دارفور.. بين الحلول العسكرية والسِّياسيَّة

تقرير- زمزم خاطر
أسباب وعوامل كثيرة أدّت لاندلاع الحرب في دارفور والتي بلغت ذروتها في أبريل من العام 2003، عندما شَبّ نزاعٌ مسلحٌ بين حركتي تمرد والحكومة السودانية، حيث شنت الحركات المسلحة أول هجوم على مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور. ودارت رحى الحرب لتخلف آلاف القتلى وتناثر الضحايا من الطرفين، بل امتدت آثار هذا النزاع إلى المواطنين العُزّل وفقدوا خلاله المأوى والممتلكات والوطن، فمنهم من نزح ومنهم من لجأ حفاظاً على روحه. ولم يتنسم الإقليم الكبير رياح السلام والتغيير إلا بعد أكثر من عشرة أعوام قضت خلالها على كل مقومات ومقدرات المنطقة وإنسانها، ما دفع كل الأطراف إلى البحث عن حلول عاجلة وعادلة، فبينما اجتهدت مُنظّمات المجُتمع المدني وغيرها من الجهات ذات الصلة بالأزمة إلى إيجاد حلول مدنية وسلمية تجد وتنال رضاء كل الأطراف، أدى تشعب القضية وأزمتها إلى استمرارها، ما جَعل من سيناريو الحل العسكري واحداً من الحلول، فغدت المنطقة من بعد زرع ومجال تُقَدّم فيه الحُلُول المُختلفة وهذا جعل منها محطة لمباحثات كثيرة ومُمتدة خلّفت الكثير من الآثار والتداعيات.
تجريب المُجرّب
ومنذ اندلاع الحرب في دارفور العام 2003م، يرى مراقبون أن الحكومة السودانية اعتمدت الحلول العسكرية لحل مُشكلة دارفور وعندما لم تجد نفعاً اعتمدت على الحلول السياسية التفاوض وتوقيع الاتفاقيات والتي لم تجد نفعاً، بدليل أن أزمة دارفور ما زالت قائمة حتى يومنا هذا، ويعزي المحللون هذا الفشل لعدم مخاطبة جذور الأزمة في دارفور والتي بدأت بين الراعي والمزارع (الصراع على الأرض والكلأ).. حكومة الفترة الانتقالية أعادت نفس التجربة وأرسلت وفوداً عسكرية لوقف النزاع الدائر هناك, وهي بهذا المنحى قد تجرب مجرباً، فهل يا ترى سيكون هذا الترياق ناجعاً؟
عدم التكرار
المهندس علي شمار القيادي بالمؤتمر الشعبي يقول لـ(الصيحة)، إنه ينبغي أن لا تتكرّر دوامة الصراع في دارفور بأيِّ حال من الأحوال بعد الثورة والتغيير الذي حدث يجب أن تحرك المُكوِّنات الاجتماعية في دارفور قواعدها وتوجُّهها نحو التعايش السلمي ورتق النسيج الاجتماعي. الصراع السابق جاء نتيجة لإهمال المركز وعدم احتواء الصراع الدائر هناك مما أدّى إلى نُشُوب النزاع المُسلّح والمقاومة لانتزاع الحقوق وأخذ دورة طويلة وواسعة ونتيجته أننا جنينا كثيراً من الخسائر من فقد للأرواح والنزوح واللجوء إلى دول الجوار.
هنا الحل..
ويؤكد شمار، أنه لا بد من الدعوة للمزيد من رتق النسيج الاجتماعي لتجاوز الواقع المرير الذي عشناه سابقاً وذلك بالدعوة إلى الصلح ووحدة الناس والصراع السابق بين المزارع والراعي، إلا أنّ السبب الرئيس في تقديرنا هو فقدان المشاركة. التخلف التنموي الموجود، الآن آن الأوان لجمعٍ مجتمعي لكل مكونات دارفور للنعي عن كل ثغرة للنزاع، نعم هنالك إشكالات، إلا أنها ليست عصية على الحل. مجتمع دارفور فيه كثير من الحكمة والمعرفة وكثير من التجارب خاصة مكونات الإدارة الأهلية والذين عملوا في مجال العمل الاجتماعي، لا بد من السعي لإيجاد الحلول وإعادة الحقوق لأهلها وأن يعود الناس لمواقعهم ويتم تنظيم العلاقات بين الناس، فقضية الرعاة والمُزارعين لا بد من حسمها لكي لا يعود الناس مجدداً للصراع ويكون على حساب المكونات الأخرى. ويرى أنّ قضية دارفور مُعقّدة ومرّت بكثير من التجارب، وللأسف جل الذين جلسوا على طاولات التفاوض لم يكونوا على دراية بالقضية. السودان الآن يمر بظرف سياسي استثنائي يتطلب الكثير من المعرفة والدراية والممارسة السياسية والعلمية، إلا أننا نفتقد لهذه الدراية في إدارة واحتواء الأزمات، لذا لا بد من الرجوع الى المجتمع الدارفوري لأنه على دراية تامة بقضيته والحل يكمن عنده.
أسباب وعوامل
وعزا مراقبون ومحللون وخبراء، الصراع في دارفور إلى عدة عوامل، منها (بيئية)، حيث تسكن دارفور قبائل رعوية متنقلة باحثة عن المرعى والكلأ، وقبائل أخرى مستقرة تعمل في مجال الزراعة وساهم هذا في نشوب احتكاكات بينها، وتطوّرت بدخول عوامل أخرى أوصلتها لهذه النقطة. ويرى آخرون أن العوامل الاقتصادية والتنموية هي التي أدت الى نشوء هذه الحركات المطلبية في التنمية والازدهار للإقليم، بينما يرى آخرون أن هناك عوامل سياسية وعرقية طالبت المركز بمنح الهامش نصيبه من التنمية والثروة والسلطة وفيما بعد تنامت هذه الأفكار وانتشرت وسط أبناء دارفور، ورأي آخر مخالف يرى أن قرار البشير في عام 1994م بتقسيم دارفور إلى ولايات بدلاً من الإقليم كان من أسباب النزاع.
غير مُفيد
ويقول الأستاذ والمحامي عبد العزيز سام لـ(الصيحة)، إن أي لجوء للحل العسكري في هذا الظرف غير مفيد وسيؤدي إلى تعقيد المشهد ومزيداً من الصراع والقتل، لأنّ الحل السياسي والذي يتمثل في المفاوضات لن يؤتى أكله منذ أبوجا والى آخر اتفاقية، كما أن تأخير التوقيع على مفاوضات السلام التي تجرى في جوبا الآن أحدث فراغاً كبيراً وكذلك عدم استصحاب كل الفصائل سيحدث خللاً مستقبلاً في الساحة السياسية السودانية عامة ودارفور خاصة. وعلى الحكومة الانتقالية ان تعتمد على الحل المجتمعي أكثر من الحلول العسكرية لأن دارفور بها تعقيدات اجتماعية كبيرة لا يفقهها إلا أهلها.
تغيير وسائل
وبعد ثورة ديسمبر وعقب نجاح منهج الاعتصامات كوسيلة للتعبير عن المطالب، نظمت ولايات دارفور اعتصامات في عدة مُدن، طالبت فيها حكومة الفترة الانتقالية بتنفيذ مطالبها والتي كان أبرزها حماية المُوسم الزراعي وإعادة الأراضي والحواكير إلى أصحابها الأصليين, شهدت بعض هذه الاعتصامات مجازر خلّفت قتلى وجرحى وساءت الأحوال الأمنية، مما أدى الى زيارة وفد من مجلسي السيادة والوزراء لتلك المناطق وأخذت الحكومة عدة تدابير لاحتواء الأزمة هناك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى