قوات الدعم السريع… من يفك الشفرة المعقدة؟

 

بقلم : إسماعيل شريف

** مَنْ؟
– شغلت قوات الدعم السريع الداخل والخارج على حدٍ سَواء باطوارها وأدوارها المتعددة أثناء وجود حكم النظام البائد وبعده… وأثارت جدلا واسعا مابين مُؤيد لها ومُعَارض لِوجودها.. ومُشككا في قُدْراتها وما صاحبها من توفيق ومصادفات قدرية جديرة بالإهتمام.. نُحَاوِل من خِلال إستعراض سِفْرْ التاريخ أن نَُسلِّط بعض الضوء على جوانب عديدة وأن نقدم التفاصيل الممكنه لتوضيح بعض الغموض الذي يكتنف ماضي وحاضر ومستقبل هذه القوات…
**مَتىٰ..؟
– في أغسطس من العام 2013 تم تكوين قوات الدعم السريع وظهرت للعلن تحت إسم قوات التدخل السريع بموجب قرار رئاسي مباشر من الرئيس المخلوع عمر حسن أحمد البشير علىٰ أن تتبع لجهاز الأمن والمخابرات الوطني ضمن الهيكل.. وتتبع بصفة مباشره لرئاسة الجمهوريه … كانت هذه القوات موجوده على الأرض منذ العام 2004 تحت إسم قوات الوعد الصادق بقيادة حميدتي وكانت تعتبر حركة متمرده على الحكومة المركزيه. توصلت معها الحكومة لاتفاق سلام في مطلع العام 2008 تحول إلى ترتيبات امنيه جعلها تعمل الي جانب القوات الحكومية على ان تحتفظ بتنظيمها الداخلي الخاص بها بقيادة حميدتي نفسه وبموجب القرار المشار إليه تم تسميتها قوات التدخل السريع.. وقامت بدور بارز في مساندة الجيش السوداني ومقاومة الحركات المسلحه باقليم دار فور الملتهب
**لماذا؟
– المُلاحظ أن قرار البشير بتكوين قوات التدخل السريع صدر في أغُسطس من العام 2013 والفاصل بين القرار وبين إنتخابات رئاسة الجمهوريه التي جرت في العام 2015 يزيد قليلا عن عامٍ واحد..
وقد واجه البشير إنتقادات حادة من نافذين في حزب المؤتمر الوطني المحلول تعارض فكرة إعادة ترشحه لولاية جديده.. من بينهم دكتور نافع على نافع.. ودكتور أمين حسن عمر.. والدكتور غازي صلاح الدين مما أدى بالأخير للإنسلاخ عن الحزب وتكوين مايعرف بحزب الإصلاح الآن.. وكذلك أعرب عدد من شباب الحزب الحاكم آنذاك معارضتهم إعادة إنتخاب البشير ومن بينهم مأمون حسن إبراهيم ،، أمين قطاع الطلاب المركزي.. مما جعل البشير يتحسس مسدسه ويعيد ترتيب أوراقه.. بحكم علمه ودرايته التامه بما يدور في أروقة حزبه وشعر بضرورة وجود قوةٍ قادرة على توفير السند الشخصي له بعيدا عن مظلة الحزب الحاكم والذي يسيطر على مَفَاصِلْ الدولة بحكم سياسة التمكين.. فكان ميلاد هذه القوات عصا غليظة في مواجهة صقور حزبه وإتخذ البشير بالفعل في الإسبوع الأول من شهر ديسمبر عام 2013 قرارات هامة قضت بإزاحة على عثمان محمد طة من منصب النائب الأول لرئيس الجمهوريه وإبعاده من منصب نائب رئيس حزب المؤتمر الوطني.. وكذلك اقالة الدكتور نافع على نافع من منصب مساعد الرئيس لشئون الحزب وتم اجراء تعديل وزاري شمل كل من عوض الجاز وعلى كرتي فيما عرف لاحقا بضرب مراكز القوة.. وفتح بذلك جسرا يصل عبره الى الترشح للإنتخابات في 2015 والفوز بها.. خاصه وأنه يعلم يقينا عدم إنتماء حميدتي لتنظيم جماعته.. ولا يأتمر بأمرها… أيضا كان هاجس الحركات المُسلحه في دار فور وجنوب كردفان والنيل الأزرق يؤرق مضجعه ومن خلال التجربه التي خاضتها قوات الدعم السريع تحت الإسم السابق وهو قوات الوعد الصادق وبسالتها وتكتيكها العالي ونجاحها المشهود في مقاومة الحركات بعد اتفاق الترتيبات الأمنية مع الحكومة في 2008 فكان ذلك دافعا آخر جعله يطمئن لهذا القرار…

** كيف؟

– نَجح البشير من خلال ربط قوات الدعم السريع بِه بشكل مُباشر في تحقيق أغراضِه بلْ ذهبت بِه بعيدا بأكثر مما كان يتوقعه مِنها.. فقدْ إستطاعت عبر معركة قوز دَنقو الشهيرة كَسرْ شوكة حركة العدل والمساواة العنيده في دارفور ومعلوم أنْ حركة العدل والمساواة تعتبر من أقوى الحركات المسلحة واستطاعت في العام 2008 الوصول إلىٰ قلب أمدرمان وكادت أن تصل للقصر الرِئاسي.. وخاضت معارك مؤثره في مناطق جنوب كردفان.. كما نجد أن مشاركة قوات الدعم السريع في حلف عاصفة الحسم أو ما يُعرف بإسترداد الشرعية في اليمن أعاد العلاقات بين السودان ودول الخليج السعودية والإمارات وتمت الإستفادة من ذلك ديبلوماسيا وإقتصاديا.. كما أن مساهمتها الفاعلة في محاربة الهجرة غير الشرعية الىٰ أوروبا ساعد البشير في تبييض وجهِهِ أمام الإتحاد الأوروبي المستفيد الأول من منع المهاجرين الأفارقة من الوصول إلى تخوم القارة العجوز.. مع العلم بأن صقور الإنقاذ إضطروا إلى التسليم بالأمر الواقع وإكتفوا من الغنيمة بالإياب والإحتساب كما يدعون.. خوفا من الدخول في مواجهة مباشرة مع الرئيس المخلوع وهو تحت حماية حميدتي أو حمايتي كما كان يسميه.

** فك الإرتباط….

– سَعىٰ النافِذِين في حِزب المؤتمر الوطني المحلول بشتىٰ السبل قطع الصِلة وقفلْ الطريق بين البشير وحميدتي وكانت مواجهات الأُبَيِّضْ بين الوالي السابق أحمد هرون وهو من صقور المؤتمر الوطني البارزين وبين قوات الدعم السريع محاولة لتشويه صُورَتها أمام البشير وأمام الشعب في دلالةٍ واضحةٍ علىٰ رغبتهم في التخلص من حميدتى إلأ أن البشير ظل ممسكا بعصاه الغليظة رافضا كل التحذيرات التي وصلته منهم ومن شقيقه العباس التي كشف عنها لاحقا حين قال لصحيفة الإنتباهة حذرنا البشير من البدو.. وأكد البشير مُجَددا أنه يجد في حميدتي كل حمايته.. وإستمرت محاولات فك الإرتباط حتى وصلت إلى قبةِ البرلمانْ.. فقد أجَاز
البرلمان السوداني مشروع قانون «قوات الدعم السريع» ، وهو قانون يجعل من تلك القوات تابعة للجيش السوداني بعد أن كانت تتبع لجهاز الأمن والمخابرات الوطني.
وصادق البرلمان على مشروع القانون المقدم من مجلس الوزراء بإجماع نوابه البالغين 426 عضوًا، وحضر الإقتراع وزير الدفاع عوض بن عوف، ونص القانون الذي أُجيز علىٰ أن تلك القوات «تتبع للقوات المسلحة وتأتمر بأمر القائد الأعلى»
وقال نائب رئيس لجنة الأمن والدفاع بالبرلمان حينها الفريق أحمد إمام التهامي، لحظة إيداع مشروع القانون لدى البرلمان، إن «قوات الدعم السريع» بحاجة إلى تنظيم وترتيب، يتناول وضعها وعلاقاتها بالقوات المسلحة والقوات النظامية.
ونص القانون على أن «قوات الدعم السريع قوات عسكرية قومية التكوين، تهدف لإعلاء قيم الولاء لله ثم الوطن، وتقوم بدعم ومعاونة القوات المسلحة والقوات النظامية».
لم تنجح أيضا هذه المحاولة التي إجتهد فيها حزب المؤتمر الوطني المحلول من فك الإرتباط المتين بين البشير وحميدتي حيث أصر الأخير في مقابلة تلفزيونيه شهيره أمام الطاهر حسن التوم في برنامج حال البلد عقب تمرير القانون في البرلمان إنه لن يتلقىٰ التعليمات من وزير الدفاع او رئيس هيئة الأركان ولكن يلتقاها من البشير شخصيا.

**الإختراق……

– منذ البداية أحست الحركة الاسلاميه والمؤتمر الوطني بخطورة العلاقه الوطيدة بين الرئيس المخلوع وحميدتي وحاولت الوقيعه بينهم بأساليب متعدده وخاب ظنهم مرارا وتكرارا.. فكان من الضروري إحداث إختراق لهذه القوات خاصه وأنها كانت ضمن هيكل جهاز الأمن والمخابرات الوطني مما يتيح عملية نقل بعض الضباط والجنود من الكوادر الموثوق بهم اليها.. وأنها وبعد إجازة قانون إبريل 2017 كانت ضمن منظومة القوات المسلحه مما سهل أيضا إلحاق عدد من الضباط إليها.. وكان المؤتمر الوطني المحلول حريصا علي معرفة أدق التفاصيل عن طريق إدخال عناصره وكوادره إلىٰ قلب قوات الدعم السريع للسيطره عليها وقد عانىٰ حميدتي من ذلك الأمر لقناعتة بفساد هذا التنظيم وهذه الجماعه.. وظنه بأن الخير في البشير وأن من حوله هم المفسدون… ولكن كما يقول المثل ما باليد حيلة…

** نقطة تحول…

– وجه حميدتي إنتقادات لاذعه ومتكرره لرموز المؤتمر الوطني ودخل في صراع صريح مع والي شمال كردفان السابق أحمد هرون مما دفع البشير للتدخل والمصالحه بينهما. وكان حديث حميدتي الجرئ حول الفساد وضرورة ملاحقة المفسدين وتأكيده بأن أزمة السيولة مفتعلة وقوله المشهود أمام جنوده في معسكر طيبة الحسناب بأن الغلاء والفقر يطحنان الناس.. كلها إشارات تُحَمِّلْ حكومة المؤتمر الوطني الوِزرْ بشكل واضح وصريح.. من الواضح أن حميدتي ومنذ البداية كان يعلم بطبيعة الصراع الداخلي بين رجال حزب المؤتمر الوطني ولا يستحي أن ينتقدهم علنا ولا يخشاهم. ولا يحسب أنه تحول عن المؤتمر الوطني لأنه لم يكن يوما عضوا فيه بل كان يُقلِقْ مضاجِعهم بإستمرار.. لكن يجب أن تحسب له نقطة التحول عن البشير شخصياً،. فقد إندلعتْ ثورة ديسمبر المجيدة العنيدة وشعارها المدوي تسقط بس.. وطافت مواكبها أصقاع وولايات البلاد.. وقودها شباب… زادهم هتافهم سلميه… سلمية ضد الحراميه… حرية سلام وعداله… الثورة خيار الشعب… ووصل ركبهم المَيمُون مُحِيط القيادة العامه بعد كدٍ وجهدْ.. سقط منهم عدد كبير كان جسراً للعبور ومحطة للإرتكاز… جمع البشير معاونيه ولجنته الأمنيه وأمرهم وهو يقدمْ بين يديهم فتوىٰ أن أقتلوهم وأحرقوهم..ليكون الثلثلين فداءً للثلثِ الأخير.. وسقطت ورقة التوت.. وإنكشفت الحقيقه الكامله والدامغه لتوضح أنانية البشير ودكتاتوريته ولسان حاله يقول أنا… ومن بعدي الطوفان… وإختار حميدتي حينها القرار الصائب والحكيم.. وإنحاز للجموع الهادره… وجعلها تسقط بس كما يتمنىٰ الناس وكما يحلمون…. إيمانا منه بضرورة وحتمية التغيير خاصة وقد سقط قناع البشير أمام لجنته الأمنيه وإكتشف الجميع دمويته وبعده عن الدين الذي كان يتشدق به في كل المنابر..ولأن حميدتي ومنذ البداية لم يكن مؤمنا بأهداف الحزب الحاكم ولم ينتمي يوما للحركة الاسلاميه المزعومه.

**بين دق الأسافين.. وردم الأسافير……

– بمُجَرد ظهور شَمس حميدتي وقوات الدعم السريع في سماءِ البلاد عقب التغيير.. عضَّ الإنقاذيون أصابع الندم.. وأيادي الندامه
وبانت الحسرة عليهم وبدأوا من جديد حربهم القديمه المتجدده عليه، مستغلين في تلك الحرب جنودهم وكوادرهم الذين سبق وأن..ادخلوهم كحصان طروادة لضرب مركز القرار الموحد لقوات الدعم السريع بزرع ضباط من الجيش والأمن يدينون بالولاء للحركة الإسلامية في مفاصل قيادية مهمة بجسم هذه القوات.
وهي العناصر التي تم استخدامها لاحقا لتنفيذ مجزرة القيادة العامة وفق سيناريو مرسوم بدقة نجح في دق اسفين عميق بين القائد حميدتي وقوى الثورة السودانية.
الأمر الذي فتح بابا واسعا لحملات شيطنة الدعم السريع الجارية إلى يومنا هذا بشكل أو بآخر .باستخدام سلاح الإغتيال المعنوي للشخصية بأسلوب علمي ممنهج برعت في القيام به مراكز متخصصة تتبع للنظام البائد يرمي في نهاية المطاف لترسيخ صورة ذهنية سالبة للقائد حميدتي وعن قواته. حيث كانت المحاولات الحثيثه للفصل بينه وبين كل الأطراف.. ومحاصرته من كل الجوانب وفتح مسار واحد باتجاههم فقط وحشد الأسافير والكتائب الإلكترونيه ضِدَّه والطرق بشدة على وتر التعايشي تارة.. والتشكيك في كفاءة حميدتي تارة أُخرى وتشوية صورته الزاهيه التي كانت تشرق في جمهورية أعلىٰ النفق العصيه أو علىٰ تيشيرتات الشباب أو في هتافهم الداوي حميدتي معانا وما همانا… وقولهم المشهور.. الرَّاجِلْ الضَكرانْ الخَوَّف الكِيزانْ..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى