الموازنة الجديدة.. الإبقاء على الدعم

 

الخرطوم: جمعة عبد الله

للمرة الثانية خلال أسبوع يقول مسؤول بوزارة المالية، إن هناك اتجاهاً في الوزارة لرفع الدعم، وحسب ما نقل عن مدير السلع الاستراتيجية بالمالية، على خليفة عسكوري، إن الوزارة أعدت موازنة جديدة ستتم إجازتها الأسبوع المقبل.

وفي شرحه للأمر قال عسكوري، إن الموازنة الجديدة لن ترفع الدعم بقدر ما ستقوم بترشيده وتوجيه دعم الوقود للقطاعات المستحقة بالفعل، موضحاً أن 20% من السودانيين أوضاعهم جيدة وليسوا بحاجة لدعم.

وتؤكد هذه التصريحات المتواترة على أن الخيارات ضاقت بوزارة المالية، بتفاعل عدة عناصر منها استمرار الأوضاع الاقتصادية المتأزمة بالبلاد، خاصة أزمة الوقود التي لم تجدِ معها كل المعالجات، حتى بعد رفع دعمه جزئياً بالوقود التجاري، ودفعت تلك المعطيات وزير المالية “البدوي” للتصريح برفع الدعم.

وقبل حديث عسكوري بأقل من أسبوع، سبقه الوزير إبراهيم البدوي، بالغشارة إلى أن جائحة كورونا ستقود لركود كبير وسيتأثر بها السودان، وأشار إلى أن المالية تتجه للتوافق على ترشيد دعم الوقود الذي سيوفر”250″ ملياراً للاستفادة منها في خطط لتقديم السلع التموينية الأساسية خلال أيام الحظر المرتقب.

ويشير مراقبون الى صعوبة معالجة افتقار الموازانات السابقة للموارد الحقيقية في التمويل، حيث يبدو أن التخلص من هذا الإرث مهمة ليست بالسهلة، خاصة في ظل عدم تغير كثير من السياسات السابقة، وأولها وضع البلاد كدولة لا تملك الكثير من الموارد الحقيقية في الوقت الراهن، وبطء الإصلاح الاقتصادي الذي أعلنته الحكومة، بالإضافة الى تبعات سياسية تتمثل في عدم الاستقرار الناتج عن تأخر إحلال السلام الشامل بكل ربوع البلاد، وهذه معطيات مهمة تجعل من مواصلة الحكومة الجديدة في نهج سابقتها بتخصيص موارد كبيرة للأمن والدفاع.

وأتاح التغيير السياسي الذي تم بالبلاد فرصة لتحسين العلاقات الخارجية، مما يسهل استقطاب العون، وظهرت بعض البشريات الإيجابية لهذا التغيير، تمثل في تعهدات بمساعدات في الموازنة الجديدة كدعم من أصدقاء السودان، إلا أن التطورات العالمية بتفشي فيروس كورونا، وتأجيل المؤتمر الاقتصادي ومؤتمر المانحين، بدد الآمال في الحصول على هذه الاموال التي كانت ستتركز على مشروعات يتم تنفيذها إما بتمويل من المانحين أو عبر دفع شركات كبيرة لتنفيذ مشروعات بالسودان.

وأشار المحلل الاقتصادي، قاسم صديق، لأهمية رفع دعم الوقود في ظل الظروف الحالية لإصلاح اقتصاد البلاد، وقال إنه يؤيد الخطوة رغم آثارها الكارثية على المواطن الذي لا تستطيع الدولة دعمه بأي حال وكثير من الناس سيضطر للرجوع لأكل الكسرة، وهي عمل صعب ومكلف أكثر من الخبز وشوارع الخرطوم ستخلو من الزحام ولكن أول المزايا والفوائد ستكون وقف التهريب ولكن القرار ستكون له تبعات سياسية خطيرة على قوى الحرية والتغيير.

وقال قاسم لـ “الصيحة”، إن المعالجات التي كان من الأوجب للدولة الشروع فيها قبل بداية برمجة رفع الدعم الممرحلة، هي المسارعة في جذب دعم خارجي لزبادة الإنتاج وليس لدعم الاستهلاك لتعويض المواطن والسعي له في خفض تكاليف أخرى مثل تحقيق وفرة في إنتاج المحاصيل الزراعية ذات العائد السريع بالعملات الأجنبية وهي معلومة للكافة وإنتاج القمح نفسه لكفاية الاستهلاك وخفض تكلفة الإنتاج لتقليل أثر رفع الدعم الكلي والاستفادة من خفض فواتير أخرى كالعلاج والكساء.

لافتًا لأهمية إصلاح حال المواصلات وتنويعها وإبقاء الزيادة في سعر التنقل في حدودها الدنيا لتأثيرها المباشر على دخول المواطنين، أن المطلوب تهيئة لرفع الدعم  قبل عمل برنامج لرفع الدعم، وزاد: يفترض أن يكون رفع الدعم تدريجياً لتستطيع الطبقات ذات الدخل المحدود التعامل معه بحيث يمكنها التنازل عن بعض المصروفات الأقل ضرورة لصالح استيعاب ضرورات أعلى مثل تكلفة رفع الدعم عن الخبز والزيادة في التكاليف الأخرى المتأثرة بزياد الوقود وهي تنعكس على كل مناحي الحياة وليس على التنقل فحسب وهي تكاليف لم يكن مبرمجاً لها.

فيما يقول الخبير الاقتصادي د.عادل عبد المنعم أن تأخير رفع دعم الوقود حتى شهري أبريل وأغسطس المقبلين أدي لآثار اقتصادية سيئة يصعب تداركها، وتوقع أنه وفي حال استمرار سياسة عدم رفع الدعم سيصل سعر الدولار غلى 200 جنيه نهاية 2020م، موضحاً أن الأمر في غاية الخطورة ويجب وضع موازنات ومعالجات بالنسبة لرفع الدعم وتوعية المواطنين، أهم شيء للمواطن هو سعر الجنيه الذي يحمله في يده ويمثل القوة الشرائية، ويجب عدم التركيز في رفع الدعم أو عدمه هذه سوف تأتي تلقائياً، وإنما يجب التركيز على كيفية زيادة سعر الجنيه الذي يحمله المواطن صاحب الدخل المحدود.

وقال د.عادل لـ “الصيحة” إن عدم رفع الدعم يترتب عليه “ضريبة التضخم” وهذا ما يحدث حالياً، فمنذ نهاية ديسمبر 2017م وحتى ديسمبر 2019م توجد ضريبة تضخم بلغت 200% على أصحاب الدخول المحدودة والفقراء وقضت على دخولهم بنسبة تصل الى 70%، إضافة الى أن استمرار الدعم تسبب في اختلالات وتشوهات في الاقتصاد وعدم استقرار الأسعار، بينما في الطرف الأخر فئات استفادت من الدعم متمثلة في فئات المنتجين ومقدمي الخدمات الذين يقومون برفع أسعارهم لمجاراة الأسعار التضخمية في السوق، فرفع الدعم في المقام الأول انطباعه نفسي فأي شخص يتم إخباره برفع الدعم أو زيادة سعر سلعة يكون انطباعه الأول سيئاً ويرفضه، لكن كسياسة اقتصادية لدولة يجب تبنيها مهما كلف الأمر طالما أنها حكومة مسنودة شعبياً هدفها الإصلاح الاقتصادي فيجب أن تتبنى سياسة رفع الدعم.

ويخالف عضو اللجنة الاقتصادية بالحرية والتغيير، كمال كرار، هذه الآراء مشيراً لإمكانية معالجة الأزمة الاقتصادية بغير اللجوء لخيار رفع الدعم.

وقال كمال في منشور على صفحته بالفيس بوك أمس، إن حالة الطوارئ الاقتصادية تستلزم لا تجميد حسابات رموز النظام السابق وحسب بل طالب بمصادرتها ووضع اليد على الأصول واستخدام المال لصالح الأولويات الضرورية والتنمية “والشعار مال الشعب لأجل الشعب” وقطع بأن تلك الاجراءات كافية لجعل صفوف الوقود تختفي بتحديد الحصة بمحطة الوقود كما هو الحال في المخابز وترشيد الواردات والسيطرة على الذهب.

وقال المحلل الاقتصادي د. هيثم فتحي لـ(الصيحة): بالرغم من انعكاس رفع الدعم على المواطنين إلا أنه لم يعد هناك خيار آخر غيره فالدولة ليست لديها موارد كافية لاستمرار الدعم مضيفاً: لابد من التوعية بقضية رفع الدعم، مردفاً: من المتوقع أن يكون التدرج عبر ثلاث مراحل تدوم كل واحدة منها ما بين 3 و6 أشهر حتى يتمكن الاقتصاد من معالجة النقص عند الحاجة فرفع الأسعار التدريجي مهم، ولفت لضرورة النظر لقدرة تحمل المواطن عبء تدهور معيشته، وتجنب الصدمة التي قد تدفع الناس للغضب مضيفاً: لابد من خطوات واضحة لإصلاح الاقتصاد وفق خطة علمية مدروسة التي منها الرفع التدريجي للدعم عن الوقود والكهرباء على أن يكون مرتبطا مع الاصلاح الضريبي الذي سوف يكون له أثر إيجابي على الموازنة العامة للدولة ويوجه الحاصل الضريبي للإنفاق على التعليم وبرامج الحماية الاجتماعية، وخفض النفقات والمشتريات الحكومية بغرض صيانة الاقتصاد، الذي لم يعد قادراً على تحمل مزيد من الاقتراض والعجز بجانب ذلك قد تلجأ الحكومة الى الرفع في حال عدم توفر الدعم اللازم لإنقاذ الموازنة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى