الصراع في دارفور… مَن أشعلَ الشرارةَ الأولى؟ (٢/٣)

 

مُراقبون: صراع دارفور بدأ محلياً وتحوَّل إلى تجاذُبات دولية

ما هي مُلابسات استشهاد د. يحيى بولاد.. وعلاقة هبوط طائرة د. علي الحاج بساعة بعد إعلان النبأ؟

 

الخرطوم / نجدة بشارة

ذكرنا في الجزء الأول من التحقيق، أن أزمة دارفور تشابكت جذورها التاريخية، وتداخلت العوامل الطبيعية (الجغرافية، المناخية)؛ الاجتماعية، السياسية، هذا بالإضافة إلى العوامل الخارجية، وهنالك أبعاد شخصية وطموحات دولية كلها ساهمت في إذكاء الفتنة وزادت من اشتعال فتيل الصراع.

وفي هذا التحقيق، سنحاول استجلاء بعض العوامل المختلفة والمتداخلة التي أدت إلى تفاقم الأزمة في مراحل تطورها .

دوافع سياسية

يرى بعض المحللين أن الصراع هو تنافس سياسي داخلي على السلطة والثروة، بين تيارات وأحزاب وقوى مختلفة داخل النظام وخارجه. كما أن الكثير ممن يتابعون لعبة الأمم يدركون أن أزمة دارفور هي صراع استراتيجي دولي، يندرج ضمن لعبة الصراع على المصالح والموارد بين الدول الكبرى، والتنافس فيما بينها. وأخيراً يعتبر البعض ممن يؤيدون نظرية المؤامرة، أن الولايات المتحدة الأميركية هي المحرك الأساسي للأزمة، لتقسيم السودان، واستكمال بناء إمبراطوريتها، عبر تفتيت مكامن الخطر على أمنها القومي، والسيطرة على حوض النفط العالمي، الممتد من آسيا الوسطى وبحر قزوين، عبر الشرق الأوسط وانتهاءً بأفريقيا، وحتى شواطئها الغربية المطلة على المحيط الأطلسي، وقطع الطريق على الصين ومنعها من السيطرة على بترول السودان ودول أفريقية أخرى.

إن معرفة ما يجري في إقليم دارفور، ودراسة القضية من جوانبها المختلفة قد يقودنا إلى إدراك ماهية الأزمة الحالية، وذلك عبر تحليل مكوّنات تشكّلها تاريخياً واجتماعياً واقتصادياً وسياسياً.

التمرد

أوضح المحلل الاستراتيجي والمراقب للعملية السلمية في دارفور د. عبد الرحمن عيسى لـ(الصيحة)، أن فكرة الصراع بدأت بشكل سلمي على خلفية طرح تقدم به الشهيد د. يحيى بولاد وكان طرحه أقرب لطرح الحركة الشعبية لقيادة د. جون قرنق الدعوة للسودان الجديد ورد المظالم عن الهامش، فكرة د. بولاد لم تحمل أي نوايا عسكرية، لكن النظام السابق تعامل بشكل عدائي تجاه مبادرته وتمت تصفية بولاد وبسؤاله عن ما هو الذراع الحكومي آنذاك والذي كان ينفذ أجندتها وتصفياتها، قال: لم يكن هنالك أي ذراع حكومية ظاهرة، ولكن ما حدث مع بولاد أنه بعد ساعة من وصول طائرة د. علي الحاج حينها إلى دارفور تم الإعلان عن مقتل د. بولاد.

واستمر د. عيسى في قوله: بعد حادثة استشهاد بولاد ظهرت مجموعة الـ19 وهي تضم 19 شاباً كانوا رافضين للطريقة التي غدر بها د. يحيى فتوحدوا فيما بينهم وقاموا بمغازلة الشرطة في منطقة (خزان أبوقمرة )، ووقعت أحداث أسفرت عن مقتل عدد من أفراد الشرطة، واستشهد ثلاثة منهم فيما استطاعت المجموعة الحصول على عدد مقدر من السلاح ثم شرعوا في البحث عن مكان للاحتماء فصعدوا إلى جبل مرة،و من هناك كان عبد الواحد الذي كان حديث التخرج من جامعة الخرطوم كلية القانون، ويتبنى فكراً يسارياً بدأ نشاطه السياسي السلمي، وكان يعمل كوسيط بين مجموعة الـ19 التي صعدت للجبل وذاع صيتهم، وبين أهله الفور ليخلق تحالفاً حتى يعينوهم على هجمات القبائل من الجماعات الرعوية.. ثم حدث أن جاءت المطالب ليكون نور رئيساً للحركة.. ولكن المركز استشعر القلق وبدأت الأجهزة الأمنية، وبدأت المساعي لإسكات مواقف عبد الواحد السياسية، خاصة وأنه في تلك الفترة نشط الصراع بين بعض القبائل العربية والقبائل الزنجية في دارفور في الظهور على السطح، لكن حكومة الإنقاذ بدأت في صب الزيت على النار ومحاولة تأليب القبائل فيما بينها.

المواجهة

في فجر يوم 25 أبريل عام 2003، فوجئت القوة الأمنية المُكلفة بحماية مطار «الفاشر» بدارفور، بنحو 33 سيارة مُحملة بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة شكلت جيشًا صغيرًا بدأ هجومًا امتد أربع ساعاتٍ متواصلة، وانتهى بقتل نحو 45 جنديًا، وتدمير خمس طائرات عسكرية، كنت مرابطة بمطار الفاشر، بينما استسلم 32 ضابطًا وجنديًا، بينهم قائد القاعدة الجوية برتبة لواء.

الضربة الأولى التي قادتها حركة «العدل والمساواة» و«جيش تحرير السودان» ضد الجيش؛ مثلت الشرارة الأولى للإعلان عن التمرد الكبير على الحكومة المركزية بسبب التهميش وسوء الأوضاع المعيشية للقبائل التي قاتلت في صفوف الحكومة.

والحرب نفسها أربكت النظام من وجهة نظر سياسية؛ نظرًا لأنها تزامنت مع المفاوضات التي أجرتها الحكومة أخيرًا مع «الحركة الشعبية لتحرير السودان» في الجنوب، والتي توّجت باتفاق سلام عام 2005، مهّد لانفصال الجنوب نهائيًا بعد استفتاء شعبي منتصف عام 2011. أما من وجهة نظر عسكرية، فالنظام كان لا يمتلك طاقة للرد؛ نظرًا لأنه نشر أغلب قواته في الجنوب خلال الحرب الأهلية.

مشروع العروبة

يقول المحلل السياسي عيسى، إن حكومة الإنقاذ حتى تتخلص من هجمات الحركات التي تسلحت من القبائل الزنجية بدارفور فكرت في مشروع العروبة وهي حرب سعت لها الإنقاذ لتسليح القبائل العربية للقضاء على الصداع الذي كانت تسببه لها الحركات المتفلتة . فاستعانت بقوات حرس الحدود التي كانت تتمركز على حدود تشاد وأفريقيا الوسطى، علمًا بأن معظم الحركات المسلحة كانت وقتها تتمركز على الحدود وأغلبها من أبناء لشيوخ من القبائل في تشاد، وكردة فعل جاءت معركة الذراع الطويل في أم درمان 2008م التي قام بها دكتور خليل إبراهيم، واستطاع أن يدخل مدينة أمدرمان ويعود أدراجه بقواته، بعد أن فقد عدداً من قادته بالأسر أو القتل.

تصفية الإدارات الأهلية

يقول بروف عبد البنات آدم، إنه في ذروة الأزمة والصراعات عمدت الإنقاذ إلى تصفية الإدارات الأهلية وكانت الحكومة تعلم أهمية دور هذه الإدارات ومكانتها بين المواطنين وقدرتها على تهدئة الخصوم وتسوية النزاعات، لذلك سعت إلى تصفيتها بحجة التأهيل والتدريب، لكن لاحقاً أدركت هذه الإدارات ما حدث وأن المقصود من التصفية كان بهدف هيمنة الحكومة المركزية واستجلاب موالين لها.. هذه الخطوة ساهمت في خلق نوع جديد من النزاع، وظهر مستويان من الإدارات، المستوى الأول مُوالٍ لنظام الإنقاذ ويكرس لسلطته، فيما يعمل ضد قرارات الشق الآخر من هذه الإدارات التي تظهر ولاءها للحركات المتمردة وللأحزاب الطائفية الأخرى، وفي المقابل سعت الحكومة في المركز على تأليب المستوى الأول على الثاني بتهميشه ومحاولة التخلص منه، وبالتالي خرجت المجموعة الثانية من طوع الدولة وظهر صراع جديد أدى لفقدان إنسان دارفور ثقته في هذه الإدارات حتى ضعف دورها.

الهمبتة

لكن المحلل والأكاديمي بروف خليل عبد الله، تحدث عن الصراع وتعدد أسبابه وقال لـ(الصيحة)، إن بدايات الصراع كانت حول الموارد بين المزارعين والرعاة أحد عوامل زيادة حدة النزاعات والحروب القبلية، وما ينتج عنها من سرقات للمواشي، وأردف: أغلب هذه النزاعات بين القبائل الرعوية تنتج لغارات بعض (الهمباتة)، والهمبتة مصطلح يطلق على إغارة جماعة مسلحة وسرقة مواشي قبيلة أخرى، وأردف: هذه الممارسات كانت تدعو القبيلة الأخرى لتهب وتحمل السلاح و(تفزع) خلف مواشيها، ساعدها ضعف وهشاشة الوضع الأمني في المناطق الريفية. وانتشار السلاح في يد المتفلتين وغياب هيبة الدولة والغبن السياسي ونظرة بعض الأطراف القبلية للمجموعات الأخرى.

كل تلك العوامل أسهمت بصورة سلبية في تأجيج الحرب في دارفور، فضلاً عن الجهل وضعف الوازع الديني للمجموعات المتفلتة وتراجع أدوار المثقفين الدارفوريين عن دورهم في توعية الأهالي بضرورة التعايش وقبول الآخر ونسيان مرارات الماضي..

نواصل

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى