(الحُكم الذاتي).. صراع المركز والهامِش!

 

تقرير: صلاح مختار

اتفقت الحكومة الانتقالية والحركة الشعبية (الجبهة الثورية) قيادة عقار على الحكم الذاتي للمنطقتين، تجاوزت بذلك مقترح الحكومة بطرح نظام حكم فيدرالي, الحكم الذاتي ليس بالأمر الجديد على السودان، حيث تم تطبيقه منذ العام 1953 خلال الحكم البريطاني – المصري للسودان، ثم نصت عليه اتفاقية أديس أبابا في العام 1972 بين حكومة الرئيس الأسبق جعفر نميري وحركة (الأنانيا 2) بقيادة جوزيف لاقو في إطار حل مشكلة جنوب السودان وفي وقت سبق طرحت الحركة الشعبية ذلك المطلب أمام. حكومة الإنقاذ التي كان يقود وفدها في يوم من الأيام بروفسير إبراهيم غندور وزير الخارجية الأسبق، وعندما طرحت القضية أوضح غندور أنه لا يملك تفويضاً لمناقشة الحكم الذاتي. وعندما اشتد النقاش في طاولة المفاوضات السابقة بشأن طرح الحركة الشعبية للحكم الذاتي قدم في تطور مفاجئ منير شيخ الدين رئيس الحزب القومي وعضو وفد الحكومة استقالته من الوفد، وتبنى طرح الحركة الشعبية المطالب بالحكم الذاتي للمنطقتين، وقال في تصريحات أن الأفضل لمركز السلطة القبول بهذا الطرح، لأن المركز لا يملك حلول جذرية لرأب الصدع وإيقاف حمام الدم السائل منذ الاستقلال، ويضيف (الحكم الذاتي الآن أفضل من خيار الحرب طويلة الأمد وهي التي أنتجت هذه المطالب).

إذاً، طرح الحكم الذاتي يعود بالأذهان إلى قضية صراع المركز والهامش، فما هي إيجابياته وسلبياته؟

حرية المشاركة

لعل الحكومة الانتقالية كانت تسعى إلى إرجاء حسم قضية الحكم الذاتي إلى حين عقد مؤتمر دستوري مع نهاية المرحلة الانتقالية، وهو ما ترفضه الجبهة التي ترى ضرورة مناقشة جميع الملفات العالقة في الوقت الحالي، بما فيها مستويات الحكم والترتيبات الأمنية. بيد أن المتحدث باسم الجبهة الثورية، الممثلة لحركات مسلحة وسياسية عدة، أسامة سعيد قال لـصحيفة (العرب)، إن المقصود بالحكم الذاتي، هو وجود سلطات مركزية وأخرى للأقاليم، ووجود سلطات مشتركة بين الطرفين داخل إطار الدولة، بحيث يحكم كل إقليم ذاته عبر جميع السلطات الداخلية المخولة له بما فيها الاستدانة من الخارج بضمانات يحددها كل إقليم، باستثناء سلطتي الخارجية والدفاع. وأضاف أن كل إقليم من حقه انتخاب سلطته على مستوى الولاة من دون أن تكون هناك تعيينات مباشرة من جانب المركز، وذلك من شأنه الإعلاء من قيمة مواطني الهامش والأطراف وترك الحرية للمشاركة بفاعلية لإدارة مناطقهم.

هيمنة المركز

سمح الاتفاق بالمقارنة بين ما تم بشأن جنوب السودان وجنوب كردفان، حيث يرى الخبير القانوني والسياسي د. أبوبكر عبد الرازق أن ما تم على شاكلة حكومة الجنوب خلال فترة الاتفاقية السلام، ولكن الآن في إطار وحدة السودان.

بيد أنه قال لـ(الصيحة): بالطبع سيكون ذلك على حساب شعب الولاية، واعتبر خيار الحكم الذاتي أسوأ من الخيار الفدرالي باعتبار أنه يرجع الأمر لشعب الولاية ويمكنها من مواردها التي تؤول إليها بجانب أن صندوق دعم الولاية في إطار الحكم الذاتي يحصل على (80%) من موارده بالتالي الحكم الاتحادي لا علاقة له بذلك، ولذلك نقول هو الخيار الأفضل، ورأى أن الحركة الشعبية ليست بالقوة التي تفرض على الحكومة خيار الحكم الذاتي إلا في إطار الضغط السياسي والتفاوضي أو الضغط الخارجي.

ولفت إلى أن الحكم الإقليمي ألغى الحكم الذاتي، وقال إن النمط العادي هو الحكم الفدرالي ويحتاج إلى صبر الحكومة المركزية والايفاء بالاتفاق وتعتمد ما التُزم به على الوحدة، ونوه إلى أن حكومة الوطني ظنت أن فصل الجنوب يمكنها من حكم بقية السودان بسهولة ولكنها وقعت تحت الضغط الدولي.

مناورة سياسية

واستبعد مصدر لـ(الصيحة) أن يتخذ وفد الحركة الشعبية من طرح الحكم الذاتي مناورة في عملية التفاوض، وقال: (يبدو أن الحركة الشعبية جادة في طرح قضية المنطقتين في إطار الحكم الذاتي والحركة طالبت أن يكون ذلك وفق صلاحيات إقليمية وفيدرالية متفق عليها). وأضاف أن اتفاقية السلام الشامل في عام 2005 كانت قضية منطقتي النيل الأزرق وجبال النوبة مطروحتين ومُنحتا حق المشورة الشعبية لاختيار شكل الحكم في المنطقتين، مشيراً إلى أن المشورة الشعبية التي طرحتها حكومة الإنقاذ لم يتم تنفيذها من قبل الحكومة بسبب نتائج الانتخابات في جنوب كردفان (التي كانت مزورة) حسب قوله.

روشتة عمل

وسبق أن تم إلغاء حق تقرير المصير في عام 2017 من قبل مجلس الحركة بقيادة مالك عقار الذي صادق بالإجماع، ونادت ورشة عمل بتنزانيا باعتماد الحكم الذاتي بالمنطقتين، وهو ما لم تتحقق تطلعات الإقليم، ولكن جاء اعتماد حق تقرير المصير في ورشة عمل بعنوان (الاجتماع التفاكري حول ميثاق نداء السودان الجديد) في مايو 2016 بكاودا الذي ترأسه سليمان جونة، وظلت الحركة تُلوّح بهذا الموضوع في كل جولة قامت بها مع الحكومة.

مزايا خاصة

ويرى المدير العام لإدارة تطوير نظم الحكم اللامركزي بديوان الحكم الاتحادي د. معاذ عبد الله بلال لـ(الصيحة) في حديث مقتضب، أن المقصود في الاتفاق الذي أُبرم في جوبا بالعودة إلى نظام الحكم الإقليمي بسلطات حقيقية هو عمل أقاليم في شكل ولايات بمعنى بدلاً من الولاية يستبدل إلى إقليم. بيد أنه قال: الحكم الفدرالي له مزايا كثيرة، لأنه يحفظ البلد من التفتت أو الانشقاقات، والحكم الفدرالي يحافظ على وحدة البلاد، وأشار إلى خطورة منح الإقليم مثلاً دارفور إقليم واحداً سيكون سهل الانفصال، وهو ما يتخوّف منه الناس.

ما يجمع وما يُفرّق

اعترضت بعض القوى السياسية في وقت سابق على موقف الحركة الشعبية المطالب بالحكم الذاتي للمنطقتين واتهمتها بالسعي إلى تفتيت البلاد، وقال السكرتير السياسي السابق للمؤتمر الشعبي كمال عمر لـ (عاين)، إن ما يجمع الناس أكثر من ما يفرقهم، رافضاً حق الحكم الذاتي الذي قال إنه قد يصل في أعلى مستوياته إلى حق تقرير المصير وتمزيق السودان إلى دويلات صغيرة فاشلة، مستدلاً بدولة جنوب السودان التي استقلت عن السودان في العام 2011.

عدم التخويف

ولكن الناطق الرسمي باسم وفد الحركة الشعبية المفاوض مبارك أردول  قال في تصريحات سابقة: يجب عدم اتخاذ  الأمر على أنه حق تقرير مصير لتخويف أهل المنطقتين من التمتع بحقوقهم الدستورية التي يكفلها دستور السودان الانتقالي، ويضيف (إن الحكم الذاتي يتم في إطار الوحدة ويجب عدم تخويف الشعب على أنه حق تقرير المصير فحق تقرير المصير شيء ربما يقود للوحدة كما حدث مؤخراً في اسكتلندا أو اﻻنفصال كما حدث في جنوب السودان، يجب تسمية اأمور باسمها)، داعياً الرافضين لحق الحكم الذاتي لمنطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان تقديم البديل، ويضيف (إيمان الحركة بوحدة السودان على أسس جديدة راسخ ولا يتناقض مع مطالبتها بالحكم الذاتي في المنطقتين وربما دارفور وهي لن تتخلى عن التغيير والتحول الديمقراطي في المركز).

مهمة خاصة

لقد مهدت الحركة الشعبية أرضية لطرح قضية الحكم الذاتي بالمنطقتين من خلال جلسات تثقيفية لفعاليات بالنيل الأزرق، وقاد  دكتور فرح إبراهيم عقار الخبير في ذلك الوقت بالحركة الشعبية قبل تقديم استقالته من الحركة فريق العمل لذلك، حيث أن المطلب يعبر عن أهمية الاتجاه لمنح المنطقتين الحكم الذاتي الذي بموجبه يمكن لشعوب المناطق المهمشة الارتقاء إلى مصاف الأمم المتقدمة، وأوضح أنه وبعد إعلان الحركة لمطلب حق الحكم الذاتي في جولة أديس أبابا الأخيرة (إنهم في النيل الأزرق شرعوا في تعريف المواطن بهذا الحق، الأمر الذي لقي قبولاً من قطاعات الشعب المختلفة)، مشيراً إلى  أن هنالك نماذج لدول عديدة استطاعت أن تطوي صفحات من الصراع بإعطاء حق الحكم الذاتي، وهو أمر مشروع وموجود في دستور السودان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى