في القوم مُعتِذر..!!

 

* شكراً لوزير الصناعة والتجارة.. كان قد وعد بحلّ أزمة الخُبز خلال فترة زمنية مُحدّدة، وفَشِل، فاعتذر للشعب.. من تعاريف النجاح، كما قال تشرشِل، هو القُدرة على الانتقال من فَشَل إلى فَشَل دون أن تفقد الحماس.. وبالتجارب والمُبادرات تنهض الشعوب، وليس بالتقوقُع في سجون (دا مستحيل، دا ما ممكن).. والتغيير الحقيقي، بمعناه الشامل، ليس في ذهاب نظام ثم يأتي نظام آخر بذات سياسات النظام المخلوع، ولكن التغيير الحقيقي في تغيير تلك السياسات، بإلغاء بعضها وتطوير البعض الآخر..!!

* وما لم تعمل العقول الحاكِمة على إلغاء وتحسين السياسات بالمُبادرات الشجاعة، فلن ينجح الفرد والمجتمع، ولن ينهض الشعب والوطن.. فلِيُبادِر الجميع كما فعل مدني، كل مسؤول، حسب موقعه ومسؤوليته.. وإن فشلت المبادرة الأولى، فيجب تحويل أسباب الفشل إلى منصة لإطلاق مبادرة أخرى، وهكذا.. حتى تُصيب إحدى المبادرات الهدفَ بنجاح.. لقد أقرّ مدني عباس مدني بعدم كفاية الفترة التي حدّدها لحل أزمة الخبز، وقال: (هذا اعتذار واجب)..!!

* وكنتُ قد كتبتُ الأسبوع الفائت بالنص: (رغم وضوح خارِطة المسؤوليات في كل القضايا ذات الصلة بالدقيق والرغيف، فإن وزير الصناعة والتجارة  مدني عباس مدني هو الأكثر حِراكاً وحديثاً، ويكاد يكون الوحيد.. وزير المالية، محافظ البنك المركزي، ولاة الولايات.. وكلهم.. يتفرّجون – على الصفوف –  بصمت، وكأنّ هذه الصفوف لا تعنيهم أو يَستَمتِعِون بها.. يجب على كل المسؤولين تقاسُم المسؤوليات.. ومن المُعيب أن يكون وزير التجارة وحده في مواجهة الرأي العام..).

* واليوم، لقد أحسن وزير التجارة والصناعة عملاً بهذا الاعتذار الفصيح والصريح، والذي يُشير – بوضوح – إلى أن هناك مُبادرة لحل أزمة الخبز تمّ إنجازُها، ولكنها فشلت في تحقيق هدفها، لأسباب وصفها الوزير بالتحدّيات.. وتلافِي أسباب الفشل، أي التحدّيات، هو (معنى النجاح)، حسب تعريف تشرشل.. فالإقرار بفشل مُبادرة – ثم الاعتذار عنه – غير مألوف في العمل العام، فالمألوف –  لهذا الشعب  الطيّب – هو تنطُّع المسؤولين ومُكابرتهم حين يُخطِئون..!!

* ثم  آفة التبرير.. نعم، هناك آفة سودانية اسمها (تبرير الفشل)، بدلاً عن الاعتراف به والاعتذار عنه ثم العمل على تصويبه.. ولذلك، عندما يكون في القوم عقلٌ رشيد يُفكِّر ويُنفّذ فكرته، ثم يقول للناس والصّحُف بمنتهى الوضوح: (لقد فشِلت، وهذا اعتذار واجب)، فمثل هذا المسؤول يستحق بأن يُوشَّح بأنواط الشجاعة وأوسمة الشفافية، ليس فقط تقديراً لعقله الراشِد والمُدرِك لقيمة مواجهة النفس والناس بالحقيقة، بل لتتعلّم منه العقولُ الأخرى فضيلة (المواجهة)..!!

* ولأنها ثورةُ وعي، فإن مُواجهة النفس والناس بالاعتذار يجب أن تُصبِح ثقافةَ شعب.. فالمؤسف، نحن أبناء شعب يظن أن الاعتذار عن الخطأ (ضَعف)، والثبات على الخطأ بالمُكابرة والعِناد (رجولة)، ونادراً ما تسمع في الشارِع عبارة (أنا آسف)، رغم غزارة الأخطاء.. علينا تعليم أنفسنا – ومن حولِنا – ثقافة الاعتذار.. من ثقافة الاعتذار تنبُع أنهار النجاح وعوامِل النهضة، علماً  بأن المسؤول الذي يُقر بخطأ تجربة-  يعتذر عنها- يتعلم منها.. ومن يتعلَّم من التجارب (ينجَح)..!!

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى