موكب (20) فبراير.. للعدالة وجوهٌ كثيرةٌ

 

الخرطوم: أم سلمة العشا

في خطوة تُعد الأولى من نوعها، تأتي نتائج التحقيق في أحداث مواكب (20) فبراير الماضي، وتُشير إلى تورُّط أفراد من الشرطة فيها، حيث أبرز النائب العام تاج السر علي الحبر من خلال تقريرٍ مُفصّلٍ، الاستخدام المُفرط للقُوة من قِبل أفرادها، هذه الدرجة العالية من الشفافية والنزاهة في العمل، لم تكن مَعهودة في النظام السّابق، ودائماً ما يتم وأد النتائج التي تُؤكِّد ضلوع نافذين ومُؤسّسات حكومية في تلك الأحداث، وما يؤكد ذلك أن جميع التوصيات تتعلّق بمحاسبة أفراد الشرطة المتسببين في تلك الأحداث، اللافت في الأمر أنّ التوصيات جاءت بإدخال ثقافة جديدة تتمثل في مشروعية المواكب الاحتجاجية حتى تصبح عامة.

نهجٌ جديدٌ

نهج جديدٌ، وثقافة جديدة وإقرارٌ واضحٌ، سلّمه النائب العام لرئيس مجلس الوزراء د. عبد الله حمدوك من خلال التقرير المُفصّل عَمّا جَرَى في تلك الأحداث، حيث حَوَى سُلُوكاً مُشِيناً وغير مُنضبطٍ وفقاً للإصابات والشُّهود،  نتيجة التعامُل مع أحداث مَوكب (20) فبراير المَاضي، قبيل توجيه رئيس الوزراء عبد الله حمدوك بتشكيل لجنة عُليا برئاسة النائب العَام، استبق تجمُّع المهنيين خطوات جادّة تُطالب بإقالة وزير الداخلية ومُدير عام الشرطة فوراً، استناداً لسُلطاته التي خَوّلتها له الوثيقة الدستورية وقانون الشُّرطة عقب الإصابات التي تَعَرّض لها الثُّوّار في “مليونية رَدّ الجميل”، بجانب استبدالهم بعناصر وطنية تنتمي لهذه الثورة المجيدة، ربما يتساءل سائل لماذا كانت الدعوات عاجلة لإقالة وزير الداخلية ومدير عام قوات الشرطة.. ربما استخدام العُنف المُفرط ضد المُتظاهرين، جعل الحكومة تَستعجل في إجراء تحقيقٍ فيما جرى ومُحاكمة المُتسبِّبين في العُنف، هذا الاستباق يُؤكِّد العُنف المُستخدم وتورُّط نظاميين من الشرطة فيه، ولَعَلّ توصية حمدوك بالمحاسبة هي أكبر دليل على ذلك.

ثقافة جديدة

تأكيداً على تعزيز مبدأ حُقُوق الإنسان، جاءت التوصية والتي تُعد ثقافة جديدة، ربما أُريد منها أن تكون بدلاً من استخدام العُنف من قبل أفراد الشرطة، في التعامُل مع المواكب، التي أوصى التقرير بأن تكون لها مشروعية، وجاء التأكيد من قبل حمدوك على أهمية تدريب أفراد الشرطة على مناهج حقوق الإنسان وإدخالها في التدريبات وتمليكهم الوعي.

وبحسب رؤية القانوني بارود صندل لـ(الصيحة)، فإنّ ما تَمّ الإفصاح عنه ملخصٌ للتقرير، حسب ما ناقشه مجلس الوزراء، وواضحٌ أنّ التقرير حمّل المسؤولية للشرطة وهذا حسب الواقع غير صحيحٍ، واعتبر المُتظاهرين أنفسهم جنحوا للعُنف واخترقوا أكثر ممّا عملته الشرطة، أما بالنسبة لتلقي أفراد الشرطة دورات تدريبية في مجال حقوق الإنسان، أوضح صندل الإجراءات التي يجب أن تتّبعها الشرطة في التظاهر، بجانب أوامر وكيل النيابة المُرافق له في الميدان، واتّفق صندل مع التقرير في أنّ الشرطة تحتاج للتدريب حتى لا ينهكوا حُقُوق الإنسان.

لوائح وضوابط

جُملة من التوصيات حواها التقرير، دَعَت لإحكام لوائح تحرُّك القوات وضبطها بالأسماء ولوحات السّيّارات والعُهد المُستخدمة، بجانب استصحاب سيّارات إسعاف، والنظر في منظومة الحَصَانَات الإجرائية ومُراجعة القوانين حتى يتم التحقيق في الاِنتهاكات، مع التركيز على مشروعية المَواكب لتصبح ثقافةً عامةً بما فيها الأجهزة الشرطية، وأهمية فرض السَّيطرة على القُوّات الموجودة بالميدان أثناء التظاهرات، مع المُوازنة بين حفظ الأمن والحُريات المكفولة بالتظاهر، هذه التوصيات تُشابه لحدٍّ كبيرٍ مع الاختلاف الطفيف لما حملته الأخيرة، قرارات سابقة اتّخذتها النيابة العامة في حق التظاهر وذلك باستنفار (50) من أعضائها وتفريغهم جُزئياً للتغطية الميدانية أثناء فض التجمُّعات غير المشروعة والتّعامُل معها وفقاً للقانون ومُعاونة وكلاء النيابة في التحقيقات حتى يتم الفراغ منها بالسُّرعة المطلوبة.
وبحسب القرارات السابقة، تمّ التنسيق بين وكلاء النيابة والقوات الأمنية على التواجُد في مناطق ارتكاز مُحدّدة بالشوارع الرئيسة، تتم من خلالها مُخاطبة المُحتجين بمُكبّرات الصوت للانفضاض، قبل أن يتم التعامُل معهم وفقاً للقانون، واضحٌ أنّ القرار جاء وفقاً لقانون الإجراءات المدنية وقانون النيابة العامة، إنّ هذه السُّلطات ينص عليها قانون لحماية المُتظاهرين أو سلمية التظاهر.

فَرض سَيطرة

مشروعية المواكب بمُوجب التوصية، كان التركيز لتصبح ثقافة عامّة بما فيها الأجهزة الشرطية، وأهمية فرض السَّيطرة على القُوّات الموجودة بالميدان أثناء التظاهرات، مع المُوازنة بين حفظ الأمن والحُريّات المكفولة بالتظاهر، ومنحت التوصيات، الشرطي حق الدفاع عند تعرُّضه للخطر وفق الإجراءات القانونية ومُراعاة القوانين الدولية، مع أهمية إجراء حوارٍ مُوسّعٍ مع القوى السِّياسيَّة وقِوى المُقاومة حول الإجراءات المطلوبة لتسيير المواكب والتظاهرات لتُحظى بالإجماع المطلوب.. في هذا الجانب قال صندل إنّ التقرير أعدّه النائب العام ويُفترض أن يتّخذ إجراءات جنائية تجاه أيِّ شخصٍ من الشرطة والمتظاهرين، وليس هنالك داعٍ للتوصيات، التي قال إنّها أقرب من كونها صادرة عن الجهاز التنفيذي، وأوضح أنّ من حق النائب العام أن يتّخذ إجراءات مُباشرة ضد المتظاهرين أو الشرطة تتعلّق بفتح البلاغات، طالما وجد مُتفلتين، وأشار إلى وجود خطأ فني أنّ النائب العام لا يرأس لجان التحقيق الاستقصائية، كما أنّ التحري الذي تمّ بواسطة النائب العام يُعتبر تحرياً جنائياً، ومن حقه أن يأمر وفقاً للتقرير بفتح بلاغاتٍ في مُواجهة المُتورِّطين في الأحداث، بالتأكيد أنّ التقرير يحوي حقائق أُخرى ليس من الضرورة أن يتم ذكرها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى