الأحزاب السِّياسيَّة.. البحث عن ذراع عسكري

تقرير- نجدة بشارة

القضية ليست بدعة أن يكون لحزب سياسي ذراع عسكري خفي أو مُعلن، والسودان ليس بمنأى عن تلك الحالات ربما لضعف البنية السياسية والديمقراطية التي تجعل من القوى السياسية تلجأ إلى البحث عن موطئ قدم داخل المؤسسة العسكرية للوصول إلى مقعد الرئاسة وبالتالي تتعدد الطرق نحو الحكم وتختلف الوسائل. وهنا الغايات تبررها الوسائل وعندما تتعدّد الانقلابات في السودان، كان البحث عن الأذرع السياسية داخل المؤسسة السياسية أو الأمنية، وقريباً عندما أعلنت السلطة الانتقالية عن انقلاب كانت الأنظار تتّجه نحو العسكريين الذين ينتمون إلى الحزب الفلاني، حيث تتم عمليات الاعتقال التحفظي أو الاحترازي.

ربما لأن تعقيدات المجتمع السوداني وتحولاته السياسية المُتلاحقة تبحث القوى السِّياسيَّة دائماً عن القُوة المُساندة لها في المُؤسّسة العسكرية.
ويقول مصدرٌ عسكريٌّ فضّل حجب اسمه لـ(الصيحة): من خلال عملية التجنيد داخل المؤسسة العسكرية أو الأمنية يتم تشكيل الاذرع العسكرية والتي تقوم بالتخطيط لإحداث أي انقلاب أو من خلال امتلاك بعض القوى السياسية المعارضة لأجنحة عسكرية معلومة بالضرورة مثل جيش الأمة، الذي ينتمي لحزب الامة او جيش الفتح او قوات الحركات المسلحة، حتى الحركة الإسلامية كان لها جناح عسكري هو الذي قاد إلى الانقلاب العسكري في عام 89، ويرمي بعض المراقبين الاتهام لنظام الإنقاذ والحركة الإسلامية بأن لديها مليشيات خاصة بها، وعندما قال القيادي السابق علي عثمان محمد طه بأن الحركة الإسلامية لديها كتائب ظل، توجّهت الأنظار نحو الأجنحة العسكرية للنظام وكيف كانت تستقوى به، والمؤتمر الشعبي كان يتهم باتباعه لحركة العدل والمساواة.

سياسية أم استقواء؟

ويرى محللون سياسيون بأن من بديهيات الفكر السياسي أن الأحزاب هي الركن الأساسي في الحياة السياسية بالدول الديمقراطية، ومن بديهيات ذلك الفكر أيضاً أن الحكم العسكري أو الحكم المُستند إلى الدبابة (كرمز للقوة والسيطرة) لا يُمكن أن يجتمع مع الأحزاب في نظام سياسي واحدٍ، لكن هنالك ربما ظواهر سياسية تخرق عن المألوف، ومُؤخّراً شكّك متابعون في الاتفاقية التي جرت بين تجمع المهنيين والحركة الشعبية جناح عبد العزيز الحلو، وقالوا إنّ التجمُّع بهذه الخطوة كمن يبحث عن الاستقواء بذراع عسكري تستند عليه..

إلا أنّ عضو مجلس تجمع المهنيين السودانيين د. وليد علي لـ(الصيحة) نفى وجود أي نيه مبطنة في توقيعهم مع الجناح العسكري الحلو، في إشارة  للبحث عن ذراع عسكري، واشار إلى أن الاتفاق يمثل جزءاً من برنامج متكامل للتوافق مع كل مكونات الثورة السودانية والحركة الشعبية جزء من هذه الفصائل, وأردف: لا مانع من الاتفاق مع كل قوى الكفاح المسلح كتطوير لإعلان الحرية والتغيير، فيما وصفت القيادية بتجمع المهنيين قمرية عمر التوقيع الذي تم بينهم والحركة الشعبية بقيادة الحلو بأنه في الإطار السياسي وليس اصطفافاً جديداً أو لأجل الاستقواء بجناح عسكري كما يرى البعض.

الأعراف العسكرية

رغم أن الحريات متاحة في العمل الحزبي، والتنافس فيما بينها، إلا أن هذه الأحزاب قد لا تملك فُرصة حقيقيّة للمُشاركة في السلطة على أساس التنافُس والتداول السلمي بينها، لا سيما وأن أغلب تجارب الحكم في السودان كانت عسكرية وعلى ظهر الانقلابات، لكن في ذات الوقت نجد ان القوانين العسكرية تشدد على منسوبيها عدم ممارسة السياسة ولو من باب الفضول، ولا يغتفر لمن يُضبط ممارساً للسياسة علناً.

يرى المحلل السياسي د. عبد الرحمن أبو خريس في حديثه لـ(الصيحة) أن تحالف المدنيين مع العسكر سيكسبهم القوة، لكن أرى تجمع المهنيين ربما وجد التوافق السياسي في طرح حركة الحلو من حيث المباديء السياسية التي تبنتها حركة الحلو من حيث الدعوة للعلمانية والتي ربما وافقت طرح التجمع.

البحث عن أرضية

وقال إن تجمع المهنيين بنهجه المعلن ضد العسكريين يكون بتوقيعه مع ذراع الحلو ربما وقع في خطأ استراتيجي كبير، وفسر خطوته كمن يبحث عن مظلة أو أرضية في السلطة، خَاصّةً بعد الصراع الخفي بينه والحاضنة السياسية للحكومة الانتقالية الحرية والتغيير، وأردف: تجمع المهنيين من ناحية التكوين مازال طفلاً يحبو، حتى انه نشأ بإيعاز من تنظيمات سياسية عديدة تبلورت بفعل الثورة، وكان حريُّ عودة المهنيين من الأحزاب المُشكّلة للتجمع إلى قواعده ولكن رغم ذلك، التجمع أصبح يتوغّل أكثر في السياسة ويبحث عن التقاط الفرص هنا وهناك، حتى  قفز قفزة كبيرة قد تلقي به في حفرة العسكر، وأرى أنهم لم يوفّقوا في قرار توقيع اتفاق مع الحلو، والسؤال الذي يطرح نفسه ما الذي سيجنيه التجمع من الحلو..؟

واقع ملموس

ويرى القيادي بحركة جيش تحرير السودان عبد الناصر في حديثه لـ(الصيحة) أن غالبية الأحزاب السياسية في السودان تستمد قوتها من اعتمادها على الحكومة، وإذا كانت في غالبية دول العالم تصنع هذه الأحزاب الحاكم، إلا أنها في الدول العربية التي ترتكن على البنية العسكرية كأداة للحكم يحدث العكس، حيث تصعد الحكومة ثم يفكر في تكوين حزب بالشروط والمزايا التي تُريدها، وقال إن الجيش السوداني غيره من الجيوش في المنطقة من حيث عُمق انخراطه في الحياة السياسية، ودرايته الكبيرة بما يدور في الشارع، وقد تكون طبيعة المشكلات التي تمر بها البلاد منذ عقود سبباً رئيسياً في الجمع بين المعادلة الأمنية والسياسية؛ فالأزمات التي أصبحت المُؤسّسة العسكرية ضلعاً فيها ليست بعيدة عن الحياة المدنية، وتتداخل فيها الأحزاب مع المُكوِّنات المجتمعية والطائفية، لذلك فإنَّ التحالُفات السياسية العسكرية أصبحت واقعاً ملموساً وضرورة لقوة الاستمرارية لهذه الكيانات السِّياسيَّة.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى