مدن سودانية تتوافَق على تقليل تكاليف ومصاريف الزواج

 

 الخرطوم: عوض عدلان

الأمر ليس بالجديد، فقد ظهرت هذه الدعوات في أوقات متفرقة في بعض القرى السودانية، ولكن سرعان ما ينفض سامرالاتفاق بإقدام أحدهم على تجاوز الأطر المتفق عليها فيتبعه آخرون ويعود الأمر لسابق عهده بالطلبات المبالغ فيها وإحجام الشباب عن الدخول في هذه المتاهة الطويلة.

وتكاليف الزواج الباهظة شبح يؤرق العديد من الشباب الذين يفكرون في الإقدام على هذه الخطوة مما دفع العديد من أهالي القرى السودانية للاقدام على فرض مبالغ محددة لاستكمال عملية المراسم يلتزم بها الجميع الغني والفقير من أهل القرية… اختلاف الرأي العام حول هذه التجربة ورأي الدين وعلماء الاجتماع كان من خلال هذا التحقيق.

عادات عقيمة

الزواج في السودان يشمل عدة مناسبات وطقوس جرت العادة على إقامتها كلما حلت مناسبة الزواج السعيدة على إحدى الأسر السودانية، والعادات التي تم تداولها وتناقلها مثلها مثل غيرها من العادات السودانية الأخرى، في الغالب الأعم تختلف هذه الطقوس باختلاف المناطق والقبائل نظرًا إلى أن السودان متعدد الأعراق والأجناس، بالإضافة إلى الأصول التي تنبع منها هذه العادات فمنها ما هو فرعوني كما في مناطق الشمال، ومنها ما هو أفريقي كلما تعمقنا جنوبا، وتظهر هذه العادات في السودان نظراً لاختلاط النسل العربي بالأفريقي.

طقوس الزواج

يقول الباحث في التراث حيدر الفكي، إن طقوس الزواج في السودان تعتبر من أطول طقوس الزواج في العالم، حيث تبدأ من قولة الخير وهي جلسة يجتمع فيها كبار العائلة من الطرفين بقصد التعارف والتأكد من أصل وعراقة كل أسرة وفيها يتقدم عادة أعمام العريس أو والده بطلب ابنتهم للزواج بابنهم.

ثم الخطوبة وفي الآونة الأخيرة كثرت هذه المرحلة، حيث أنها لم تكن بهذا الانتشار في السابق لأن الزواج سابقًا لم يكن يخرج كثيرًا عن نطاق الأسرة أو الجيران في الحي والمنطقة المجاورة، وهذه المرحلة تتوج علاقة المخطوبين بشيء من القبول في المجتمع والأسر الممتدة.

ثم يأتي سد المال، وهو أيضًا ما يعرف بالمهر عند وصول هذه المرحلة تبدأ التجهيزات الفعلية للزواج ويتكون سد المال من الملابس والثياب السودانية والعطور والأحذية (شيلة)، هذا بالإضافة للمال، وتتفاوت هذه التجهيزات حسب مقدرة العريس المالية وفي بعض الأحيان يكون على حسب طلب العروس.

ثم الحنة وفيها تتم دعوة كل من أهل العروس والعريس على حدة ويتم فيها تخضيب أرجل وأيدي كل من العريس والعروس بالحناء ويقدم فيها الطعام.

وذلك حتى الوصول للمرحلة الأهم وهي العقد وهو عقد الزواج الذي يعقد على يدي المأذون بحضور كل من ولي العروس ووكيل العريس، وتتم تلاوة القرآن الكريم وتذكير الحضور بفائدة الزواج على المجتمع، بعد ذلك يتبع بعرض من ولي العروس إلى وكيل العريس ويرد وكيل العريس بالقبول وفقاً على الصداق أو المهر المتفق عليه بينهم.

ثم بعد تكون وليمة العقد وهي وليمة غالباً ما تكون غداء وتتم دعوة الأهل والأقارب والأصدقاء لمباركة هذا الزواج، وتتم في غالب الأحيان في “صيوان” أو خيمة مجاورة للمنزل أو إحدى صالات الأفراح كما برز أخيراً.

ويتواصل الأمر بإقامة الحفلة وفيها تتم دعوة الناس ويأتي بالمغنين والعازفين ويقدم طعام العشاء حيث تكون هذه الحفلة غالباً في الفترة المسائية وتمتد حتى الحادية عشرة مساء كحد أقصى.

ولا تنتهي مراسم الزواج الا بعد الجرتق، وهو من العادات القديمة جدًا، ويقال إنها تعود إلى أصول فرعونية، ويتم إلباس كل من العريس والعروس ملابس حمراء اللون وتقوم كبار نساء الأسرة بـ “جرتقة ” العريس والعروس، وهو وضع حريرة حمراء اللون فيها هلال ذهبي اللون على جبهة كل من العريس والعروس.

كما أن هناك بعض العادات بدأت تتلاشى أخيرًا  كقطع الرحط  فيه تأتي العروس وهي متحزمة بحريرة في وسطها ويقوم العريس بقطعه ورميه للحضور.

تأييد شبابي

الأمر أخلاقي وليس بالقانون، هذا ما بدأ به المحامي الشاب عبد العزيز السر حديثه، مؤكداً بأن التجربة تكررت أكثر من مرة، ولكنها لم تجد النجاح الكامل وإن كان ما زال معمولًا بها في العديد من القرى السودانية خاصة في قرى الجزيزة الخضراء.       ويواصل بأن الأمر لا يكون مكتوباً ولكنه التزام أخلاقي يتواثق عليه الجميع، وغالبًا ما يخترق من جانب المغتربين رغم أن الأمر لا يمنع تنفيذه في بداية الأمر، ومن ثم يمكن للشخص تقديم ما يود تقديمه في الخفاء، وبكل تأكيد الجميع يرحب بهذا الأمر على اعتبار أن الزواج وتكاليفة والتباهي والبذخ من البعض أمر يقض مضاجع الشباب البسطاء الذين يفكرون في دخول القفص الذهبي.

ليس إلزامياٌ

الشاب محمد عثمان العامل بسوق بحري، طالب أن يكون الأمر من خلال قانون يحدد تكاليف الزواج الأولية ثم يترك للعريس بعد استكمال العقد تحديد شكل ما يقدمه لأهل العروس.

وقال بأنه تقدم للزواج من فتاة منذ خمس سنوات ولكن التكاليف تقف حتى الأن دون إكمال هذا الزواج مع تعنت أهلها بضرورة إقامة المراسم كاملة حسب الأصول كما تقول والدتها حتى وصل مرحلة اليأس من استكمال هذه الزيجة.

اظفر بذات الدين

إمام زاوية بمنطقة الثورة مولانا حيدر عشاري، أكد أن الدين يسّر هذه المسالة تماماً فيمكن أن يكون المهر (بلحة)، والزواج بصورة كلية يعتمد علي العديد من الإرضاءات وهي إرضاء النفس باختيار الفتاة المناسبة وإرضاء الرب بعقد القران الديني المتعارف عليه على سنة الله ورسوله، والمهر الذي يتم الاتفاق عليه وهو يمكن أن يكون بسيطاً جدًا، والمشكلة غالباً تأتي من إرضاء الناس بالاحتفالات البذخية والولائم، وإرضاء أهل العروس بالهدايا، وهذا الأمر هو ما يقف عائقًا أمام الشباب حيث لا يمكن تحديد هذا الأمر ويتعامل كل شخص حسب مقدرته الذاتية.

وواصل بأن الاختيار يجب أن يكون حسب حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث طلب أن نظفر بذات الدين والتي غالباً لا تطلب وأهلها الكثيرمن المال، ولو اهتدى الجميع بقول الرسول الكريم لما برزت مشكلة.

 تجربة جديدة

رغم أن التجربة ليست بالجديدة، فقد سبق أن التزمت بها بعض القرى قبل ظهور منطقة تنبول في الفترة الأخيرة، ويبدو أن فترة الحجر الأخيرة وما تم خلالها من زيجات مختصرة بلا تكاليف قد أحيت فكرة إعادة التجربة ومحاولة تعميمها فهل تنجح التجربة هذه المرة لتكون نموذجاً لكافة أنحاء الوطن.. الأيام القادمة ستعلن ذلك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى