كمال عبد الوهاب.. رحيلٌ مُفاجئٌ وأثرٌ طيِّبٌ

ليس هناك أشدّ ألماً على النفس من أخبار الفواجع، وأن تتلقّى نبأ رحيل من تحب قريباً طان أو صديقاً، خاصّةً إذا كان صديق عُمر، وفيّاً مُخلصاً لهذه الصداقة حتى خواتيم حياته، على الرّغمِ مِن أنّ الموت حقٌّ على كُلِّ إنسان، فبرحيله يمرر عليك شريط الذكريات وكل اللحظات سريعة، تستحضر فيها كل المواقف، وقد مضوا إلى حياة أخرى نحن سائرون إليها شئنا أم أبينا؟
كمال عبد الوهاب الحسن، تعرّفت عليه حينما كان يُدير مشروعه الخاص (مكتبة ديذني) جوار جامعة كمبيوترمان قبل أكثر من خمسة عشر عاماً، فتوطّدت العلاقة بيننا سريعاً، لأنني وجدت فيه كل صفات الصديق الحقيقي “صدق، شهامة، كرم ووفاء”، لا يبخل بالنصح والرأي السديد متى جئته، فكُنت استشيره في كثير من الأمور، استمرت العلاقة رغم اغترابي، فكان وفيّاً لم ينقطع التواصل بيننا، وكنت أزوره في كل عودة للوطن، كان يتفقّد أسرتنا، مُشاركاً في الأفراح والأتراح، مُجاملاً حتى صار صديقاً لأشقائي.
كمال كان مثالاً للشاب الشهم، المُحب للناس والخير، نُموذجاً للكفاح والصبر على الشدائد وتقلُّبات الزمن، فقد اضطرته ظروف خاصة إلى ترك مقاعد الدراسة بكلية الاقتصاد في أعرق الجامعات السودانية (جامعة الخرطوم)، ورغم ذلك ظلّ يتنقّل من نجاحٍ ألى آخر في عمله، مصحوباً بدعوات والدته التي كان باراً بها وبأهله، حمل هَمّ المسؤولية في عُمر مبكر بعد وفاة والده – رحمه الله – ولعل برّه بوالديه هو سر التوفيق الذي كان يُلازمه، فتوّج هذا البر بتحقيق حلم والدته حج بيت الله الكريم في أعظم صور البر، فاصطفاها الله إلى جواره لتمضي نقيةً راضيةً مرضيةً، وخلّف رحيل والدته المُفاجئ ألماً كبيراً في نفسه، لكنه قابل هذا الابتلاء بالصبر والتسليم بقضاء الله وقدره.
حين بلغني نبأ وفاة شقيقي (محمد) – غفر الله له – أرسلت له مُبلِّغاً بالفاجعة، لم يتأخّر رده، فجأني سريعاً (لا حول ولا قوة إلا بالله، ربنا يرحمو ويحسن إليه، الدوام لله)، هاتفني.. لم استطع الرد لكثافة المعزين، فبادر بالاتصال بشقيقي في الخرطوم وقدّم التعازي لكل الأسرة، لم تمض بضع ساعات على ذلك حتى شَقّ إلينا النبأ الأليم الفاجع بوفاة الحبيب كمال عبد الوهاب بعد أن تناول الإفطار مع أسرته وأطفاله وهَمّ بالخروج إلى عمله، سقط مغشياً عليه داخل بيته وأمام أطفاله إثر علة لم تمهله قليلاً، مُخلِّفاً صدمة كبيرة وحُزناً وألماً عميقاً في قلوبنا، تاركاً زوجة مكلومة وأطفالاً يتامى في أعمارٍ غَضّةٍ.
ندعو من قلوبنا أن تشملك رحمة الله أرحم الراحمين مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا في جنات الفردوس حيث ملك لا يبلى، وأن يلهم زوجته وأهله وأصدقاءه وجيرانه بالخرطوم وعطبرة الصبر الجميل على فقده، والحمد لله من قبل ومن بعد.
(إنا لله وإنا إليه راجعون)
عبد الرحمن عبد اللطيف الخبير
المملكة العربية السعودية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى