لقاء حمدوك ومدبولي.. لماذا سَقَطَ ملف حلايب؟!

 

الخرطوم- النذير دفع الله

ظل ملف مثلث حلايب يمثل خميرة عكننة بين السودان ومصر متى ما تم تناولها في أيٍّ من المحافل، مما حدا بالطرفين لتجاوز الحديث عن المنطقة والاكتفاء بأنها ملف رئاسي، ولعل هذه السياسة هي ما جلعت القضية تتأرجح بين الاتهام والدفاع منذ تسعينات القرن الماضي دون مُواجهتها وحسمها.

وظل المثلث المتنازع عليه والذي يُطل على البحر الأحمر، ويضم “حلايب وشلاتين وأبو رماد” بمساحة نحو (20.5) ألف كم منطقة مفتوحة دون قيود حتى 1995م حينما عاد للواجهة إثر قيام الجيش المصري باحتلال المثلث كرد فعل على مُحاولة اغتيال الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، حسب اتهامات القاهرة للخرطوم، ومن وقتها ظلّ الجانب المصري يُماطل ويمانع عمليات التفاوض المفتوح في مُحاولات لمصرنة المنطقة.

وخلال زيارة رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي للخرطوم هذا الأسبوع ولقائه برئيس الوزراء عبد الله حمدوك، تعمّد الطرفان عدم الخوض في القضية، وهو تجاهل ربما يعطي القضية أبعاداً اخرى، ويرى خبراء أنه كان ينبغي للخرطوم ألا تُوافق على الخوض في مُحادثات دُون التأكُّد من وضع حلايب ضمن الأجندة وحسمها باعتبارها “خميرة العكننة”، بل واتخاذ كل السُّبُل للضغط في رسالة مضمونها التعامُل بالمثل.

انتخابات سودانية وأخرى مصرية

في العام 2010م، اعتمد السودان المنطقة كدائرة انتخابية تابعة لولاية البحر الأحمر، واعتبر سكانها مُواطنين سودانيين يحق لهم التصويت، لكن الأمر لم يُنفذ على أرض الواقع.

وبعد أشهرٍ من الثورة المصرية 2011م التي أطاحت بمبارك، أجريت انتخابات برلمانية مَصرية شَملت المُثلث المُتنازع عليه، وبعد سقوط مبارك وتولي الرئيس المُنتخب محمد مرسي نقلت وسائل إعلام مصرية عن مسؤولين سودانيين، أن مرسي وعد نظيره السوداني عمر البشير بـإعادة المنطقة إلى السودان، وهو ما نفته الرئاسة المصرية  آنذاك.

لجنة للحسم

للمرة الأولى، تحدثت وزارة البترول المصرية في أبريل 2014م عن عزمها تنقيب البترول والغاز في المثلث، وفي يونيو منحت القاهرة شركة حكومية حق التنقيب عن الذهب والمعادن لتقنين عملية البحث العشوائي.

وفي أبريل 2016م، دَعَت الخارجية السودانية مصر إلى التفاوض المُباشر حول المثلث المُتنازع عليه، مُلوِّحة باللجوء إلى تحكيم دولي، رفضت القاهرة تلك الدعوة وشدّدت على سيادتها للمثلث.

وفي مارس 2017م، أعلنت اللجنة الفنية لترسيم الحدود بالسودان، عن تكوين لجنة لحسم القضية وإخراج المصريين بالطرق الدبلوماسية، وذلك بعد تعليقات في وسائل إعلام مصرية اعتبرت الخرطوم أنها تناولت الحضارة السودانية بشيءٍ من الإهانة، واتفقت خارجية البلدين على التعامل بـحكمة مع محاولات الوقيعة بين البلدين، إضافة لرفض التجاوزات وعقد لقاء وزاري، وفي أغسطس 2017م، قررت مصر تخصيص نحو (60) مليون دولار لتنمية المنطقة.

استدعاء وتجديد شكوى

في يناير 2018م، جدد السودان شكواه السنوية لمجلس الأمن الدولي حول قضية المثلث وهو الموقف الذي على إثره غادر السفير السوداني بالقاهرة عبد المحمود عبد الحليم مصر إلى الخرطوم عقب استدعائه للتشاوُر حول ما تم من إجراءٍ وبحث ردود الفعل.

ووفقاً لما أقدمت عليه القاهرة لطرحها مُزايدة دولية لاستكشاف النفط والغاز بالبحر الأحمر في أربعة قطاعات بالمثلث المُتنازع عليه، استدعت الخارجية السُّودانية في 2019م، السفير المصري لدى الخرطوم حسام عيسي احتجاجاً على طرح القاهرة وهو ما لم تعقب عليه القاهرة، وكما جرت العادة فإن مصر تحدثت عن أحقيتها بالمنطقة، وعليه حذّر الشركات الإقليمية والدولية بإجرءات قانونية حال قبولها العمل في التنقيب في المثلث.

التحكيم الدولي

الخبير في القانون الدولي البروفيسور أبو القاسم قور قال لـ(الصيحة)، إن الطرفين السوداني والمصري قصدا تجاوز مناقشة قضية حلايب وشلاتين لعدم رغبتهما في إثارة قضايا خلافية بين الطرفين، سيما وأن السياسيين دائماً لا يُفضِّلون الخوض في المسائل الخلافية التي من شأنها التأثير على علاقات الدول، وأضاف بأنّهم لا يحبذون فتح قضية طالما ظلت خامدة لوقت طويل حتى لا يتصعد الأمر، وقال قور: “يجب على السودان ألا يتّجه للتحكيم الدولي، خاصةً وأن التحكيم الدولي أصبح واضحاً في قضية أبيي، بينما اذا حدث أي قرار سلبي ناتج من لجنة التحكيم الدولي ربما تصبح القضية ليست في المصلحة، سيما وأن التحكيم الدولي يكون اللجوء إليه بالإرادة الحرة، وأوضح أنّه على السودان البحث عن حلٍّ أمثل مُختلف بعيداً عن التحكيم الدولي، وأضاف بأن القانون الدولي هو مَن يَفصل في هذه القضايا، واذا ما فشلت الدول لحل قضاياها تلجأ لمحكمة العدل الدولية والتي مهمتها الحكم بين الدول عندما تفشل في حل قضايا متعلقة بالبيئة والبحار والتجارة والدولية، بينما البعض يلجأ للتحكيم الدولي وهو نَوعٌ من الحلول الدولية لحل المشاكل، وذكر أنّ السودان لديه الكثير من الإشكالات في مناطق مختلفة، لذا عليه الآن عدم فتح الملف، ونوّه إلى ما أقدمت عليه مصر من ناحية بعض الاستثمارات وقال “إذن يجب على السودان أيضاً الاستثمار”.

كروت ضغط

من جانبه، اعتبر المحلل السياسي البروفيسور حسن الساعوري، أنّ عدم تناول القضية ضمن جملة الملفات التي طرحت مع الجانب المصري يعتبر تقصيراً من حكومة السودان في ملف كبير وشديد الحساسية كان يجب ان يكون حاضراً وبشدة، بل وأن ترتبط به كل الملفات الأخرى.

وقال لـ(الصيحة)، إن الحكومة ورئيس مجلس الوزراء كان يجب ألا يتحدثا للمصريين إلا وهذا الملف حضوراً، وأكد أن السودان مضى قُدُماً بشأن الشركات الموجودة والمُستثمرة في مجال التعدين، وأنه كان يجب على الشركات العالمية ألا تقبل العمل في منطقة مليئة بالموانع وبها نزاع بين دولتين، وتابع: “توقّعنا أن يكون موضوع الشركات في حلايب وشلاتين هو موضوع حضور الوفد المصري وليس سد النهضة”، ونبه الساعوري إلى أنّ الجانبين قد اتفقا على (دس الكلام) إذا أحسنا الظن، واذا أسئنا الظن، فإن القضية سقطت سهواً من السودانيين الذين لا يريدون إثارة الأمر، وقال “كان يجب على الجانب السوداني أن يتمسك بقضية حلايب ويتم عرضها واستخدامها كواحدة من كروت الضغط على الجانب المصري”، وأضاف أن قضية سد النهضة لم يكن التوافق حولها (100%) ولكن “السودانيين مجاملون مصر” لعدم حديثهم كثيراً عن الإشكالات المتعلقة بالسد، وأن الحديث عن الإشكالات السودانية والضرر المتوقع على السودان إنما مجاملة فقط للجانب المصري، ونبّه لوجود قضايا أكبر من ذلك في المعابر والحدود وغيرها، مما أدى لأن تكون عائدات ميزان المدفوعات لصالح مصر، وتساءل: “لماذا أي قضية تذهب لصالح المصريين، وإلى متى يتواصل الأمر؟”، وألمح الساعوري إلى أن السياسة الخارجية السودانية ضعيفة، لجهة عدم معرفتها بالأولويات، سيما وأنّ السودانيين يعتبرون المصريين أشقاء، ولكن ما تفعله مصر وتقوم به تجاه السودان لا يُعتبر مُعاملة أشقاء، وقال إنّه فات الأوان على أن يتّخذ السودان قضية سد النهضة كرتاً رابحاً للضغط على الجانب المصري، واعتبر أن السودان كان يمتلك الكثير من كروت الضغط على مصر ولكنه أغفلها مما سيكون خصماً على القضية السودانية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى