(القُومَة لَيك يَا وَطَنِي)

 

:: قبل مايو 1954، كان الخُبراء في سباقات الماراثون قد توصّلوا إلى قناعةٍ مفادها: (ليس باستطاعة الإنسان أن يقطع مسافة الميل في زمن يقل عن أربع دقائق).. ولكن، في 6 مايو 1954، ركض العداء البريطاني روجر تلك المسافة وقطعها في ثلاث دقائق و59 ثانية.. أي نجح في هز قناعة الخُبراء بزمنٍ قدره ثانية.. وبعده جاء العداء جون لاندي، وقطع ذات المسافة في ثلاث دقائق و58 ثانية، أي نجح في هز تلك القناعة بثانيتين.. ثم تواصل هز قناعات الخُبراء، حتى بلغ بالعدائين قطع مسافة الميل في زمن قدره ثلاث دقائق و43 ثانية..!!

 

:: ولا يزال مسلسل تحطيم الأرقام القياسية يتواصل.. فالجنس البشري لم يتغيّر، ولم يشهد أيِّ تطوُّر أو إضافة في تكوينه الجسماني، فما الذي حَدَثَ – ويحدث – بحيث لم يعد لذاك المُعتقد مكان في عُقُول العدائين؟.. لا شئ، فقط ما حدث – ويحدث – هو تحطيم لمُعتقد كان في ذهن بعض الخُبراء والعلماء، قبل تحطيمه على ملاعب الماراثون.. وهذا يعني أن المُستحيل فكرة تُشكِّلها عُقُولنا وتُصدِّقها أجسامنا وتكتوي بها أحوالنا.. بالعزم على قهر المُستحيل يتطوّر الفرد وتنهض الشعوب، وبتحويل ما بدواخلهم من تشاؤم وخمول وتواكل إلى أمل وعمل وتوكّل، تنجح الشعوب وتمضي نحو الأفضل في امتحان التغيير..!!

 

:: وبتاريخ 18 مارس‏ الفائت، مُتّخذاً وباء كورونا نُموذجاً، كتبت ما يلي: (الكرة في ملعب الحكومة، فالمخاطر تستدعي أن يكون الجميع على قدر التحدي.. وكما ذكرت هي معركة الجميع.. حكومة وشعباً وإعلاماً.. وعلى الجميع أن يكونوا في “صف العطاء”، وعلى مجلس الوزراء أن يقود الجميع بالاستنفار والتعبئة، ثم بتنظيم الجهد الشعبي، بحيث يسد الثغرات.. لجان المُقاومة قادرة على استنهاض همم المُجتمع.. وشركاتنا قادرة على تأهيل المحاجر الصحية وتزويدها باحتياجات المعزولين، وقادرة على توفير الأدوية والمُطهّرات والكمّامات في المناطق المُتأثِّرة بالحرب والفقر.. وكذلك لمنظمات المُجتمع المدني وأنديتنا الرياضية سيرة عطرة في خدمة الشعب..!!

 

:: والمناخ مُناسبٌ لتوحيد الإرادة الشعبية وتقويتها مخاطر كورونا.. بالأمس قلت إن أغلى ما كان في بلادنا معادن الناس في الضراء، والتراحُم في المحن، ولكن يبدو أنّ عُقُود البطش والفساد أفسدت حتى تلك المعادن، وهي فُرصة لحكومة الثورة بأن تصلح ما أفسده النظام المخلوع.. فالمدينة الفاسدة التي يتجرّد فيها الإنسان من إنسانيته، وتتحوّل فيها مُجتمعات الناس إلى غاباتٍ من الذئاب الباحثة عن الغزلان، فإن هذه المدينة “لا تشبهنا”، فانتبهوا حتى لا نفقد أغلى ما عندنا، ونكون من الخاسرين..!!

 

:: والكرة في ملعب الحكومة، عليها أن تطلق الصّافرة، ليتسابق الجميع نحو درء المخاطر، ولن يتخلّف أحدٌ.. نشاهد رجال الأعمال من حولنا يتقاسَمُون مع حكوماتهم مسؤولية حماية شُعُوبهم، ونشاهدهم يدفعون للمشافي ويتبرّعون بالأدوية والأجهزة والمُعدات، ونشاهدهم يغدقون على مُجتمعاتهم بالمُطهّرات والكمّامات وغيرها من وسائل الوقاية.. وكل هذا يتم برعاية حكوماتهم.. حكومة الثورة مُؤهّلة لإطلاق حملة وطنية ذات تأثير إيجابي، وهذا أفضل من استجداء الخليج وانتظار المنظمات الدولية).. هكذا كان التحريض، تحت عنوان: هل يفعلها حمدوك؟

 

:: والحمد لله، لقد فعله حمدوك، وأطلق مساء الخميس مُبادرة (القُومَة للسُّودان – الحملة الشعبية للبناء والتعمير)، وهي دعوة لكل أبناء وبنات الوطن بالداخل والخارج، ليتبرّعوا لبلادهم مِمّا يملكون.. وعليه، إن كانت الكرة بالأمس في ملعب حكومة الثورة، فالكرة اعتباراً من الخميس في ملعب الشعب الثائر.. وما أكثر أوفياء بلادي، وكالعهد بهم لا تُغيِّرهم (درجات حرارة الحياة).. مع إطلاق رئيس الوزراء لنداء الوطن، وكأنّهم كانوا في انتظاره، تدافعوا بالحُب والإخلاص، وتسابقوا في العطاء.. ما أجملهم، وهم يهزمون التشاؤم والخُمُول والتواكل، ويركضون بلسان حال قائل (القُومة ليك يا وطني)….!!

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى