هذا الطفل أحدهم..!!

 

:: يكفي أنّهم ورثوا وطناً مُمزّقاً بعد أن عجز آباؤهم وجُدُودهم عن المُحافظة عليه مُوحّداً، وليس من العدل أن يكونوا وقوداً في محارق حرب الآباء والجُدود.. فالمشهد الصَّادم – في مسيرة الخميس الفائت – لطفلٍ يَحمل مُلصّقاً عليه صُورة رئيس الوزراء، وتحت الصُّورة كلمات يُمكن وصفها بالسّفاهة والقُبح.. أمّا المَشهد المُؤلم، كَمَا يُوضِّح مقطع الفيديو، فإنّ هذا الطفل فاقدٌ تعليميٌّ ويعمل غسّال عربات بالسُّوق، واستغلوا أُمّيته وحاجته للمال وأمسكوه ذاك المُلصق مُقابل (150 جنيهاً)..!!

:: وبالمُناسبة، من مُوبقات النظام المخلوع فإنّ مُعدّل الأمية في البلاد يُقارب عشرة ملايين مُواطن، وهذا تقريباً ثُلث سُكّان السُّودان تقريباً.. وأنّ آخر تقريرٍ مُشتركٍ – ما بين مُنظّمة اليونسيف ووزارة التربية – أشار إلى أنّ أكثر من ثلاثة ملايين طفلٍ في بلادنا لا يتلقّون تعليماً بالمدارس.. أُكرِّر، أكثر من ثلاثة ملايين طفل لا يتلقّون تعليماً، وتتراوح أعمارهم ما بين (5 – 13 سنة)، وبالتأكيد أنّ هذا الطفل – المُستَغل سِيَاسِيّاً – أحدُهم..!!

:: ودُون غَضّ الطرف عن مُحتوى المُلصق (القبيح)، فإنّ من الجرائم أن يتم استغلال الأطفال هكذا.. ولعلّكم تذكرون، بتاريخ 8 سبتمبر 2009، خاطب الرئيس الأمريكي السابق أوباما، تلاميذ مدارس أمريكا – من صالة رياضية لإحدى المدارس الثانوية – حَاثّاً إيّاهم على التعليم وتحمُّل متاعب رحلة العلم من أجل مُستقبلٍ آمنٍ لهم ولبلادهم ومُجتمعاتهم.. كان خطاباً تحفيزياً، خَصّ به طُلاب بلاده، من إحدى المدارس.. ومع ذلك، هَاجَت الصُّحف والقنوات ومُنظّمات المُجتمع المدني، ووصفوا فعل أوباما بالاستخدام السيئ للسُّلطة واستغلال النُّفوذ..!!

:: وبذات تعريف الإتجار بالبشر في بروتوكولها، تعتبر الأمم المتحدة استغلال الأطفال في الصِّراعات السِّياسيَّة صُورة من صُور الإتجار بالبشر.. وقبل أشهرٍ من سُقُوط نظام المخلوع، وكانت سُلطات التعليم أصدرت قراراً بمنع الطلاب والمُعلِّمين من المُشاركة في المسيرات والتظاهرات السِّياسيَّة.. ولكن قال وكيل الوزاة آنذاك مُوضِّحاً أسباب القرار: مُشاركة التلاميذ في الحشد ضد مُوجِّهات الوزارة الداعية إلى تحصيل الطلاب ما فَاتَهُم من أيّام العام الدراسي.

:: ويومها انتقدت سبب المنع (تحصيل ما فاتهم أيام التظاهرات).. أي كَانَ يجب أن يكون سبب منع التلاميذ والطلاب من المُشاركة في الحُشُود والمسيرات السِّياسيَّة هو رَفض استغلال الأطفال في القضايا السِّياسيَّة، ورفض استخدامهم في الأجندة الحزبية.. وقانون مركزي صارم يجب أن يمنع هذا الاستغلال الرخيص، وخَاصّةً أنّ الولايات والمحليات البعيدة عن الإعلام تستغل الأطفال وتُتاجر بهم، حسب وصف بروتوكول الأمم المتحدة..!!

:: نَعَم، فالمُزعج والأخطر ليس فقط سياسات الأحزاب والحركات، بل أيضاً تسوُّل الأحزاب والحركات بالأطفال، أو كما يفعل البعض في شوارع المُدن وأسواقها رغم أنف قوانين حماية الطفل، وهذا ما يجب مُكافحته بوعي الأُسر ثُمّ بقوة القانون يا وزارة العدل.. وبمُناسبة ذكر ما يحدث في الشوارع والأسواق، فالتسوُّل بالأطفال جريمة مُزدوجة، أي إن كان تسوُّل القادر على العمل (جريمة)، فإنّ استغلال الطفل في تسوُّله (جريمة أُخرى)..!!

:: وفي عوالم السياسة أيضاً، يتسوّلون بالأطفال.. وكان النظام المخلوع أكبر المُتسوِّلين بأطفال المدارس، لحد الزّج بهم في الحرب ومُعسكرات التجنيد.. وما من حشد سياسي إلا وكان صغارنا في المُقدِّمة، كما في مسيرة الخميس.. (يعملوها الكبار ويقعوا فيها الصغار)، هكذا تقول حكمتنا الشعبية.. وما يَحدث حالياً لصغارنا مُخالفٌ لقانون الطفل، وانتهَاكٌ للمَواثيق الدولية، ويجب (الانتباه) يا وزارة العدل.. وكما نرفض الزّج بهم في الحُرُوب، علينا رفض استغلالهم سِيَاسِيّاً وتعريضهم لمخاطر المواكب والمسيرات..!!

 

 

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى