الحظر الكامل .. المخاطر..!!

 

:: حَظرٌ كَاملٌ على الخرطوم، كما الحال بعواصم ومُدن الدول الغربية وبعض العربية، اعتباراً من السبت المُقبل، ولمدة ثلاثة أسابيع.. قرار الحظر الكامل يُذكِّرني بإحدى وقائع التقليد الأعمى، حيث تشرّفت بزيارة بعض الشباب قبل سبع سنوات تقريباً، بغرض طرح فكرتهم للرأي العام، ليتبنّاها المُجتمع والحكومة كمشروعٍ مُنتجٍ.. وكانت الفكرة هي زراعة أسطح المنازل بالخُضر والفُول، وهي كانت من أفكار الدكتور عمرو خالد، وأراد بها تحقيق الاكتفاء الذاتي لبعض الأُسر المصرية، ووجدت الفكرة رَواجاً إعلامياً في عَامئذٍ..!!

:: حاورت شبابنا، واستحسنت حماسهم ومُتابعتهم للأفكار والمُفكِّرين، ولكن شرحت لهم أنّ فكرة زراعة أسطح المنازل قد تتناسب طبيعة الحياة في مصر، ولكنها غير مُناسبة لطبيعة حياتنا ذات الأسطح التي قوامها (الزنك أو الزبالة أو الخشب).. ويُمكن تعديل الفكرة بحيث تكون مشروع زراعة الحيشان، وأنّ مساحة الأرض غير المُستغلة في أيّة مدينة أو قرية سُودانية أكبر من مساحة الأرض المُستغلة (سكناً وزراعةً)، ويُمكنكم تنفيذ الفكرة في المساحات غير المُستغلة، وبهذا يكون قد تَمّ تطوير فكرة عمرو خالد، ثُمّ تنفيذها بلا متاعب..!!

:: غادر الشباب بعد نقاشٍ ثَرٍ وحوار إيجابي، وكانوا قد صرفوا النظر عن تقليد فكرة شباب مصر وزراعة أسطح المنازل.. ولكن كالعهد بهم دائماً، كبارهم، ورئيس وأعضاء اللجنة العُليا لطوارئ “كورونا” نماذج، من جيل لا يؤمن بالحوار والنقاش، ثم يُكابر بعدم التّراجُع عن الأفكار والتجارب الخاطئة، ويظن بأنّ التراجُع عنها (مَذَلّةٌ) و(ضُعفٌ).. ورغم علمها بأنّها لا تناسب الوضع الاقتصادي لشعبنا، ظلّت لجنة الطوارئ تُهيئ الرأي العام منذ أُسبوع لقُبُول فكرة حظر التجوال الكامل (24 ساعة).. ثُمّ قرّرت تنفيذ الفِكرة، وكأن الرأي العام وافق عليها..!!

:: نعم، هُناك دُول بالغرب، وبعض العربية، فرضت على شُعُوبها حظراً كاملاً.. والقوم هنا يحبون (التقليد الأعمى)، أي رغم عدم توفر العوامل التي سَاهَمت في نجاح الحظر الكامل بتلك الدول.. وبالأمس، تحدث صديق تاور نائب رئيس اللجنة العُليا – لصحيفة سودان فيرست – قائلاً بالنص: (ليس في مَقدُور الحكومة خدمة الناس في منازلهم وتقديم المُساعدات مَجّاناً، وإنّما يُمكن أن تُساعد الحكومة في إيصال المُساعدات لمنازل المُواطنين بكُلفتها الأساسية باتّفاق مع أصحاب المصانع والشركات)..!!

:: ناهيكم عن السَّواد الأعظم من سُكّان الخرطوم، وهم ذوو الدخول المحدودة والأعمال الحرة والذين يعيشون برزق (اليوم باليوم)، فالحكومة عاجزة حتى عن دعم الفُقراء والمساكين لحد الكفاف والعيش الكريم، ومع تقرّر حبس الناس في بيوتهم (24 ساعة)، ولمدة (21 يوماً)، وكأنّ الموت جوعاً يختلف عن الموت بـ”كورونا”.. وناهيكم عن عُطلة أسبوعٍ وآخر، فإنّ عُطلتي الجمعة والسبت أصبحتا ذات تأثير في اقتصاد الأُسر، ولكن يبدو أنّ السادة رئيس وأعضاء اللجنة العُليا لا يَعلمون أحوال الناس..!!

:: فالناس يتراصُّون ليلاً ونهاراً في صُفُوف الوقود والرغيف والغاز.. وتراهُم سُكارى في الأسواق وما هم بسُكارى، ولكنهم يترنّحون من هَول الغلاء أو يُكلِّمون أنفسهم.. وما لم يجد الدعم، فإنّ مُواطناً بهذا الحال البائس لن يلتزم بالحظر الكامل، ولن يصبر عليه ثلاثة أيام، ناهيكم عن ثلاثة أسابيع.. فمع الحظر الجُزئي المُنفّذ حالياً، كان يُمكن تجفيف الازدحام بقرارات، منها منح إجازة – مع راتب شهر –  للعاملين بالقطاع العام وشركات القطاع الخاص.. وعلى كُلِّ حالٍ، انتهت تجربة الحظر الكامل بإحدى مُدن جنوب أفريقيا بأعمال نَهبٍ، فالسُّكّان جَاعوا في مَحبسهم، ثُمّ خرجوا ونَهَبُوا الأسواق والمَحلات التِّجارية، وربما لحكومتنا رغبة في نقل هذه التجربة الأفريقية..!!

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى