التعارُض النظري لنظام الحكم المركزي واللامركزي

 

 

بقلم:  شاكر رابح

كنتُ قد استعرضتُ في مقال سابق في عجالة ما ورد من أخطاء قانونية شكلية وموضوعية في قانون الحكم اللامركزي الجديد الذي أجيز مؤخراً من مجلس السيادة بعد إقراره من مجلس الوزراء، المشرعون لم يضعوا في الاعتبار أن حكومة الفترة الانتقالية التي تتلمس طريقها لوضع أسس متينة لنظام الحكم في السودان، يجب أن تستفيد من أنظمة الحكم في الدول المتقدمة التي طبقت نُظُماً تتلاءم مع طبيعتها الجوسياسية، ولم يستفيدوا من تجارب الدول التي أصيبت بلعنة الربيع العربي، وطبقت نظماً وحققت ديموقراطية ساهمت بشكل كبير في استقرارها السياسي والاقتصادي.

كنت قد تساءلت عن النظام الأمثل للحكم في السودان، خاصة في الفترة التي تلت ثورة ديسمبر المجيدة، وعلى الرغم من التعارض النظري لكلا النظامين (المركزي واللامركزي)، إلا أنه في الواقع التطبيقي والعملي، فإن النظامين متكاملان، ولا يمكن تطبيق نظام الحكم اللامركزي إلا في ظل الحكم المركزي ورغم تعارضهما في كثير من المواضِع، إلا أن مواءمة النظامين مطلوبة وضرورية وتتطلب توفر عوامل سياسية واقتصادية وأمنية ومنها حاكمية القوانين نفسها، وقوة المؤسسات والأفراد الذين يطبقون ويمارسون العمل الإداري والتنفيذي بالولايات.

في حالة وضع التشريعات والقوانين مثل قانون الحكم اللامركزي وهو من أهم القوانين لأنه ينظم ويوضح شكل الحكم وعلاقة المركز بالولايات في إطار العلاقات التنسيقية للأجهزة، بالضرورة أن يضع المشرع في الاعتبار التعقيدات السياسية والأمنية والطبيعة الجغرافية وتنامي أطراف السودان، ووجود الصراعات القبلية والإثنية، نظر المشرعين للحكم المركزي ووضع كامل السلطات والصلاحيات في يد المركز هذا من شأنه ازدياد الشعور لدى حكومات الولايات وموظفيها بالتهميش، ومن ثم قتل روح الإبداع والابتكار لدى الموظفين، وهنا لابد لنا أن نطوف على التعريف العلمي للنظامين، نبدأ بالمركزية: (وهي تعني الاحتفاظ بالسلطات في يد شخص معين أو مستوى إداري عالٍ، بحيث لا يُتاح لباقي الأشخاص أو المستويات الدنيا أن تتصرف إلا بناء على تعليمات من ذلك المستوى أو بعد موافقته)

ثم لا بد أن إلى نشير أن أغلب القانونيين والمهتمين بأمر الحكم اتفقوا على أن نظام الحكم اللامركزي على أنه (موقف يتسع فيه نطاق التفويض في السلطة، أو تمنح فيه سلطات أصلية لمستويات أدنى وفق لما يسمح به في القانون أو الدستور)، فهذا يعني منح وتوزيع السلطات وإعطاء حرية القرارات وسن التشريعات والقوانين لدى حكومات الولايات أو فروع الإدارات الاتحادية ذات الطبيعة الفنية التي تتطلب درجة عالية من التنسيق مع الإدارات العليا التي تهتم بالتخطيط ووضع السياسات الكلية، هذا من شأنه تقليل الظل الإداري، وبالتالي سرعة في تنفيذ ومعالجة القضايا الملحة والمستعجلة على المستويات الأدنى للحكم الولائي.

فمن عيوب نظام الحكم المركزي تركيز السلطة في المركز والرجوع الدائم للإدارة العليا ممثلة في رئيس مجلس السيادة أو رئيس مجلس الوزراء أو الوزراء الاتحاديين في اتخاذ كل القرارات المنظمة للعمل الإداري في الولايات.

خبراء الحكم والساسة والقانونيين يميلون إلى المواءمة بين النظامين المركزي واللامركزي مع الاستفادة من إيجابيات وسلبيات النظامين ومن عيوب النظام المركزي جمود النظام وعدم الابتكار وتأخير إنجاز المعاملات والإجراءات الإدارية والروتينية خاصة في الجوانب الأمنية، علمًا بأن ولايات التماس وذات الطبيعة الأمنية المعقدة بالضرورة وجود تفويض للوالي أو أي من قادة الأجهزة الأمنية الأخرى لحسم التفلتات التي قد تنشأ في ظل الأوضاع الأمنية الهشة في الولايات هذه الأيام.

كنتُ قد أشرت إلى حق الوالي في ترؤس المجلس التشريعي، إضافة إلى ترؤسه مجلس الحكومة التنفيذي نسبة لإلغاء قانون الحكم اللامركزي لعام 2020، وهذا يعني أن الوالي ومجلسه التنفيذي يقومان بدور المشرع والمنفذ في آن واحد، وهذه الوضعية القانونية الشاذة والمقلوبة من شأنها إضعاف الرقابة على الجهاز التنفيذي، وبالتالي من الأهمية بمكان فصل الجهازين التشريعي والتنفيذي، وأن يقتصر المجلس التشريعي على عناصر شعبية من لجان المقاومة وقوى إعلان الحرية والتغيير ومن القوى السياسية الداعمة للثورة والحريصة على أن تحقق الثورة كامل أهدافها وشعاراتها من غير الموقعين لإعلان قوى الحرية والتغيير، وذلك توسيعاً لقاعدة المشاركة الجماهيرية وتمثيل المحليات بشكل واسع ومرضٍ وإحكاماً للرقابة والمحاسبة على الجهاز التنفيذي.

والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى