(جَلَدوهم مَرَّتين)

 

* ومِن اللطائف، يُحكى أن زعيماً ديكتاتوراً أمر شرطته بجلد كل الجاليات العربية التي تُقيم في دولته، وتم تنفيذ الأمر وجُلِد كل العرب.. وفي اليوم الثاني، أمر الزعيم شرطته بجلد كل الجاليات الأفريقية، وتم تنفيذ الأمر وجُلِد الأفارقة.. وفي اليوم الثالث، وقبل أن ترفع الشرطة تقريرها النهائي، استلم الزعيم تظلُّماً من الجالية السودانية المقيمة في دولته، وكان نصها: (جَلَدونا مَرّتين)..!!

* وهكذا تقريباً لسان حال  أطفال دار ششر..  لعلكم تذكرون قصة تأسيس هذه الدار .. في الحرب العالمية الثانية، شاء القدر أن يكون اللورد ليونارد شيشر أول من يُطلق قذيفة تجاه العدو، وكان ضابطاً في الجيش البريطاني، وكان مُتفانِياً في خدمة وطنه، إلى أن تقاعَد.. وبعد التقاعُد، لم يفكّر ششر في تأسيس شركة تحتكر السوق وتربح السحت، أو كما تفعل شركات لوردات الحرب والسياسة في السودان..!!

*لم يُفكّر هذا اللورد في تجارة انتهازية تُحارب الآخرين في أرزاقهم بالاحتكار.. كان عميقاً في التفكير وإيجابياً.. تذكّر أنه أول من أطلق قذيفة أصابت جيش الخصم في أزمنة الحرب، وأعاقت بعض أفراده، ولذلك رأى أن أزمنة السلام بحاجة إلى إطلاق أفكار تخدم البشرية وسلامها.. ومن هذا التفكير السليم، أطلق اللورد شيشر السراح لفكرة (دار شيشر لتأهيل الأطفال المعاقين).. مجاناً..!!

* ومن بريطانيا، انتشرت دور ششر إلى عواصم الحرب والفقر والبطش.. ودار ششر  بالخرطوم تحمل الرقم (250).. رعاية طبية وتأهيلية وترفيهية وتعليمية للمُعاق.. هكذا خدمات دار ششر بالخرطوم، وكل عواصم الحرب والفقر والبطش.. ومنذ العام 2011، تستقبل الدار آلاف الأطفال بلا مَنٍّ أو أذى، أو (شوفونية).. أقصدها بين الحين والآخر، مع بعض أصدقائي، ونتقاسَم بعض الهموم مع إدارتها الواعية..!!

* وفي الخاطر، ناشدتُ الدكتور عبد الرحمن الخضر ذات عام، وكان والياً للخرطوم، بأن يتفقّد دار ششر، ويُساهِم في رعاية وتأهيل أطفالها، ولو بشُكرِ القائمين على أمرِها.. وليتني ما ناشدت، إذ ردّ قائلاً : (اسم الدار ما مُريح، غيّروه).. لم يُفكّر في أن ششر هذا ليس بمسلم ولا سوداني، ولكن جاءت به إنسانية ذات ظلال وارفة ليُعالِج أطفال السودان، ويؤهلهم بحيث يكونون جزءاً من المجتمع المُنتِج..!!

*إنسانية ششر تفعل كل هذه الخيرات بلا شروط من شاكلة (غيّروا دينكم وأسماءكم).. ثم هناك امرأة أصيلة، اسمها عوضية، تمتهن مهنة بيع السمك، فاشتهرت بـ (عوضية سمك)..عندما علمت موقع الدار وخدماتها ورأت مشاهد الأطفال وأسرهم، حدّثتها إنسانيتها بتقديم وجبة إفطار للأطفال وأمهاتهم بالدار في أكثر أيام العمل زحاماً (الثلاثاء من كل أسبوع)، وهو يوم إجراء العمليات للأطفال..!!

* لم تجد دار ششر من النظام المخلوع غير التجاهُل، ربما لأن (اسمها ما مريح).. والمؤسف، أن السادة بحكومة الثورة، بدلاً من تكريم هذه الدار وتطويرها، حوّلوها إلى (غنيمة)، ويتصارعون فيها.. لقد أصدرت مفوضية العون الإنساني بولاية الخرطوم  قراراً بإلغاء اللجنة التنفيذية للدار وإعفاء إدارتها، لترُد عليها مفوضية العون الإنساني الاتحادية  بقرار يُلغي ذاك القرار الولائي..!!

* ولم يتم تنفيذ قرار المفوضية الاتحادية.. رغم أنف قرارها القاضي بإلغاء قرارات المفوضية الولائية، فإن الدار بلا لجنة تنفيذية وبلا إدارة، لرفض بعض مراكز القوى تنفيذ القرار.. وتوقفت العمليات وغيرها من الخدمات.. منذ خمسة أشهر، صراع حول المقاعد، ليدفع أطفال مناطق الحرب والفقر ثمن الصراع.. هكذا حال أطفال دار ششر قبل وبعد الثورة، أي (جَلَدوهم مَرَّتين)..!!

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى