عضو مجلس السيادة الفريق ركن إبراهيم جابر لـ(الصيحة): 2/1

 

  قطار الثورة لم يُغادر الخرطوم ونحتاج لعمل كبير جداً بالولايات

  رفع الدعم موازنة صعبة لكنها مطلوبة

  الذهب وحده يمكن أن يوفّر 4 مليارات دولار لخزينة الدولة سنوياً

   بإنشاء الصناعات الصغيرة وتقديم المحفّزات للمستثمرين يمكن الحصول على مبالغ طائلة

 

امتدح عضو مجلس السيادة الفريق ركن إبراهيم جابر، في حوار مع “الصيحة” العلاقة بين المدنيين والعسكريين، وقال إن القرارات تتخذ بصورة توافقية، وأنهم في طريقهم لإكمال هياكل الحكم المدني بتعيين المجلس التشريعي بعد توقيع السلام الذي بات قريباً. وأكد أنهم ليس لديهم عداء مع الولايات المتحدة الأمريكية وأن العلاقة بينهم تتطور كل يوم نحو الأحسن، وتوقع أن يُرفع السودان من لائحة الاٍرهاب قريبًا جداً. ولفت جابر إلى أن قيم الثورة السودانية لم تخرج من الخرطوم وأن أيادي تعبث بدارفور لإعادتها إلى العنف القبلي والحروب الأهلية، ودعا السودانيين لنشر قيم الثورة السلمية في الأقاليم. وشدد على ضرورة أن تبتعد الأحزاب عن القوات المسلحة السودانية التي يُجرّم قانونها الانقلابات العسكرية، وأن دورهم سينتهي بكتابة الدستور وإجراء الانتخابات وتسليم السلطة لقوى مدنية منتخبة. ووضع جابر بعد سقوط البشير خريطة طريق للخروج من الأزمة الاقتصادية الحالية، وقام بتشريح الاقتصاد السوداني وتقديم روشتة للانطلاق بالاقتصاد السوداني للأمام بنجاح كبير، كل هذه الإجابات في مضابط الحوار التالي:

* الوضع الاقتصادي يشهد ترديًا كبيراً كيف تنظر له وأنت أحد الذين أداروا اقتصاد السودان بعد سقوط البشير؟

ورثت الثورة نظاماً اقتصاديًا منهاراً في كل المناحي، وكان العلاج عبارة عن مسكنات وتواصل الدعم لفترات طويلة جداً، وكان حجم موازنة السودان العام الماضي حوالي 9.6 مليار دولار، هذا المبلغ حال دون وضع خطة علمية ودراسة وتدقيق لإمكانات السودان الموجودة والتي يمكن تحقيقها، فمن ناحية الثروة المعدنية فالبلد غني بالذهب الذي يمكن أن يوفر 4 مليارات دولار.

الأمر الآخر في طريق الرفاه الاقتصادي يتمثل في الزراعة بشقيها المنتجات الزراعية والإنتاج الحيواني يمكن أن تغطي نسبة كبيرة في الموازنة.

*إذن أين المعضلة التي تحول دون ذلك؟

المشكلة الكبرى التي يعاني منها السودان أننا تعودنا أن نقوم بتصدير كل منتجاتنا خاماً أي بدون قيمة مضافة لها ستكون أسعارها غير مجزية، ولكن بقليل من الجهد وتبني سياسة تقويم عبر إنشاء الصناعات الصغيرة وتقديم محفزات للمستثمرين وبناء وتعبيد وصيانة الطرق يمكن أن تتحصل الدولة على مبالغ طائلة.

*وماذا عن تأثيرات قائمة الإرهاب في وضع السودان؟

طبعاً، السودان بهذه الإمكانات الكبيرة يحتاج إلى تحسين الصورة الذهنية العالقة في العالم عنه التي نتجت من السياسات الرعناء الخاصة بتبني الإرهاب وما تبعه من حظر مالي وقع على السودان وهي من الأمور المنفرة عنه، ولكن الحمد لله هناك محفزات أخرى تتمثل في الأراضي الشاسعة الصالحة للزراعة، وإذا قمنا بتعديل قوانين الاستثمار وهو ما نعمل عليه الآن عبر تعديلات تقدم صيغاً جديدة للاستثمار يمكننا جذب رؤوس أموال كبيرة جدًا.

نجد أيضاً أن السلام والصرف على المجهود الحربي أقعد بالسودان كثيراً، ولكن بعد تحقيق السلام يمكن أن تعود هذه المدخرات إلى خزينة الدولة لتعمل في دعم الخزينة العامة وتقليل الصرف.

*هل هذه آخر المعوقات؟

أبداً، سياسة الدعم التي كانت متبعة بالإضافة للنزيف الذي كان يحدث في الخزينة العامة من نتيجة فرق سعر العملة الذي يشجع المهربين على أن يقوموا بتهريب الوقود إلى دول الجوار لاختلاف السعر، وهذا أمر محفز بالنسبة لهم، وبالتالي لو نظرنا للعالم اليوم ولو أخذنا سعر الوقود في الخرطوم مقارنة مع دول الجوار نجد أنه أعلى من الخرطوم بضعفين.

مقاطعة .. يبدو من سياق حديثك أنك تؤيد سياسة رفع الدعم عن المحروقات؟

نعم، إذا كانت الدولة تصرف مليارين ونصف مليار دولار للوقود ما يعود من مبيعات هذه الكمية هو 20 في المئة فقط للدولة، السؤال الذي يطرح نفسه هو ماذا تفعل الدولة في الشهر المقبل؟ ليس هذا فحسب حتى الكهرباء نجد أن السياسات التي كانت ممنهجة اعتمدت على التوليد الحراري وهو مكلف جداً، ولم يكن هناك توجه نحو التوليد المائي أو التوليد بواسطة الفلير غاز من آبار البترول وهما وسيلتان بسعر معقول، ولهذا نجد أن الكهرباء تحتاج لعمل ومنهجية جديدة حتى لا يتضرر المواطن البسيط لأنها احتياج ثابت، وبالتالي لابد من عمل يوازن بين عدم الإضرار بالفئات الضعيفة من المواطنين وتوفير أموال من عائدات بيع الكهرباء بسعرها الحقيقي للتوسع ولتوليد الطاقة اللازمة لدوران عجلة الصناعة ما يقود لتحريك الاقتصاد وهي موازنة صعبة لكنها مطلوبة.

* ألا ترى أن ارتفاع درجات البطالة يؤثر على الاقتصاد بشكل كبير؟

*نعم. العدد الكبير من العاطلين بشكل عام والخريجين بشكل خاص، وخروجهم من الدائرة الاقتصادية هو واحد من المشاكل التي عقدت الاقتصاد، لدينا خريجون لهم 10 و15 عاماً بلا عمل، لكن حل هذه المعضلة يتأتى إذا وضعت استراتيجية لتطوير قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة وهي واحدة من أدوات دعم الاقتصاد ومساهمتها ستكون كبيرة بجهة خلقها فرصاً للشباب، ولتقريب الصورة انظر للسودان تجده ينتج طماطم خالية من المخصبات وبالتالي يمكن أن تدخل في دائرة الصناعات الصغيرة التي لا تحتاج مساحات زراعية كبيرة أو رؤوس أموال هائلة.

*هل تقصد أن يمتلك الشباب هذه الشركات الصغيرة أو المتوسطة؟

لا. يمكن إنشاء مصانع للشركات الصغيرة والمتوسطة عبر توفير الحافز لرؤوس الأموال الوطنية والأجنبية والضمان الذي يمكنهم من أداء عملهم بكفاءة ما سيقود بدوره لتشغيل أكبر عدد من الخريجين إن كان ذلك في الزراعة أو في الصناعة، ويمكنك أن تلحظ بغير عناء الآن أن كل الشباب والخريجين يعملون في أعمال هامشية وهم من يمكن استيعابهم في منظومة الصناعات الصغيرة، وهي كانت موجودة في السودان في السابق، حيث كنا نجد صناعة الصابون والزيوت بمختلف أنواعها وهي صناعات يمكن أن تتطور في السودان لوجود المواد الخام وهي طبيعية ومطلوبة في السوق العالمي. وكذلك الحال في الزراعة يمكن استصلاح ملايين الهكتارات عبر محفظة من البنوك وبعملة محلية تقوم بتسوية وتحضير الأرض ومد مواسير الري أو الآبار ووضع سياسة من الدولة تحت إشراف وزارة الزراعة، وزارة المالية، ولابد أن تكون محددة المنتج، وهذه المشاريع يمكن تسويقها للشباب عبر التمويل الأصغر أو إلى رؤوس الأموال الوطنية والأجنبية على أن تكون آلية الإدارة والسيطرة وتقويم الاقتصاد تحت مسؤولية الدولة.

*هل هذا يقتصر على الإنتاج الزراعي أم يتعداه لمجالات أخرى؟

أبداً. تحرك الإنتاج الزراعي ينعش دورة الإنتاج الحيواني ما يقود لتوسعة المسالخ ومصانع اللحوم والاستفادة من الجلود عبر الشركات الصغيرة والمتوسطة، وإذا نظرنا للجلد الواحد الذي يمكن أن يصنع على الأقل خمسة أحذية، انظر لتجربة شركة “كلارك” خرجت من انكلترا ومضت لتستثمر في فيتنام، ماذا فعلت جلبت معها التكنولوجيا للمصانع وصارت تصنع الأحذية التي يصل سعرها  110 دولارات، ونحن لدينا الخام من جلود وأيدٍ عاملة، إن استطعنا جذب رؤوس الأموال والتكنولوجيا يمكننا تكوين منظومة متكاملة والتي بالإضافة لمساهمتها في الاقتصاد يمكن أن تشغل آلاف الشباب بجانب نقل التقانات الحديثة. والأمر الآخر يمكن عبر المسالخ استخدام مخلفات الذبائح لتكون مخصبات للتربة، وهذه المواد الثلاث متوفرة لدينا، إن كان المواد الخام أو الأيدي العاملة ما نحتاجه هو تطمين رأس المال عبر القوانين والاستقرار وبعدها يمكننا قيادته للاتجاه الصحيح.

*هل من معوق آخر أو حلول أخرى؟

واحدة من مُقعدات الاقتصاد هي رداءة الطرق وعدم وصولها إلى مناطق الإنتاج، ويمكن معالجتها عبر الولوج في نظام (البوت) وهو نظام معمول به عالمياً، حيث تعمل الشركة على بناء الطرق تحت إشراف ومواصفات وزارة الطرق والبنية التحتية وبعد الانتهاء من الطريق تستخلص مستحقاتها خلال تشغيله في 15 أو 20 عامًا ثم  تعود للدولة بعد صيانتها التي تكون دورية، وهذا يحقق وجود طرق معبدة ما يقود لنقل الطن من أقصى غرب السودان إلى الميناء في الشرق بقيمة بسيطة جداً، ويكون المستثمر مستفيداً بتأجير الطريق ويكون المنتج في أقاصي السودان مستفيدًا بتصدير إنتاجه وجلب عملات صعبة، كما يمكننا تحسين وتطوير السكة حديد للمساعدة في هذا الهدف والمعروف أنها أرخص وسائل النقل على مستوى العالم.

*الولايات تشهد مشاكل كبيرة واقتتالاً أهلياً؟

وجود أيادٍ هناك تعبث بالوطن وتريد أن تدفع السودان إلى صراع إثني، وقبل فترة مثلاً خلال زيارتنا فتابرنو بشمال دارفور، جلسنا مع المعتصمين بعد أن هوجموا وقمنا بالعزاء في الشهداء وعاودنا الجرحى وتحدثنا بشفافية وحديثنا كان يتركز على المحور الأمني عبر تلبية طلبهم للحماية الشخصية وللمزارع والمشاكل، هذه كانت في السابق تحل عبر الإدارات الأهلية الذين كانوا يعرفون حدود الراعي والمزارع وبين المسارات للرحل وفي السنين الأخيرة ظهر منفلتون من هنا وهناك يثيرون المشاكل التي تقود إلى تفاقم المعضلة بين مكون قبلي كامل ضد مكون آخر.

*هل من مطالب محددة لهم في الاعتصام؟

نعم. استمعنا إلى طلباتهم وهي مهمة جداً وواجبة التطبيق مثل الحاجة للمستشفيات وآبار للماء وزيادة مكون الشرطة والمدارس والطرق، ونحن توافقنا مع شباب اعتصام فتا برنو واستجبنا لكل مطالبهم ووجهنا بتنفيذها، وبعدها جلسنا معهم وكونا آلية بين المكونين وذكرناهم بأنهم يعيشون لسنين مع بعض، وأصلًا النزاعات قديمة ومتجددة لذا كونا آلية منهم تضم النازحين والحرية والتغيير والشباب لحل الخلافات، وإذا حصل أي تعدٍّ على مزرعة أو مرعى ترفع للجنة. وطالبوا بلجان تحقيق وشكلناها فعلاً، لكننا وجدنا ضعفاً في عدد وكلاء النيابة وضاعفنا عددهم وكذلك قوات الشرطة.

وفي كتم وجدنا الوضع سيئًا جداً حيث قام المواطنون بحرق مركز الشرطة وأكثر من 17 عربة وتحدثنا إليهم بأن هذه الثورة هي ثورة وعي، ولا يمكنكم حرق ممتلكاتكم التي هي ممتلكات الدولة، وإذا كانت لديكم مطالب هناك عدة طرق للتعبير منها الاعتصام والتظاهر السلمي وكتابة المذكرات ورفعها للمحلية أو الولاية والحق مكفول وفق القواعد السلمية والديمقراطية مع عدم استخدام الألفاظ والشعارات التي تدعو للفرقة والشتات. وطالبنا إخوتنا في الحرية والتغيير بنشر الوعي وأن يكون هذا دورهم وأن الأمن مسؤولية الجميع ولديهم قضايا مطلبية تتعلق بتوفير الكهرباء والمياه والمستشفى وطالبوا باستكمال مسافة في طريق من الفاشر إلى كتم وسنقوم بتوجيه وزارة البنية التحتية للقيام بذلك.

*ما هي أكثر ما لاحظته خلال هذه الجولة من ناحية سياسية؟

دعني أقول بوضوح، أنا أعتقد أن هذه الثورة لم تغادر الخرطوم كثيراً، وهنا لابد أن تعمل التنسيقية الإعلامية التي هي مطالبة بعمل كبير جدًا بالذات في الولايات، لأن الإيقاع الموجود في الخرطوم ليس مثل الذي في الأقاليم. هناك أناس حاولوا أن يقودوا ثورة الوعي إلى اتجاه للاحتراب والاقتتال وتصفيات إثنية، وهذه مفاهيم يفترض أن نزيلها ونحتاج في ذلك إلى عمل كبير جداً على الأرض وطالما هي ثورة وعي يجب أن ينتشر في كل أقاصي ومدن وقرى وحلال وفرقان السودان.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى