“حملة نفير”.. شباب في مواجهة (كورونا)

"إيد علي إيد تجدع بعيد"

 

الخرطوم: محمد جادين

حالة من الخوف والقلق يعيشها العالم حالياً عقب انتشار الوباء المُرعب “كورونا” الغول المتمدد بصورة يومية متجاوزاً الحدود المُحكمة والمطارات والموانئ والمعابر البرية رغم المحاذير والتحوطات والإجراءات المُشددة لدخول البلدان، بعضها أغلق أبوابه وأجواءه ومنافذه تماماً حتى في وجوه مواطنيه العالقين في مطارات الدنيا، والسودان ليس استثناءً من هذه التحوّطات  واتخذ العديد من القرارات الحاسمة لمواجهة “كورونا”، ورغم المجهودات، إلا أن  التعامل مع “الفيروس” المُخيف حتى الآن لا يتناسب وحجم الوباء العالمي الذي يُحاصر البلاد من العديد من الاتجاهات، فالشارع السوداني غالبيته ما زال يتعامل مع “كورونا” بلا مبالاة وبصورة تفتقر إلى الجدية، فمعظم من يتجولون في الأماكن العامة والطرقات قلة منهم يستخدمون “كمامات” والسلام بالأيدي و”العناق” من المشاهد المألوفة والمُعتادة حالياً حتى التجمعات رغم النداءات والقرارات الصادرة من الحكومة لم تختفِ من الأسواق والأماكن العامة والمناسبات الاجتماعية.

وفي ظل هذه التداعيات، ظهرت إشراقات فردية وجماعية ومن منظمات مجتمع مدني طوعية نشطت في التوعية في الأسواق ومحطات ومواقف المواصلات لتحذير المواطنين وتبصيرهم بخطورة “كورونا” وكيفية التعامل معه فضلاً عن توزيع معقمات للأيدي وكمامات للحد من انتشار الفيروس.

 أول الغيث

مشهد لافت شباب بـ “السترات الصفراء”  في صينية السوق “المركزي” جنوبي الخرطوم البعض ينظر إليهم باستغراب وآخرون يتحلقون حولهم يستمعون إلى رسائل توعوية عن وباء “كورونا” منهم من تلقى مثل هذه الرسائل والإرشادات لأول مرة، لم تكن لديهم معرفة بأن الوباء المخيف ينتقل بالسلام و”العطس” وينتشر في التجمعات.

منظمة “منجزون” الفاعلة، بادرت إلى النزول إلى الشارع منذ إعلان وزير الصحة د. أكرم علي التوم عن وفاة حالة بـ “كورونا”  في الخرطوم، فلم تنتظر إذناً أو عوناً من أحد أو جهة، فكانت أول منظمة طوعية نزلت إلى الشارع لتوعية المواطنين بالفيروس، ورفعت شعار “سودان بدون كورونا”، وكانت محطتها الأولى “السوق المركزي” جنوبي الخرطوم، حيث توزّع شبابها المتطوع في جنبات “المركزي” يبث الوعي عن الفيروس المستجد “كورونا”، بجانب توفير  “108” لترات من معقمات الأيدي وتوزيعها على المواطنين وتعريفهم بطرق الاستخدام الصحيحة وطرق الوقاية من المرض وتوزيع أكثر من “3500”  قصاصة إرشادية عن المرض وطرق الوقاية منه.

وانتقلت الحملة أيضاً إلى “المحطة الوسطى بحري” ووجدت رواجاً وتفاعلاً من الشارع وأبدى عدد من المواطنين رغبتهم في المشاركة في الحملة ونقلها إلى أماكن أخرى بالعاصمة لبث الوعى ومُجابهة كورونا.

مُبادرة وتفاعل

وجدت مُبادرة “منجزون” تفاعلاً كبيراً من الشارع الذي قابلها بترحاب، ودعا لمزيد من حملات التوعية لتعريف المواطن البسيط بالمرض سريع العدوى. منذر عبد العال عبد الله، مدير الدراسات والتخطيط والمشاريع  بمنظمة “منجزون” قال لـ “الصيحة”، إن فكرة النزول إلى الشارع أتت مباشرة عقب نهاية المؤتمر الصحفي لوزير الصحة د. أكرم على التوم، الذي أعلن فيه وفاة حالة بـ “كورونا” في الخرطوم، وأضاف “شعرنا بخطورة الموقف الذي يواجه البلاد وبعدها بساعتين فقط عقدنا اجتماعاً وغرفة طوارئ للحد من انتشار الفيروس شديد العدوى”.

وأوضح أنه في مثل هذه الحالات لا ينفع الحديث، فكان النزول فوراً إلى الشارع بالإمكانيات المُتاحة لتحريك همة المجتمع وتفعيله للمشاركة في الحملة، وأشار إلى أن اختيار “السوق المركزي” يرجع إلى حالة الزحام والحركة الكبيرة التي يشهدها السوق لجهة أنه محطة متفرعة للمواصلات بالعاصمة، فضلاً عن معرفتهم للمكان الذي سبق ونفذوا فيه حملات نظافة.

مشكلة ثقافة

وأرجع منذر المشكلة الرئيسية لتفشي الأمراض والأوساخ إلى سلوك المواطن الذي لا يُساعد على خلق بيئة نظيفة وآمنة، وقال: “سبق أن نفذنا حملة نظافة كبيرة جداً بالسوق المركزي وجدت تفاعلاً وترحيباً شارك فيها عدد كبير من الشباب والمواطنين غيّرت ملامح المكان تماماً، وأضاف: “لكن للأسف بعد أسبوعين فقط عندما رجعنا إلى السوق المركزي وجدناه عاد إلى حاله القديم بل أسوأ من السابق بتراكم الأوساخ والنفايات من جديد”.

وشدّد منذر على أن التغيير لا يجب أن يكون مقصوراً على تغيير الحكومة السابقة فقط، بل يتعدى إلى المفاهيم والسلوك.

وأوضح منذر أن الحملة وجدت تجاوباً كبيراً من المواطنين، لكنه أشار إلى أن البعض يتعامل مع رسائل التوعية بعدم وعي، وأصاف: “مثلاً يجي واحد يقول ليك حتعملوا لينا شنو، أو أختانا زح مننا حتمنعوا مننا المرض”.

القطاع العام والخاص

ونوّه منذر إلى أن دور الحكومة في جانب التثقيف وتوعية المواطن ما زال دون الطموح مقارنة بحجم الوباء، وقال “بعد الحملة التي نفذناها في السوق المركزي، دعانا تجمع المهنيين إلى اجتماع خاصة وأن علاقتنا بهم جيدة جداً لكن شعرنا ببطء التحرك، فآثرنا أن نفعّل وجودنا عملياً في الشارع ونرحب بتنسيق الجهود مع أي جهة أو منظمة كانت لمجابهة المرض”.

واستنكر منذر الدور السلبي للقطاع الخاص لمحاربة “كورونا” خاصة التجار، وقال إنهم للأسف يستثمرون في المرض وحتى في الحالات الحرجة التي تحتاج إلى تكاتف مثل “كورونا”. وأشار إلى أن سعر الكمامة من (7) جنيهات تجاوز الـ “50” جنيهاً، وأشار إلى أن أسعار “الكمامات” المرتفعة دفعهم لصناعتها محلياً وتوزيعها على المواطنين، وقال “يمكن أن تصنع كمامة من القماش في المنزل إضافة إلى المُعقمات ونحاول أن نعلم الناس كيف يصنعون المعمقات خاصة وأن أسعارها مُكلفة في الصيدليات”.

تفاعل وحراك

بعد الحراك الذي شهدته بعض المناطق والأسواق في العاصمة الخرطوم، التقطت منظمات مجتمع مدني أخرى القفاز ونشطت في التوعية بوباء “كورونا”، وظهرت مبادرة شبابية خالصة وجدت القبول والاستحسان من المواطنين، حملت اسم شباب (عشانك) الخيرية، لتوزيع (1500) كمامة ومعقمات أمام كبري الحرية الخرطوم وفي موقف (جاكسون).

وقال الأمين العام للمنظمة مبارك الطيب أبكر، إن فكرة إعداد الكمامات وتوزيعها جاءت لمحاربة  الغلاء الفاحش وجشع  التجار التي تفشت  عقب الإعلان عن حالات اشتباه بـ “كورونا”، وأشار إلى أن الفكرة  بسيطة جداً تم تنفيذها عبر شباب ودعم ذاتي من خلال استخدام مواد محلية الصنع ومعقمات، وقال إن المبادرة تستهدف أيضاً السجون والإصلاحيات، إضافة للمستشفيات والخلاوي.

من جانبه أوضح عضو (عشانك الخيرية) محمد حسين حامد، أن المبادرة سعت لتوفير المعقمات للشرائح البسيطة خاصة وأن أسعار المعقمات غالية وغير متوفرة، وأكد أن المبادرة سعت بالتعاون مع جهات اختصاص لتركيب ألف عبوة معقم لتوزيعها على الأسواق والشرائح البسيطة، وأوضح أن مواد تركيب المعقمات يُكلف حوالي 120 جنيهاً للعبوة الواحدة.

تجمع المهنيين

بدوره نشط “تجمع المهنيين السودانيين” عقب إعلان الحكومة وفاة حالة بـ “كورونا” في الخرطوم، وسارع بعقد اجتماع بداره لقيادة مبادرة توحيد الجهود من أجل الوقاية من فيروس كورونا، دعت لها لجنة صيادلة السودان المركزية.

ولبى الدعوة العديد من المهتمين والأجسام المهنية والمنظمات ولجان المقاومة، إضافة لعدد من الصيادلة والمتطوعين، تطرق النقاش للعديد من النقاط المهمة والخطوات التي يجب اتباعها للحيلولة دون تفشي وباء الكورونا، تمثلت في أولوية الربط بين كل الجهود ووزارة الصحة الاتحادية، وأهمية إشرافها وتوجيهها، والتركيز على التوعية الإعلامية بمرض الكورونا والوقاية منه، والتأكيد  على دور النظافة وأهمية معقمات الأيدي، وضرورة توفير المواد الخام من المصانع لتحضير المعقمات بالتنسيق مع وزارة الصحة والجهات المسؤولة، وتوفير أجهزة حديثة للتعقيم عن طريق الهيدروجين بيروكسيد.

وتم اقتراح تشكيل فريق ميداني وغرفة مركزية لإدارة الأزمة وضرورة تقسيم المشاركين إلى لجان مختلفة تشمل لجنة المعلومات (إعلامي، توعوي وتدريبي)، لجنة ميدانية، لجنة الإنتاج، وتطرق النقاش للإنتاج من قبل مجموعة “موفز” وذلك لاستهداف الشرائح الفقيرة والأكثر عرضة للإصابة.

وشدّد الاجتماع على ضرورة التنسيق الكامل مع لجان المقاومة والمنظمات الطوعية، وتم تقسيم الأفراد الممثلين للأجسام والمنظمات إلى مكاتب ثلاثة هي “مكتب الإنتاج” مهمته تحديد شكل المنتج على حسب توفر المواد والعبوات، والسعي لتوفير المواد الخام، والاتفاق على مبدأ إعادة التعبئة لتقليل التكلفة، وتوفير مستودعات لإنتاج وتخزين المواد الخام والمنتجات لضمان حفظ جودة المنتج، والاتفاق على طريقة التوزيع لضمان الاستمرارية حسب موجهات وزارة الصحة، والسعي لتوفير أكبر كمية ممكنة من المواد الخام بجانب توفير الدعم المالي.

أما المكتب الثاني الذي حددته اللجنة  “مكتب الإعلام والتوعية والتدريب” فإنه يقوم بتوحيد الجهود والرسائل التوعوية والتثقيفية بما يطابق موجهات وزارة الصحة الاتحادية ومنظمة الصحة العالمية، وضرورة تمثيل كل الأجسام والمنظمات واللجان في هذا المكتب.

أما المكتب الثالث “الميداني” فمهمته تنسيق الجهود الميدانية وفق المتطلبات المتوافَق عليها وموجهات وزارة الصحة الاتحادية.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى