ضحايا قصف اليرموك.. تعويضات في مهب الريح؟

 

 

أُسر الضحايا: لم نستلم مليماً من النظام المخلوع

قانوني: يُمكن لأسر الضحايا مقاضاة إسرائيل والحكومة معاً

والد أحد الضحايا: البشير قال لي ابنك شهيد و(ما تبقى مع الخونة)

محمد: خاطبتُ الرئيس فحوّلني لبكري ومنه إلى والي الخرطوم بلا  فائدة

عوضية: فقدتُ زوجي ووعدوني وأخلفوا وعدهم

 

القصف العنيف الذي ضرب مصنع اليرموك للذخائر جنوب  الخرطوم  في يوم الثلاثاء 23 أكتوبر من العام 2012 عند منتصف الليل خلف أضراراً كبيرة بالمصنع، كما أنه أدى إلى تلف في بيوت وممتلكات الأهالي القريبة من المصنع، كما قتلت شظايا القصف ثلاثة أفراد من  أسر كانت تقطن على مسافة قريبة من مكان المصنع .

وقتها كانت دفاعات الحكومة تغط في نوم عميق رغم أن الطائرات الإسرائيلية، وباعتراف مواقع إسرائيلية حلقت في ارتفاعات منخفضة قبل ضرب المصنع ..

تدافع

في تلك الأجواء القلقة والخطيرة تدافع مواطنو الخرطوم نحو موقع الانفجار الهائل (مصنع اليرموك) واختلط الحابل بالنابل حتى تبين لهم أن المصنع تعرض للقصف..

ضحايا

في مناطق متفرقة شرق وغرب وجنوب المصنع، كانت هنالك ثلاث أسر في حالة لا توصف من الألم والدموع والخوف  استيقظت على أصوات الانفجارات التي سقطت عليها، وهي لا تدري من أين ولماذا؟

بحي بدر مربع (1)  اصيب عثمان حامد إبراهيم حامد الخريج في جامعة النيلين  بشظية دانة في رأسه وسقط فاقدًا الوعي ليلقى حتفه بمستشفى الخرطوم التعليمي بعد لحظات من وصوله إليها.

وفي منطقة الاندلس مربع (9) فقدت عوضية توتو إسماعيل كوكو زوجها تمدد أمامها يلفظ أنفاسه الأخيرة بعد أن تلقى جسده قذيفة حولته إلى أشلاء..

وفي الجانب الآخر من المدينة منطقة أبو آدم  لقي الفاتح محمد يوسف الطالب الجامعي بكلية هندسة جامعة السودان حتفه إثر صاروخ اخترق بطنه مخرجًا أحشاءه ..

الصمت

الضرر الذي أحدثه الاعتداء على مصنع اليرموك في الأرواح والممتلكات والخراب الكبير في المصنع ذاته كان من المفترض أن يجد اهتماماً أكبر من حكومة الإنقاذ بالعمل على تعويض المتضررين إلا أنها  التزمت الصمت..

وإذا كان صمتها عن تعويضات المصنع يبقى مستساغاً بحكم أن المصنع يتبع للجيش، إلا أن صمتها عن تعويض ضحايا الانفجارات يبقى أمراً غريباً وعجيباً خاصة وانها مسؤولة مسؤولية مباشرة عن الأضرار التي حاقت بممتلكات المواطنين وارواحهم …

تحقيق: محيي الدين شجر

انفجار في بيتي

“الصيحة” تتبعت مع أسر ضحايا مصنع اليرموك قصصهم المؤلمة، وكيف أنهم ولأكثر من ثماني سنوات ظلوا يلهثون وراء تعويضاتهم دون فائدة .. حكى لـ (الصيحة) حامد إبراهيم حامد والد (عثمان) شهيد اليرموك اللحظات العصيبة التي عاشها ليلة سقوط ابنه بقوله:

كنت وقتها مستلقياً بمنزلي بحي بدر مربع (1) بعد يوم طويل من العمل وقبل أن أغط في النوم سمعنا أصوات انفجارات مدوية هزت أركان المنزل لأسمع طرقاً بباب المنزل ويخبرني احد شباب الحي بسقوط ابني جراء إصابته في رأسه فهرعنا إليه وحملناه، وكان في حالة غيبوبة إلى مستشفى بشائر ومنها إلى مستشفى الخرطوم التعليمي حتى وفاته في صباح اليوم الثاني.

ليضيف بقوله: وصلنا في العزاء كل من والي الخرطوم عبد الرحمن الخضر ووزير الدفاع عبد الرحيم محمد حسين ومعتمد جبل أولياء والتزم والي الخرطوم بجبر الضرر وتقديم العون لي بإصلاح البيارة التي كنت أعمل عليها في المنزل وتعويض الأسرة عن فقد ابننا لكنه لم يلتزم بوعده..

ومضى يقول حضر لي وزير الدفاع عبد الرحيم محمد حسين وقال لي غن ابني شهيد وسيجد ما يجده الشهداء، واتصل بالرئيس البشير أمامي ليحدثني البشير بأن ابني هو شهيد، وقال لي بالحرف الواحد (ما تبقى مع الخونة) ويقصد (ناس) المؤتمر الشعبي ولم أفهم قصده.

وأضاف: ظللت منذ العام 2012 ألهث وراء وعود والي الخرطوم ووزير الدفاع ومعتمد جبل أولياء دون جدوى، حيث لم أحصل على أي تعويض حتى الآن، حيث كنت لعبة في أيدي المسؤولين يحولونني من مسؤول إلى مسؤول من الأراضي إلى هيئة المياه إلى مكتب والي الخرطوم طوال تلك السنوات..

وقال: نحن نستحق تعويضاً من الحكومة ومن دولة إسرائيل التي قصفت المصنع..

الوصية

أما محمد يوسف عبد الله، فقال: كنت بمصر ووصلت السودان في نفس يوم الهجوم على مصنع اليرموك.

ويضيف: أصاب صاروخ ابني (الفاتح) في بطنه وسقط أمام المنزل وكنا وقتها بالداخل ولم يره احد ليتصل بنا عبر هاتفه بآخر أنفاسه ويوصينا بأن يدفن جوار والدته التي رحلت قبل شهر ..

وقال وعدني والي الخرطوم عبد الرحمن الخضر ووزير الدفاع عبد الرحيم محمد حسين بتعويضنا، وخاطبت الرئيس السابق عمر البشير وقام بتحويلي إلى بكري حسن صالح وحولني بكري إلى الفريق عصمت مدير عام منظمة الشهيد وحولني عصمت مرة ثالثة إلى والي الخرطوم، وأصبحت أتنقل في مكاتب المسؤولين بحثاً عن حقوقنا دون فائدة..

وقال: نحن نطالب بحقوقنا من إسرائيل، والتي قال رئيس وزرائها عقب ضرب المصنع إنه سيعوض أسر الضحايا ولن يدفع تعويضاً للمصنع، ولا ندري هل استلمت الحكومة أي تعويض أم لم تستلم.

مضيفاً: كما نطالب الحكومة ومثلما التزمت بتعويض أسر ضحايا المدمرة كول بملايين الدولارات أن تقوم بتعويضنا،

وأضاف قائلاً: لا ذنب لنا فيما حدث، وكنا آمنين في مسكننا والحكومة بعدائها تسببت في مقتل ابني وكل ما فعلته اعتبرته شهيداً..

عوضية كوكو إسماعيل، كشفت أنها فقدت في القصف زوجها حسن علي كوة، وقالت: كنا في ذلك التاريخ المشؤوم نائمين في حوش المنزل بحي الأندلس جنوب المصنع، فاستيقظنا على أصوات ضخمة جداً، وقررنا الدخول إلى داخل الغرفة، وحملت طفلي الصغير في صدري وتقدم زوجي لفتح باب الغرفة لتأتيه قذيفة من داخلها، فسقطنا جميعاً على الأرض لنتفاجأ بإصابة زوجي  حسن علي كوة بإصابة مميتة .

وأضافت: زارني مسؤولو الحكومة ووعدوني بالتعويض جراء فقد زوجي، لكنهم لم يفوا بوعدهم واضطررت للعمل كبائعة شاي لتربية أطفالي السبعة، وأعمل من الساعة السادسة صباحاً حتى السادسة مساء، وقالت إنها تعيش أوضاعاً صعبة والحكومة لم تفعل لها شيئاً.

وفي الوقت الذي صمتت فيه حكومة الإنقاذ عن المطالبة عما أصابها من أضرار جراء القصف الإسرائيلي أدان مجلس جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية العرب العدوان الذي قامت به إسرائيل، وقالت إنه ادى إلى ترويع المدنيين وسقوط العديد من الضحايا وإلحاق أضرار بالغة بالمصنع والأحياء المجاورة وتدمير الممتلكات العامة والخاصة وإفساد البيئة.

وألزم المجلس إسرائيل بتحمل مسئولياتها المترتبة على الاعتداء بما في ذلك التعويض عن كل الأضرار الناجمة عنه ..

الحكومة لم تطالب بالتعويض

الحكومة بدلاً من الحديث عن ضرورة تحمل إسرائيل للأضرار التي نتجت جراء هجومها على مصنع اليرموك بما فيها تحملها تعويضات مالية لأسر الضحايا، خرجت ببيان ضعيف للغاية حيث اتهمت إسرائيل بالوقوف وراء قصف مجمع الصناعات العسكرية وهددت بالرد.

وأشارت على لسان وزير الاعلام وقتها أحمد بلال  إلى أن المصالح الإسرائيلية أصبحت حقاً مشروعاً أمام السودان.

التعويض ممكن  

الدكتور القانوني كمال محمد الأمين، قال لـ (الصيحة): من حق أسر الضحايا مقاضاة الحكومة والمطالبة بالتعويض، وقال إن الحكومة وضعت الأسلحة في أماكن مدنية، وبالتالي يمكن لتلك الأسر اللجوء إلى القضاء المدني، وأضاف: أيضاً يمكن لهم مقاضاة الحكومة الإسرائيلية لتعويضهم عن الضحايا الذين استشهدوا نتيجة للقصف.

وقال: الحكومة السودانية بعد قصف مصنع الشفاء بالصواريخ الأمريكية تقدمت بمذكرة للحكومة الأمريكية تطالب فيها بتعويضات قدرها 50 مليون دولار عن تدمير الجيش الأمريكي مصنع الشفاء للأدوية في السودان عام 1998 إلا أن قضاة محكمة الاستئناف الاتحادية رفضوا النظر في الطلب على اعتبار أن القضية تمثل مسألة سياسية تتعلق بأمر أصدره رئيس الولايات المتحدة الأمريكية آنذاك يخول الجيش شن الضربات الصاروخية، وأنه بمقتضى الدستور الأمريكي لا يمكن مراجعته من قبل الهيئة القضائية .

مضيفاً بقوله: لماذا لم تطالب الحكومة بالتعويض عن الأشخاص الذين قتلوا بسبب قصف مصنع اليرموك. ولماذا لم تعوضهم ..

الشيوعي يطالب بالتعويض

الحزب الشيوعي بعد القصف الإسرائيلي لمصنع اليرموك كان  أصدر بياناً حينها، وطالب بإبعاد الصناعة الحربية ومستودعات الذخيرة عن المناطق السكنية ومناطق مستودعات البترول ومراكز توليد الماء والكهرباء.

كما نادى بامتصاص الآثار المدمرة للعدوان وتعويض المواطنين المتضررين عن الخسائر التي نتجت عنه.

شهداء

الحكومة السودانية كل ما فعلته أنها اعتبرت ضحايا القصف شهداء حيث صدر قرار جمهوري بالرقم (70) لسنة 2013 تحت عنوان (إعلان شهيد) أعلنت فيه كلاً من الفاتح محمد يوسف، وحسن علي كوة،  وعثمان حامد شهداء، وطالبت الجهات المختصة بوضع القرار موضع التنفيذ .

مطالب مستمرة

غير أن أسر الضحايا أكدوا في حديثهم للصيحة بأنهم لم ينالوا أي دعم جراء اعتبارهم شهداء، وقال حامد إبراهيم حامد إنه بعد سقوط نظام الإنقاذ تقدم بطلب لوالي الخرطوم الحالي الفريق ركن أحمد عبدون حماد  لتعويضهم ووجه الوالي بتاريخ 17/ 2/ 2020 مدير عام وزارة التنمية الاجتماعية ليمنحه مشروع إعاشة ولم ينفذ التوجيه حتى الآن .

اعتراف

استبعد مصدر قانوني تحدث لـ (الصيحة) استلام الحكومة أي تعويضات جراء قصف مصنع اليرموك، وقال إن اعتراف الإعلام الإسرائيلي بقصف المصنع كان كافياً لتتقدم الحكومة بشكوى ضد إسرائيل لكنها لم تفعل.

وأضاف أن الوقت الآن مناسب لتدفع الحكومة الإسرائيلية تعويضات للأسر التي فقدت أبناءها في القصف..

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى