شفافية المسؤولين.. دلالات التغيُّر السِّياسي!    

                                                                                                                                                               

الخرطوم- ابتسام حسن

التزمت الحكومة الانتقالية، بمبدأ تباهى به غيرها من الحكومات، وهو مبدأ (الشفافية) وتمليك المعلومة، غير أنّ المعلومة الشَفّافة التي تدفع بها الحكومة تقوم بإفشائها وفقاً لرغبتها الذاتية وفي الوقت الذي تريد.. ومَا يُؤكِّد على ذلك، الشكوى الدائمة من قبل وسائل الإعلام خَاصّةً الصحافة من عدم تلقِّي المعلومة التي تريد في وقتها، وهذا الأمر خَلَقَ جفوةً بائنة بين الحكومة والصحفيين..!
ويبدو أنّ الشفافية في المعلومة، خاصّةً المعلومة الصحية أدّى إلى معارك شبيهة بالحرب بين أضلاع الحكومة ذات نفسها.

وليس بعيداً عن الأذهان، إعلان وزير الصحة أكرم علي التوم عن انتشار وباء الوادي المُتصدِّع الذي أدّى إلى توقُّف صادر الماشية وتأثُّر الاقتصاد المنكوب.. هذا الإعلان أدّى إلى تصادُم بين الجهات الصحية والجهات الاقتصادية، لكنه كان صراعاً مكتوماً إلى حدٍّ ما، إلا أنّ وزير الصحة الاتحادي د. أكرم علي التوم وصف بأنه شخصية مُثيرة  للجدل، في وقتٍ يكتسب فيه الرجل ثقةً واضحةً بالنفس وظهر ذلك جلياً إبان تصريحه والإعلان عن إصابات بحمى الوادي المُتصدِّع، إذ أنّ الرجل خرج بتصريحٍ، مُعتدّاً بنفسه بأنه سيذكر أسباب إعلانه عن المرض في حال جلوسه مع وزير الصناعة مدني عباس مدني ووزير الثروة الحيوانية، وتحدى مُعارضيه وأبدى جاهزيته للمُقابلة، هذا غير تصريحاته للتلفزيون القومي التي أكّد من خلالها تلقِّي مُوظّفين بقطاع الدواء لرشاوى وشراء أدوية بأموال باهظة غير مُتاحة، مُؤكِّداً أن المرضى يموتون بالولايات، في وقتٍ تتكدّس فيه الأدوية بمخازن الإمدادات الطبية، كل ذلك أثار عليه غضب عدد من الكوادر الطبية والصحية، ونظّم عددٌ من العاملين بتلك الجهات في وقتٍ سابقٍ وقفات احتجاجية مطالبين الوزير بتأكيد ما أدلى به.

وباء واحتجاج

وكشف مدير إدارة الطوارئ الصحية ومكافحة الاوبئة د. بابكر المقبول في مؤتمر صحفي بوجود وباء الملاريا وشمل معظم ولايات السودان، وقال إنّ إدارته بذلت جهوداً كبيرة أتت أُكلها، وقال إنه في أسابيع محدودة انتهت الظاهرة ورجعت تردادات الملاريا على المؤسسات الصحية إلى وضعها الطبيعي، والتقط وزير الصحة المعلومة التي ذكرت من المقبول، مُنتقداً حكومة النظام البائد بأنها كانت تتكتّم على الأوبئة، وأشار إلى أنّ ارتفاع حالات الملاريا كان موروثاً من النظام البائد ويرجع إلى 2017م، وأكد أن في عهده تم القضاء على الوباء في 10 أيام فقط.

حساسية الموقف

وأجمع الخُبراء في مجال الصحة بأنّ المعلومات المُتعلِّقة بالأمراض الوبائية فيه الكثير من الحَسَاسيّة وتترتّب عليها آثارٌ اجتماعية وصحية واقتصادية ولها تأثير في الجانب الصحي، وأن هناك أمراضاً تنتقل من الحيوان إلى الإنسان، الأمر الذي يتطلّب الاعتراف بمبدأ الشراكة.
وقال مصدرٌ مسؤولٌ بوزارة الصحة رفض الإفصاح عن هويته، إنّ وزارة الصحة كانت لها تجارب سابقة في انتشار عددٍ من الوبائيات، خَاصّةً مرض حمى الوادي المُتصدِّع في عددٍ من المناطق الطرفية مثل ولاية البحر الأحمر ونهر النيل وتمت محاصرة المرض قبل أن ينتشر لولايات أخرى أو مناطق أخرى، وابان أنه من حيث المبدأ فإن عدداً من الأمراض وإعلانها واتباع مبدأ الشفافية يُمكن أن تكون مفيدة ولكن يتم ذلك وفقاً لترتيبات وتشاوُر مع الجهات المُختصة وتدارس فائدة إفشاء المعلومة وفي حال انتفاء الفائدة، وأن المعلومة تأتي بضرر على البلاد وإنّ إفشاءها لا داعي له حسب المصدر.

فائدة مرجوة

كشف المصدر عن أن الوزارة تنحو إلى إفشاء المعلومة عن الأمراض وفقاً لمُؤشِّرات مُحدّدة خاصّةً عندما تفتقر البلاد الإمكانيات اللازمة وتحتاج إلى مُساعدات خارجية، وقال إن وزارة الصحة عندما أعلنت عن الكوليرا وحمى الوادي المُتصدِّع خلال الفترة الماضية، كانت الحسابات غير دقيقة، إذ أنها كانت تطمح لدعم المنظمات الأممية وتوفير المُعينات المطلوبة، إلا أن الاستجابة لم تكن بالمُستوى المطلوب لسد الفجوات، حيث أن المنظمات قدمت دعماً فنياً أكثر من الدعم المادي المطلوب، واعتبر أن الدعم الذي قُدِّم من المنظمات الأممية لا يرتقي إلى مُستوى إعلان المرض ولم تحدث فوائد إضافية للمُكوِّن المحلي، في وقتٍ اضطّر فيه لتغطية الفجوات من المُؤسّسات الوطنية المُختلفة، منها الدعم السريع، ودعا إلى ضرورة وضع حسابات محدّدة قبل الإعلان عن المرض، خاصةً عندما يتعلّق ويؤثر على الجانب الاقتصادي، وقال إنّ الإعلان عن مرض الوادي المُتصدِّع مُؤخّراً لم تتم فيه استشارة اللجان المُختصة والخبراء، وأنه تمّت على عجلٍ، ونوّه إلى أن المرحلة تستدعي الشفافية والإعلان، لكن أن يتم ذلك وفقاً للإجراءات المنهجية والفوائد الصحية والاقتصادية، وشدد على أنه في حال تعلّق إعلان المرض بصحة الإنسان يجب ترجيح كفة صحة الإنسان على أي خيارٍ آخر، داعياً لضرورة المُوازنة بين السلبيات والإيجابيات من النواحي الصحية والاجتماعية والاقتصادية والدبلوماسية، وقال: يجب ألا تكون الأهداف مبنية على الافتراضات، فمثلاً حمى الوادي المُتصدِّع انتشر في مواقع جُغرافية يمكن السيطرة عليه، الأمر الذي كان يتطلب تَشَاوُراً مع وزارة الثروة الحيوانية بغير ما ترتّب على ذلك من الإعلان دفعت ثمنه الدولة بأكملها، ونعت المصدر، الحكومة الحالية بالانفراد بالرأي، في وقتٍ تزخر فيه البلاد بالعلماء، مُؤكِّداً أن وزارة الصحة شردّت عدداً من ذوي الخبرة والنتيجة كانت مشاكل في المستشفيات وقطاع الدواء ومُكافحة الأمراض!

الدعم الفني

وأوضح مصدر طبي رفيع آخر رفض الإفصاح عن هويته، بأن الأمراض نوعان، أحدهما لا تأثير له في حال إعلانه على النواحي الاجتماعية أو الاقتصادية مثل الكوليرا، إذ أن وزارة الصحة كانت لها تجربة سابقة في عدم إعلانها وتمّت مكافحة المرض خلال 10 ايام دُون الإعلان عنه، والثانية أمراض يتشارك فيها السلطات الصحية بجهات أخرى، مثل الثروة الحيوانية والأمن الاقتصادي، ويمكن أن يتم فيها حظر البلاد اقتصادياً في حال الإعلان عن المرض، ونوه إلى أنه في هذه الحالة فإنّ المعلومة تتعلّق بأكثر من جهة، وقال: في هذه الحالة يجب التشاوُر ووضع المُعالجات مع الجهة المعنية في وقتٍ قياسي أو مع جهات خارجية مثل منظمة الصحة العالمية ومانحين، بعد التأكد من عدم تعريض حياة المُواطن للخطر بسبب التكتم، وزاد: ظلّت هذه الموازنة الدقيقة يتم اتخاذ القرار بالإعلان أو عدمه لأنّ غرض الإعلان هو جلب الدعم والمُساعدة بالقضاء على المرض في أقصى فترة ممكنة، وأضاف أن هنالك أمراضاً تتعلّق بالإنسان مثل الكوليرا، وفي هذه الحالات يكون الإعلان عنها مسؤولية الجهة الصحية، ومن الأفضل التبليغ عنها في وَقتٍ مُبكِّرٍ، لأنّ الآثار الاقتصادية لمثل هذا الإعلان محدودة، ويكون الإعلان المبكر مُدعاة لجلب الدعم الفني والمالي.

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى