عام الأحزان الكبرى

 

محمد محمد خير يكتب :

عادة ما تكون الأعوام مقسمة إلى سعيدة وتعيسة، فالعام الذي تنتكس فيه يكون عام سعد على آخرين، لكن أن يتفق كل سكان العالم بكل شوارع الكرة الأرضية بأن عام 2020م هو أكثر الأعوام شؤماً وتعاسةً ومشقةً فذلك أمر نادر للغاية.

هذا الإجماع الكوني على قتامة هذا العام تخللته أزمات مالية وحبس لايزال يتطاول وشح في الفرح وتوتر وموت مجاني، وجرى ذلك مضاعفاً على بلادنا التي تقف الآن على حافة الغياب.

لا أدري كيف سيكون العالم إذا ما تجددت دورة ثانية لهذا الفيروس الذي لا علاقة له بصوت (فيروز)!

نال كل فرد من سكان العالم نصيبه من الحزن برحيل الأحبة خلسة أو بالأزمات المالية أو بالترقب المشحون بالخوف أو بكل الجوائح معاً غير أني (كِتلت في نجيب الخير) وذلك حزن له طعمه الخاص الحارق والمبكي.

ثلاثون عاماً عمر صداقتنا التي كانت تنهمر ولا تكف عن التقوس. كل يوم كنت اكتشفه وأعري قلبه فيشف لي ما لا يبين.

ولأنه اعتاد دائماً على مفاجأتي قرأت خبر رحيله أول الصباح، فأنا عادة ما أبدأ نشاطي بفنجان القهوة صباحاً وأقرأ الأخبار.

كنت أبحث عن خبر الولاة وموقف الدقيق والكهرباء والمطر فإذا بي أمام الفجيعة كلها. لا أدري كيف توطنت مع الصدمة وكيف امتصصت أزيزها ولماذا لم أتخلخل?

هذه مرحلة جديدة في حياتي لم تكن مألوفة من قبل. تحويل الدموع إلى لعاب. والهزيمة الكبرى لانتصار ساحق والحزن المر لشجن عادي والعاصفة لصبابة!!!

لم يكن السؤال كيف سأكون بعد نجيب إنما كيف تقبلت صيغته الواقعية ولم أجزع أو أتهاوى أو تراودني الدموع إلى نفسها، ولماذا لم تسعفني القدرة بهذا التماسك حين رحل خالد الكد وبكيناه أنا ونجيب بقدر ما استطاعت الدموع أن تسح وحينها كتبت:

أنت الوعد

أنا الموعود

أنت العنب

أنا العنقود

أنت الكد

أنا المكدود!!!

أكثر الدموع إيلاماً وحرقة هي تلك الدموع المؤجلة التي لا تنهمر في موعدها. الدموع التي تتخير موعداً يناسبها وهو أكثر لحظاتك انهياراً وضعفاً لأنها تصعد لعينيك من خاصرتك الرخوة فكُن اللهم رحيماً بي.

وارحم في ديارك الرحبة معشوقنا نجيب الخير فقد كان ديمقراطياً للغاية ومحباً لتراب بلده ولكسلا، وكان مهموماً بتحديث حزب الأمة ودبلوماسياً، كما كان قارئاً للأدب الروائي وأشهد يوم القيامة أن مدخل علاقتنا كانت رواية (بيضة النعامة) وافتتنا بها وزُرنا في القاهرة كاتبها رؤوف مسعد وهو من عبيدك الأقباط الذين عاشوا في بورتسودان وكتب في الرواية عنها ما ينبغي أن يُكتب عن المدن الشاطئية مرسى السفائن وكبرياء اليابسة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى