مُرافعات ودوافِع..!!

 

 

* يوم الخميس، بمنتدى (كباية الشاي)، تُنظِّمه صحيفة (التيار)، أعادوا لذاكرة نبيل أديب المحامي، رئيس لجنة التحقيق في قضية فض الاعتصام، قضية قديمة، ثم انتقدوه.. فالشاهد، قبل سبع سنوات ونيف، دافع أديب وآخرون عن صلاح قوش أمام المحاكم، وكان متهماً بمحاولة انقلابية.. ومنذ ذاك الدفاع، وإلى يوم منتدى التيار، ما أن تلتقي الصحافة بالأستاذ أديب إلا ويكون  ذاك الدفاع (ثالثهم)..!!

* دافع أديب عن نفسه في منتدى التيار: (قضية قوش كانت ضد نظام الإنقاذ الذي كان يتشقَّق، وقصدنا بالدفاع عن قوش لتوسعة هذه الشقوق)، ولم يُعجبني هذا الحديث.. إذ في أرشيف الزاوية مرافعة لصالح أديب، كتبتُها قبل سبع سنوات، عندما هاجمه الأستاذ كمال عمر المحامي قائلاً: (لا تعنينا قضية قوش حتى لو فرموه، وعلى المحامين المعارضين الانسحاب من هيئة الدفاع حتى لا يلوثوا أنفسهم)..!!

* يومها، دافعت عن نبيل أديب بالنص:  عندما يَعِد  الله جلّ وعلا شأنه المُجرم بالانتقام، فالمعنى لا يتجاوز تحكيم عدالته فيه.. ولهذه العدالة مسار، بحيث تُعرَض على المرء جرائمه، ويستلم بيده  كتاب دنياه، بما فيه من جرائم، ثم يشهد عليه لسانه وأطرافه، ثم يُحاسب على تلك الجرائم، وبهذا يكون قد تمّ الحكم عليه بالعدل.. ولذلك يأمر الدينُ الناسَ باتٍّباع مسار (فتبيَّنوا)، حتى لا يتحوّل العدل المراد تحقيقه إلى ظلم أو انتقام..!!

* وعلى سبيل المثال، شارِب الخمر، من العدل جَلده، ولكن ليس من العدل رجمه، إذ في رجم شارب الخمر تجاوُز لحد الشرع، وفي التجاوُز انتقام يظلم المذنب.. وهكذا، فالعدل شيء والانتقام شيء آخر.. ثم تأمّل أعظم قِيَم العدل، فالإساءة والتشهير بالمُذنب بعد العقاب، نوع من الانتقام المرفوض بأمر الدين.. نعم، العدل الذي يحكم على المذنب بالعقاب لا يغفل عن حمايته من ظلم الانتقام..!!

* ما هي أركان تحقيق العدالة؟.. بالفِطرة اتّفَقَت العقول والضمائر على أن (تبيّنوا) من أهم الأركان.. والكل يعلم بأن المحامي لا يدخل إلى قاعة المحكمة مدفوعاً برغبة تحقيق النصر أو هزيمة الخصم، أو كما يُفكِّر لاعبو الكرة.. ولكن، يدخل المحامي إلى القاعة مدفوعاً برغبة التأكُّد من تحقيق العدالة في المجتمع.. ورُكن (تبيّنوا) من الأركان التي تجعل المحامي مطمئناً – على توفّر العدالة – حتى ولو خَسِر قضيَّتَه..!!

* وما معنى أن يُناشد كمال عمر من أسماهم بـ(المحامين المُعارضين)، بالانسحاب من هيئة الدفاع التي يرأسها نبيل أديب؟.. فليكن المحامي موالياً أو معارضاً، ولكن هل الواجب المهني يقبل القسمة على الموالاة والمعارضة؟.. وهل كل الذين دافَع – ويُدافِع – عنهم كمال عمر، في مُختلف القضايا، عامّة كانت أو خاصة، ينتمون للمؤتمر الشعبي، أو أي حزبٍ معارِض..؟؟

* بمعنى، هل من قواعِد المحاماة، وميثاق شرفها وأخلاقياتها، معرفة اللون السياسي للمُتّهم، ثم الرفض أو القبول حسب ولاء هذا اللون؟.. لا.. لا فرق بين الطب والمحاماة حين يكون الحديث عن أمراض الإنسان والدولة.. كما الطبيب يعمل – بمهنيته – على مداواة أمراض الإنسان، فالمحامي أيضاً يعمل – بمهنيته – في مداواة أمراض الدولة التي من شاكلة (تغييب أركان العدالة)..!!

* تلك هي الأسطر التي دافعَتُ بها عن نبيل أديب في عام تعرّضه لأشرس وأوسع هجوم.. كنتُ أظنه دافَع عن قوش امتثالاً لقواعد المهنة وأخلاقياتها، وليتأكد من تحقيق العدالة في تلك القضية.. وما كنتُ أظن أن دوافعه كانت (سياسية)، أي لأن مُوكّله كان ضد النظام الذي كان (يتشقق)، ودافع عنه لتوسعة (الشقوق)، أو كما قال.. وعليه، إن كان لقبوله رئاسة هيئة الدفاع عن قوش (دوافع سياسية)، نأمل أن يكون لقبوله رئاسة لجنة التحقيق في فض الاعتصام (دوافع مهنية)..!!

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى