رحيل البشير.. سيناريوهات الأمل والهواجس

 

 

الخرطوم: إنصاف العوض

جاء سقوط الرئيس الأسبق عمر البشير علامة فارقة في خارطة الربيع العربي الذي انتظم معظم الدول العربية العام 2011 كون الانتفاضة جاءت بعد فترة ليست بالقصيرة من اندلاع الربيع العربي، الأمر الذي جعل العالم يتوقع مرور الدكتاتوريات العربية والأفريقية في سبات شتوي طويل دون أن تمسها سيول التغيير الهادرة بعزيمة الشباب، ولما كانت حكومة البشير تواجه تهماً بحماية وتبني التطرف الديني وتأجيج  الصراع العرقي والجهوي ومطالبات بالمثول أمام المحكمة الجنائية الدولية بتهم جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وجد سقوط البشير اهتماماً دولياً متعاظماً، واحتل السودان صدارة العناوين الدولية في الصحافة الغربية.

استفاقة شعبية

ورأت الصحف الغربية  أن استفاقة السودانيين منذ عقود من قبضة نظام البشير جاءت تتويجاً لموجة جديدة من الربيع العربي من دون إخفاء القلق من المستقبل في بلد لن ينهي غياب البشير عن مشهده السياسي مشاكله المتراكمة، وسط مخاوف من تكرار السيناريو المصري .

وظل عنوان مصير السودان معلقاً على “بيان مهم لساعات طويلة  يتصدر الصحف والمواقع الإلكترونية الغربية بعدما طال انتظار بيان الجيش السوداني، رغم التوقعات بتنحي أو الإطاحة بالبشير، وهو عنوان لخّص حالة الترقب في العالم، للتطورات المتصاعدة منذ أشهر.

تعاطف عسكري

وفي صورة حملت وضوحاً أكثر، تحدثت صحيفة “لوموند” الفرنسية عن اليوم الأول للسودان منذ عقود “من دون عمر البشير”، الذي بنى سلطته بالقوة، أولاً ضد معسكره نفسه، ثانياً ضد شعبه. واعتبرت الصحيفة أن قرار الجيش بفرض حظر التجوال، هو رسالة للمتظاهرين بتوخي الحذر ورأت الصحيفة أن صمود الحراك خاصة خلال الأيام الأخيرة، جاء بفضل أخوة وتعاطف ضباط وعسكريين من الصف المتوسط، خاصة حول مقر وزارة الدفاع، ومن جهتها رأت صحيفة “ليبراسيون” الفرنسية، أن شجاعة وذكاء الشعب السوداني السبب الرئيسي للإطاحة بالبشير، وقالت إن ما أنهى حكم البشير الوحشي فعلياً، ليس تمرداً عسكرياً، لأنه “أمضى حياته بإغراق أي تمرد بالدم”، ولا حتى مذكرة توقيف من المحكمة الجنائية التي “احتقرها علناً”، بل شعبه “العنيد، الشجاع، والذكي.

ترويض أمريكي

واسترجعت الصحيفة تاريخ حكم البشير الذي وصفته بـ”المستبد والعنيف”، والذي اتسم خاصة بالفظائع التي ارتكبت في إقليم دارفور،  واستقلال الجنوب بدءاً من دعوته زعيم تنظيم “القاعدة” الراحل أسامة بن لادن للإقامة في السودان، ثم لاحقاً، تمكنه من الإفلات من “الجنون الأميركي” خلال “الحرب على الإرهاب” التي أطلقها جورج بوش الابن ضد ما سماه “محور الشر”، لأنه كان “مستعداً لكل الصفقات لإنقاذ عرشه”. وبحسب الصحيفة، فقد تحول المهاجم الشرس لأميركا إلى متعاون متفانٍ مع وكالة “سي آي إيه”، في مهمة أوكلها إلى رئيس الاستخبارات والرقم الثاني في النظام، صلاح عبد الله قوش، لتختم “ليبراسيون” بالقول إن سودان عمر البشير لم يعرف السلام بتاتاً.

مقاربات غربية

من خلال المقاربات، رسمت صحيفة “نيويورك تايمز”، صورة ضبابية عن الوضع الذي ينتظر السودان بعد تسلم العسكر قيادة مرحلة انتقالية في البلاد، وخيبة أمل المتظاهرين وتمسكهم باستمرار الحراك المقارنة الأولى، التي ارتبطت أيضاً ببورتريه للبشير، الذي وصفته في عنوان بـ”عنكبوت الشبكة الكبيرة”، عكست ما حاول هذا الرجل الإيحاء به دائماً، لجهة خلفيته “المتواضعة”، ووصوله إلى السلطة “من قلب الشعب”، استناداً إلى رواية محببة لديه، حول رفضه “وضع ضرس فضي، عوضاً عن آخر مكسور، وإشارته إليه طوال الوقت أمام ضيفه”. لكن الصورة الفولكلورية التي اصطنعها البشير، تتناقض بحسب الصحيفة، مع الصورة عنه في الغرب، كرجل حرب بلا شفقة، وحاضن للإرهاب، ومطلوب دولياً. لكن، وبغض النظر عما يرسمه الغرب عن البشير وزعماء عرب آخرين من صور، فإن المقارنة الثانية التي لخصتها الصحيفة، حول مستقبل السودان، تبدو أشد تأثيراً، فالرجل “كالعديد من الزعماء العسكريين، أحب الادعاء أن السلطة فرضت عليه، وأنه تسلمها على مضض”. وهو قال عندما استولى على السلطة في العام 1989، إن “هذا البلد لا يشجع أحداً على الاستمتاع بالسلطة، هذا البلد منهك ومنهار”، لكن بحسب الصحيفة، فإن “البشير يغادر المشهد تاركاً السودان بنفس الحالة التي تحدث عنها في تلك الأيام.

سيناريوهات غامضة

لكن ما هو أقل وضوحاً، هو ما إذا كان بإمكان من سيخلفه إصلاح الأمور سريعاً، فالاقتصاد المنهار، يحتاج إلى ضخ كبير للعملة، والصراعات الحالية في مناطق سودانية عدة، لا مؤشر على أنها ستهدأ، كما أن التاريخ في البلاد، في التسعينيات والثمانينيات، شهد عودة سريعة إلى الحكم العسكري بعد سنوات قصية من حكم مدني فوضوي وبدورها، حيّت مجلة “ذا إيكونوميست” شجاعة الحراك الشعبي في السودان، لكنها رأت في الوقت ذاته، أنه “وسط كل الفرح، ليس واضحاً إذا كان ذلك انقلاباً عسكرياً آخر (مقارنة بمصر)، سيقود إلى استلام جنرال آخر للسلطة، أم إنها ثورة ستجعل المدنيين يمسكون بزمام الأمور.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى