الحظر والحجر الصحي.. خروقات ومُخالفات

 

تحقيق: منال عبد الله

بلغ عدد ضحايا جائحة (كورونا) حول العالم الـ(٥١) ألف شخص والولايات المتحدة الأمريكية وإيطاليا في صدارة القائمة السوداء، كما أن عدد الإصابات في العالم تجاوز المليون شخص، وفي أفريقيا تعدى الـ(4) آلاف، والدول العربية في الصدارة، الأمر الذي جعل جميع الدول تتجه مهرولة نحو اتخاذ الإجراءات الاحترازية والوقائية اللازمة لمجابهة الجائحة والحد من انتشارها لكونها بحسب وقائع الأيام الفائتة لم تستثن شخصاً ولم تحُل المناصب الرفيعة دون الإصابة، وبات شبح الموت يهدد الجميع على الكرة الأرضية، وبالتأكيد أن السودان ليس بمعزل عن هلع الإصابة بالكورونا، وأصدرت الدولة كغيرها قرارات تقضي بإغلاق المنافذ براً وبحراً وجواً بينها وبقية الدول، وأجبرت العائدين من دول موبوءة البقاء في الحجر الصحي، وفرضت حظر التجوال، بيد أن هذه الإجراءات تمت مجابهتها من قبل مواطنين في المعابر المختلفة، فضلاً عن تقييد بلاغات ضد العشرات منهم لخرقهم حظر التجوال.

(الصيحة) حققت حول تجاوزات القوانين التي قيدت بالمضابط الرسمية خلال الفترة الفائتة وحالات عدم الاستجابة لإجراءات الحجر الصحي وأسبابها.

قرارات رسمية

في السادس عشر من مارس المنصرم، قررت الحكومة إغلاق كل المطارات والمعابر البرية والبحرية باستثناء شحن المساعدات والشحن التجاري وسط مخاوف من تفشي الفيروس، واتجهت إلى اتخاذ إجراءات أكثر صرامة إبان زيادة عدد الإصابات والتي جميعها لأشخاص عائدين من دول موبوءة، بفرض حظر التجوال والذي بدأ في الرابع والعشرين من مارس المنصرم لردع تفشي فيروس كورونا مع وقف حركة الحافلات بين المدن والولايات.

طوق عالمي

فرضت جائحة (كورونا) على العالم أجمع اتخاذ تدابير احترازيه حفاظاً على الأرواح، وفقاً لموجهات منظمة الصحة العالمية والتي وضعت طوقاً صحياً لنجاة العالم من الخسائر الكبيرة في الأرواح، وقالت المنظمة في تقرير رصدته الصيحة إن الهدف الأساس للاستجابة الدولية لجائحة كورونا، يهدف إلى إيقاف انتقال الفيروس من إنسان لآخر داخل المجتمع ورعاية المصابين.

وبصورة أو بأخرى بحسب ما تناقلته المواقع الإخبارية المحلية والعالمية أن المنظمة اعتبرت أن هنالك تهاوناً من قبل الحكومة السودانية بشأن الإجراءات الاحترازية ضد المرض وعدم التزام المواطنين بها بشكل كامل، الأمر الذي دفع الحكومة لاتخاذ مزيد من الإجراءات وتمديد ساعات حظر التجوال من السادسة مساء إلى السادسة صباحاً.

مخالفات العائدين

حدثت خروقات ومخالفات متعمدة من قبل العائدين من خارج البلاد برًا وجوًا للإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الدولة وذلك بعدم تجاوبهم مع السلطات الصحية والخضوع للحجر الصحي، حيث هرب عدد ليس بالقليل من العائدين من مصر من المقر الذي خصص لعزلهم دون أن تتمكن الجهات المختصة من تحديد وجهتهم، كما رفضت (6) فتيات قادمات من دول أوربية موبوءة التوجه إلى مقر العزل بالخرطوم، وكشف متابعات (الصيحة) للواقعة بالمطار عن مشادات كلامية حادة تمت بصالة الوصول بمطار الخرطوم بين السيدات وأسرهن والسلطات الأمنية والصحية حول تمسك الأخيرة بضرورة إخضاع السيدات للعزل قبل عودتهن إلى أسرهن، فيما رفضن الإحالة إلى العزل وأكدن على أنهن غير مصابات بالمرض، ورفضت كذلك سيدة قادمة من كندا الخضوع لإجراءات العزل في حين أن جهاز الفحص الأولي للقادمين من الخارج أكد على ارتفاع درجة حرارتها، وفيما كانت الكوادر الطبية بغرفة الطوارئ بالمطار تعلن استياءها عما يحدث من عدم استجابة القادمين للعزل وخاصة مجموعة الطلاب التي أتت من الصين عبر الإمارات والذين اعتصموا داخل الطائرة لأكثر من أربع ساعات رافضين النزول مطالبين بحضور وزير الصحة، ولم يفلح تمسك السلطات الصحية بغرفة الطوارئ بالمطار بإدخالهم الحجر الصحي، وتم إخلاء ساحتهم دون أن تطبق الدولة إجراءاتها الاحترازية والاكتفاء بالرعاية الصحية التي تلقوها بالإمارات.

بلاغات موثقة

وأعرب مواطنون استنطقتهم الصحيفة عن استيائهم من قرار الحظرالصحي الذي فرض عليهم، وبرروا استياءهم بسبب الأزمات التي تمر بها البلاد في الخبز والوقود والغاز، مما يجعل التقيد بزمن حظر التجوال صعباً على أي مواطن، وقطع بعضهم بالقول (البلد دي ما بتجيها كورونا)، وكشف توثيق لكاميرات إعلام محلية كرري في اليوم الأول لتمديد حظر التجوال من الساعة السادسة مساء إلى السادسة صباحاً بعدد من الطرقات الرئيسية عن تكدس المركبات العامة والخاصة، وأكد سائقو المركبات والراكبين والراجلين من مستخدمي الطريق بمدخل جسر الحلفايا بشارع الوادي على أن ازدحام الطرق بالسيارات والاختناق المروري هو السبب في تأخرهم وتجاوز الزمن المحدد لحظر التجوال ببقائهم بالطرقات.

من جانبه أعلن اللواء ركن الوليد عبد القادرعجبنا قائد منطقة وادي سيدنا العسكرية بأن أي شخص يخالف قانون حظر التجوال سيعرض نفسه الى الإجراءات القانونية، ووجه المواطنين بضرورة الالتزام بالساعات المحددة لحظر التجوال وعدم الجلوس أمام المنازل حفاظاً على صحة وسلامة المواطنين من الإصابة بجائحة كورونا.

متابعات

وكشفت متابعات (الصيحة) عن تدوين أقسام الشرطة المختلفة بولاية الخرطوم عشرات البلاغات تحت طائلة المادة (٧٤) من القانون الجنائي والمتعلقة بجرائم الإهمال المسبب للخطر على حياة الناس وأموالهم ضد متجاوزين لحظر التجوال، ودونت السلطات البلاغات الجنائية في مواجهة مواطنين تم ضبطهم بالشوارع سائرين على الأقدام ومنهم من كان في انتظار المواصلات العامة التي تقلهم إلى المنزل وسائقي مركبات بعد الساعة السادسة مساء.

أسانيد قانونية

قطع خبراء قانونيون أن إعلان حالة الطوارئ الاستثنائية حق دستوري للسلطة التنفيذية لحماية وسلامة المواطنين من الأخطار، وأجمعوا في إفادات حصلت عليها (الصيحة) على أن يتم تحديد أمر الطوارئ بمدة زمنية محددة يمكن تجديدها متى ما لزم الأمر، كما أكد خبراء في القانون الدولي على أن إعلان حالة الطوارئ الاستثنائية حق دستوري مكفول لرئيس السلطة التنفيذية حفاظاً على صحة وسلامة المواطنين.

وقالت مولانا حرية إسماعيل رئيس المفوضية القومية لحقوق الإنسان إنه يجوز للحكومة أن تفرض حالة الطوارئ الصحية وحظر التجوال بسبب كورونا باعتبار أن حياة الإنسان تتعرض للخطر وإن للإنسان الحق في الحياة والصحة، مبينة أن التدابير التي يتم اتخاذها لتفادي الجائحة واجبة بموجب قوانين حقوق الإنسان والمعايير الإقليمية والعالمية باعتبار أن حياة الإنسان وصحته مقدمة على كل الأنشطة الحياتية الأخرى.

من جهته شدد د. أحمد المفتي الخبير القانوني ومدير مركز الخرطوم لحقوق الإنسان على أن تنفيذ أمر الطوارئ الصحية ومنع التجوال على أرض الواقع ينبغي أن يأخذ في الاعتبار عدداً من التدابير بشأن مؤسسات النفع العام للمواطنين، وأن تحقق المقاصد الصحية دون الإضرار بالمواطن، وأضاف المفتي أن على القوات النظامية عند تطبيق هذا الأمر مراعاة الظروف الإنسانية للمواطنين.

وحول إمكانية إنزال العقوبة على من يتم توقيفه بسبب خرق حظر التجوال المفروض، أكد الأستاذ آدم بكر المحامي لـ (الصيحة)، على أنه بمجرد مثول أفراد القوات النظامية أمام المحكمة وإدلائهم بشهاداتهم على اليمين أنه تم توقيف هذا الشخص في الوقت المحدد بعد الساعات المحددة لفرض حظر التجوال تعتبر هذه الشهادات بينة واضحة وكافية أمام القضاء، وفي هذه الحالة لا يستطيع الشخص المقبوض عليه الدفاع عن نفسه بعد شهادة أفراد القوات النظامية وبعد القسم الذي يؤدونه أمام القاضي بأنه تم توقيف المتهم بعد الزمن المحدد لحظر التجوال من الساعة ٦مساء، وعلى إثر ذلك يطبق القاضي القانون وينزل العقوبة على المتهم، ولكن آدم بكر المحامي عاد وقال بعد سماع شهادة الشهود أمام المحكمة يأتي دور القاضي في التعرف على الأسباب التي أدت إلى تواجد المتهم في ذلك المكان وهل تكررت المرات التي تم توقيفه وتقييد بلاغات ضده، ونبه في الوقت ذاته إلى ضرورة أن تضمن الحكومة والجهات التي أصدرت قرار الحظر انسياب المواصلات العامة بصورة جيدة وتنقل الناس إلى مقر سكنهم في زمن معلوم، حتى لا يتم تجريم المواطن بسبب أزمة المواصلات وشح الوقود، وأشار بكر في حديثه إلى أن القانون يدافع عن نفسه بأنه لا عذر لمن أنذر، كما أن القانون لا يحمي المغفلين بحسب إفاداته للصحيفة، داعياً المواطنين إلى توفيق أوضاعهم من وقت مبكر نسبه لأن القانون لا يجد لأي مواطن العذر، وأرجع ذلك إلى أن قرار الحظر مقصود به المصلحة العليا للبلاد، وأن الدولة من مهامها حفظ الأرواح وسلامة المواطنين، وأن تنفيذ القانون واجب على الدولة، والعبرة بالمقاصد على حد تعبيره، لأنه المقصود من قرار الحظر مجابهة جائحة كورونا لأنها مرض خطير.

مبررات نفسية

حول عدم اللامبالاة لدى معظم المواطنين السودانيين خلال الفترة الفائتة والتجاوزات في حظر التجوال وقبلها عدم الالتزام بالخضوع للحجر الصحي من قبل سودانيين قادمين من دول موبوءة، والأسباب النفسية الداعية لتجاوز القرارات وعدم الالتزام بالقوانين على الرغم من المخاطرالمثبتة لكورونا، استنطقت الصحيفة عدداً من الاختصاصيين النفسيين حول المسألة للتوصل لأسباب منطقية، وأوضح د. عاصم أحمد البراج نائب اختصاصي الطب النفسي، أن الأسباب عديدة ومتداخلة حول عدم الالتزام من قبل العائدين من مناطق موبوءة بالحجر الصحي أولها ما عرضته وسائل الإعلام من صور للمناطق الصحراوية التي زارها رئيس مجلس السيادة مما كان له الأثر النفسي السالب لدى عامة الناس بسوء المناطق وانعدام الخدمات فيها، السبب الآخر المباشر التفكير المتأخر في اختيار مناطق الحجر الصحي ومناشدة عضو مجلس السيادة بتوفير الخدمات من المجتمع مما أوحى للناس أن مناطق العزل أو الحجر الصحي غير جاهزة وغير مهيأه.

من ناحية أخرى قال البراج إن نوبات الهلع والخوف الشديد غير المبرر وإحساس الوصمة الاجتماعية نسبة للإمكانية العالية لاكتساب العدوى بالاختلاط يجعل الناس يترددون في التبليغ عن المريض وهو سلوك سيئ جداً بكل المقاييس، فضلًا عن انخفاض مستوى الوعي وحب النفس والأنانية بين الناس، أعتقد أنه من أسوأ الصفات الشخصية التفكير في الذات وتجاهل مصلحة الآخرين والتي في الأصل ناتجة عن خلل تربوي وغرس مفهوم الأنانية منذ الصغر لدى الإنسان الشيء الذي يجعل الناس متمردين على تنفيذ قرارات حظر التجوال والحجر الصحي، وزاد إلى ذلك من الأسباب غياب التشريعات الخاصة من الدولة وهشاشة الترتيبات.

وأضاف: في تقديري الدولة هي المسؤول الأول وليس الأخير عما يحدث.

عموماً

وفقاً للإفادات المتعددة التي تلقتها (الصيحة) فضلاً عن آراء الخبراء يتضح جلياً أن معظم الذين لم يتقيدوا بالإجراءات الاحترازية من المواطنين السودانيين يؤمنون بنظرية المؤامرة الدولية وأن جائحة كورونا وجدت تضخيماً من قبل وسائل الإعلام العالمية التي تحاول أن تسترد مجدها خاصة القنوات الفضائية التي فقدته بسبب انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، واعتمدوا فيما ذهبوا إليه في أن دولاً كبرى مثل السويد واليابان وسويسرا تسير الحياة فيها بصورة طعيبية، ولم تحظر التجوال ولم تغلق المعابر والمطارات، إضافة إلى أن الأطباء يقولون إن المرض لن يتوقف ما لم يصب ٧٠% من البشر، معتبرين أن السياسيين اتجهوا للقانون والحظر من أجل إخلاء مسؤوليتهم، في الوقت الذي تؤكد فيه تقارير صحية عالمية على أنه لم يصل العالم بعد لذروة الوباء، وعدد المصابين والوفيات في ازدياد، وواقع الحال يؤكد أن هنالك وباء وسرعة انتشاره تتطلب مزيداً من الإحساس بالمسئولية الذاتية والمجتمعية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى