سد النهضة.. ملف فني بغطاء أمني؟!!

 

تقرير: مريم أبشر

بعد خطوات كبيرة قطعتها الاجتماعات السداسية التي انتظمت بشأن ملف سد النهضة الأثيوبية بالعاصمة الأمريكية واشنطن تحت مظلة وزارتي الخزانة الأمريكية والخارجية  وتوقف المسار بعد أن فاجأت القاهرة كلاً من الخرطوم وأديس بتوقيعها منفردة على مسودة المبادئ التي تم التوصل إليها بعد سلسلة مارثونية من جولات التفاوض الفني . الرفض السوداني جاء على خلفية التفكير الجهير لسودان ما بعد الثورة الباحث عن مصالحه أولاً وأخيراً، لما كان لسد النهضة جملة من الفوائد والمكاسب الكبيرة التي تصب لصالح بناء دولة جديدة حديثة ورثت تركة عالية من الدمار. ولأن كثيرا من مصالح السودان كانت تضيع تحت ستار إرضاء  مصالح الآخرين، وتحديداً فيما بات واضحًا أن الخرطوم تدخل مفاوضات السد وفي ظن القاهرة أنها تابعة لها في كل ما ترى من رؤى قيام السد، فقد رفض السودان التوقيع على أي مسودة لا تحوي اتفاقاً كاملاً يضع نصب عينيه مصلحة السودان ودولتي المصب والمنبع على حد سواء. مؤخراً ظهرت رؤى جديدة تعتبر المياه ومن بينها سد النهضة من الملفات عالية الحساسية وتستوعب جراء ذلك أن تكون الأجهزة الأمنية هي من يتولى التفاوض والتباحث في أي شأن يتعلق بها .

رؤية جديدة

تحركات كبيرة انتظمت ملف سد النهضة بعد الاتصال الهاتفي الذي أجراه رئيس الوزراء  عبد الله حمدوك مع وزير الخزانة الأمريكي. فيما دعت مجموعة مناهضة لسد النهضة  الحكومة الأثيوبية بدفع التعويضات لما يتطلبه الأذى الذي سيطال المناطق المتأثرة بالسد،  وطالبت المجموعة بنشر وثيقة أي اتفاق قبل التوقيع عليها وتعيين خبراء مستقلين في لجنة التفاوض.. ومضت المجموعة بمطالبة تحويل ملف التفاوض لمجلس الأمن والدفاع القومي وعدم اعتباره ملفاً يخص الجهاز التنفيذي فقط، لأنه ملف أمني وسياسي من الدرجة الأولى فضلاً عن قيام مؤتمر علمي وأمني قومي يحدد لجنة قومية يكون من صلاحياتها متابعة التحقيق في كل جولات التفاوض السابقة منذ العام 2011م .

فني بحت

الدعوة إلى تحويل الملف الذي كانت تشرف عليه بشكل مباشر ولفترة طويلة وزارتا الخارجية والري، إلى مجلس الدفاع والأمن وتمليك الملف للأجهزة الأمنية والعسكرية وصفه عضو باللجنة الفنية السودانية بغير الممكن، لجهة أن الملف في الأساس فني بدرجة كبيرة وأن أفضل من يفصل فيه الجهات الفنية من مهندسين وقانونيين وغيرهما من تخصصات جيولوجية ذات صلة بقيام السد، وملء الخزان وغيره من أمور ليست من اختصاص الأجهزة.

و أشار العضو الذي ـ فضل عدم ذكر اسمه ـ إلى أن اللجنة الفنية ظلت منذ أمد بعيد تجتمع بشكل دوري وروتيني للنظر في  المستجد من ملفات وأن آخر اجتماع لها استعرضت فيه التحركات الأخيرة لرئيس الوزراء عبد الله حمدوك لتحريك الملف والتوسط بين القاهرة وأديس لاستئناف التفاوض، وأن الاجتماع كان بذات العضوية الفنية التي تولت الملف منذ بداية قيام المشروع. بيد أن المصدر ألمح إلى أن جلسات التشاور الأخيرة للفنيين شاركت فيه بعض الأجهزه الأمنية والعسكرية ولم يستبعد أن تكون المشاركة تأتي في سياق الحرص على إيلاء المشروعات التي تحقق مصالح للبلاد اهتماماً من كل أجهزة الدولة .

فبركة

سفير ـ فضل حجب اسمه ـ أكد أن ما أثير بشأن تحويل ملف السد لمجلس الدفاع والأمن لا يعدو كونه مجرد فبركة وأكد أن بعض أعضاء اللجنة الفنية المشرفة على مباحثات سد النهضة هم أصلاً من عضوية مجلس الأمن والدفاع، وقال: “للصيحة ” إن التحرك الذي أجراه رئيس الوزراء باتصاله الهاتفي بوزير الخزانة الأمريكي باعتبار أن واشنطن تشرف على ملف السد وإعلانه عن إجراء تحرك بين طرفي السد مصر وإثيوبيا وتحريكهما لإكمال الاتفاق، أسهم لحد كبير في تحريك الملف وأضاف أن كلاً من القاهرة وأديس بعثتا بمديري مخابراتها لإجراء التشاور المطلوب في هذا الصدد، ولم يستبعد أن تشهد الفترة المقبلة مزيداً من التحرك بعد أن باتت مواقف الدول الثلاث مكشوفة.

توافق مصري سوداني:

رغم أن بعض المعلومات، أشارت إلى أن مواقف مصر والسودان تباعدت إلى حد ما، إلا أن بعض المعلومات التي تحصلت عليها “الصيحة” أشارت إلى أن كل من القاهرة ومصر تحفظتا على الطلب الأثيوبي بإرجاء استئناف التفاوض حول ملف السد واستكماله بعد انتهاء انتخاباتها العامة فى يوليو المقبل وتفيد المعلومات أن أديس ربما أرادت من وراء ذلك العمل لملء بحيرة السد خلال فترة توقف المشاورات، غير أن كلاً من الخرطوم والقاهرة تريان التفاوض عملاً فنياً يجب أن لا يتأثر بالانتخابات . منذ أن تفجرت ثورة التاسع عشر من سبتمبر المجيدة، وتولت الحكومة الانتقالية زمام تسيير دفة الحكم وإرساء هياكل دولة رشيدة وضعت  نصب عينيها مصلحة السودان أولاً وأخيرًا بعيداً عن التحالفات ومحاولات جره لاتخاذ مواقف لإرضاء الآخرين بعيدًا عن مصالحه الخاصة، الأمر الذي أكسب السودان استقلاليته الحقيقية والبحث عن مصالحه بعيداً عن التكتلات والمحاور التي لا تخدم له غرضاً .

انسحاب

وبحسب متابعين فإن  السودان بنى استراتيجيته على ضرورة التواصل مع الطرف المصري لإثنائه عن تقديم مشروع القرار باعتبار أنه لا يخدم أهداف الطرفين بجانب أنه يضع السودان في مواجهة ثنائية إجبارية وغير مرغوبة مع إثيوبيا. بيد أن الجانب المصري أصر، فلم يبق أمام السودان سوى طلب سحب اسمه من المشروع ومن ثم تسجيل التحفظ عليه..

سلامة موقف

السفير والناطق الرسمي السابق بوزارة الخارجية جمال محمد إبراهيم وصف الموقف الذي اتخذه السودان حيال مشروع القرار المصري بالسليم والطبيعي، وقال “للصيحة”  إن الموقف الطبيعي والجغرافي للسودان بوصفه دولة عبور  تتوسط دولتي المنبع والمصب وأن عليه أن يكون وسيطاً بين الطرفين ويضيف: الولايات المتحدة تعرف الموقف الوسطي للسودان،  لافتاً إلى أن التصعيد ليس من مصلحة مسار التفاوض حول سد النهضة الذي تسعى الإدارة الأمريكية لمواصلة المشوار فيه حتى النهاية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى