حتماً سنعود

بقلم:محمد الخطيب

ليس من عادات هذا النيل أن يصغى إلى أحد.. كأن النيل تمثال من الماء استراح إلى الأبد..
ماذا يقول النيل..؟
لو نطقت مياه النيل سيقول قصصاً وحكايات لمغتربين افترشوا رماله الذهبية في الليالي الصافية والحارة، بثوا له من أوجاعهم واشتياقهم لوطنهم وأهلهم وأصدقائهم، لن ينطق النيل لانه أقسم أن يحفظ هذه الأسرار ويكتمها وينقلها عبر سفره الطويل إلى الجهة الأخرى ويدفنها في رواسب الطين البُني..
قصص د. سليمان وبشير ود. خالد وخلدون وابو تركي وأبو ليث ود. محمد العدوان واللوزي والعبادي وغيرهم الكثير الكثير، حكاياتهم في الغربة – لماذا تغرّبوا؟ وكيف؟ وماذا جنوا من ثمار هذه الغربة؟ روايات عن حبهم للوطن.. وعشقهم لترابه.. قصص عن ذكريات عائلية تركوها خلفهم.. سعياً وراء لقمة عيش كريمة.. حكايات عن الأزقة التي عاشوا بين جنباتها.. الحارات او الحواري.. طفولتهم.. مدارسهم.. جامعاتهم.. وقصة زواجهم وإنجابهم لأطفالهم الذين تركوهم خلفهم.. لتأمين عيش كريم لهم.
لن ينطق النيل بهذة الحكايات أبداً.. لأنّ الحروف امتزجت بالرمال والطين.. وسارت إلى درب بعيد بعيد.. للنيل حكاية عشق وحب لن يعرفهما إلا من شرب منه وجلس على أطراف رماله ووضع رجليه في طينه الأسمر الضارب للبني..
نعم لن ينطق النيل حول دموع ذُرفت وسالت في مياهه بسبب شوق وذكرى للأهل والأبناء والوطن..
تركناك أيا أيها النيل ودموعنا على خدودنا.. سنشتاق لك ولرائحتك..
وتركنا خلفنا الكثير من الذكريات وأصدقاء سيبقون على عهدك.. لن يتركوك.. وسيستمرون في بث أشجانهم وأحزانهم وحكاياتهم لك طوال الليل.
ويقولون من يشرب من ماء النيل حتماً سيعود له..
غادرنا النيلين الأبيض والأزرق والخرطوم.. تلك المدينة الغريبة العجيبة الهادئة الثائرة.. التي تحتضن شعباً عربياً طيباً أصيلاً.

* دبلوماسي سابق في السفارة الأردنية بالسودان

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى