسد وتقليلها. وعلى ذلك أيضا: فإن ولي الأمر يختار في كل قراراته، الأصلح والأنفع والأيسر. واضافت كبار العلماء، أن فتاوى العلماء كافة؛ فيما يتعلق بقيادة المرأة للمركبة انصبت على المصالح والمفاسد، ولم تتعرض للقيادة ذاتها التي لا يحرمّها أحدٌ لذات القيادة، ومن ثَمَّ فإن ولي الأمر عليه أن ينظر في المصالح والمفاسد في هذا الموضوع، بحكم ولايته العامة، واطلاعه على نواحي الموضوع من جهاته كافة، بما قلّده الله من مسؤوليات، وبما يطلع عليه من تقارير. وتابعت الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء، ولأن ولي الأمر قد أشار إلى ما يترتب من سلبيات من عدم السماح للمرأة بقيادة المركبة، وارتأى بعد ما اطلع على ما رَآه أغلبية أعضاء هيئة كبار العلماء من أن الحكم الشرعي في ذلك هو من حيث الأصل الإباحة، وأنهم لا يَرَوْن مانعا من السماح لها بقيادة المركبة في ظل إيجاد الضمانات الشرعية والنظامية للحفاظ على صيانة المرأة واحترامها؛ فإننا ننوه بهذا الأمر السامي الكريم، الذي توخى فيه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، مصلحة بلاده وشعبه في ضوء ما قررته الشريعة الإسلامية. ))إنتهى ، جريدة الشرق الأوسط ، الأربعاء 6 محرم 1439 هـ – 27 سبتمبر 2017 مـ .

هذا ، وقد تخلّت السعودية عن حُكم شرعي آخر يتعلق بالمرأة أيضاً ، وهي تَولي المرأة للولايات العامة ، فقد كان هذا منهياً عنه بناءاً على حديث الرسول سابق الذكر ، ولكن الدكتورة خلود محمد الخميس كسرت القاعدة وتولت منصب أمين عام مجلس منطقة تبوك ، وقد إلتقاها أمير منطقة تبوك الأمير فهد بن سلطان بن عبد العزيز في مكتبه مهنئاً لها ، وأكد الأمير فهد بن سلطان بن عبد العزيز على “دور المرأة السعودية في مختلف الجهات الحكومية حيث أصبحت واجهة مشرفة لبلادها”. العربية ، 10 أغسطس 2020.

نواصل

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى