غِيَاب الدَّولة..!!

الطاهر ساتي يكتب :

 

:: بالولاية الشمالية، عندما غَابَ القانون والضمير، تلثّم بعض الحمقى وهاجموا مَشروع حائل الزراعي، وحرقوا المحصول والآليات والمُعدّات الزراعية.. ما كان مُتوقّعاً أن يحدث بالشمالية، ولكن – قالت مارّينا ابراموفيك – فإن البشر الذين نلتقيهم يومياً، ونتعامل معهم دائماً في حياتنا، مهما اختلفت أعراقهم وثقافاتهم وأعمارهم، فلهُم القُدرة والرَّغبة في ارتكاب الأخطاء والجرائم وإظهار السُّلوك العدواني، ولكن فقط في حال أن يجدوا مَن يُتيح لهم الفُرصَـــــة..!!

:: وبتغييب مُؤسّسات الدولة وأجهزتها والقوانين، أتاحوا لبعض الحمقى بمحلية القولد، فُرصة ذهبية لارتكاب هذه الجريمة.. ومثل هذه الجرائم لا تُختزل بحيث تكون ضد المشروع فقط، بل تُعتبر جريمة ضد الوطن واستثماره حين تُنشر في الإعلام الخارجي.. فالمساحة (20.000 فدان)، وحجم الخسائر (60.000.000 جنيه)، بحيث حرقوا كل المُعدّات ومحاور الري والآليات والأعلاف.. وكأن هذا لا يكفي، اعتدوا على مسؤول بالمشروع والخفير، وحرقوا منزله..!!

:: وكأنّها تُبرِّر مَا حَدَثَ، تقول مسؤولة السياحة بمحلية القولد منى حسن عثمان – لصحيفة السوداني – بأنّ الحريق تمّ من قِبل مُواطنين بالمنطقة، وذلك لعدم التزام أصحاب المشروع بتعمير المنطقة التي أُقيم عليها المشروع.. شُكراً لهذا الحريق، فلولاه لما عرف الشعب أنّ بالمحليات مسؤولين عن السياحة.. هذا أو رُبّما فقط محلية القولد وحدها هي التي تُحظى بمسؤولي سياحة، ليجذبوا السّواح إلى محليةٍ يَسُود فيها قانون الغابة لحدّ حرق المشاريع..!!

:: ما حدث لمشروع حائل بالشمالية، حدث أيضاً لمشروع أبو نعامة بسنار، قبل أشهرٍ، تعرّض مشروع كناف أبو نعامة للإنتاج الغذائي لرجل الأعمال السوداني معاوية البرير، لحريق كبّده خسائر تجاوز الـ(20 مليون دولار).. وقالت إدارة المشروع بأنّ أشخاصاً – من أهل المنطقة – هم الذين أحرقوا هذا المشروع، وإنّ الحريق شَمَلَ مُعدّات زراعية، لقّاطات قطن، آلات ومبانٍ وورشاً وجرارات وحصادات و… و…!!

:: وهكذا يكاد أن يسود قانون الغابة تحت ظل الحكومة المدنية.. إن كانت العدالة من أهداف المرحلة، فليس من العدالة أن يصبح المُواطن قاضياً يحكم على المَشاريع بالحرق ثُمّ يُنفِّذ الحكم بيده.. وطِوال عُقُود النظام المخلوع، كَان وراء كل مُستثمر هَرَبَ بجلده مثل هذا التصرُّف الأخرق، أي غضب الأهالي.. ليبقى السؤال، إلى متى..؟؟ إلى متى يأتي المُستثمِر إلى بلادنا، ويستلم الأرض من السُّلطات، ليُواجه حرب الأهالي..؟؟

:: ثم إلى متى يُمارِس بعض الأهالي دور (مخلب القط)، بحيث يتسبّبُون في تعكير مناخ الاستثمار بالتظاهُرات وقطع الطرق والحرائق وغيرها من المظاهِر الطَاردة للاستثمار.. ومن المُؤسف أنّ الأرض في السُّودان لا تملكها الدولة، ولا تنظِّمها الأجهزة والقوانين كما تنص دساتير دول الدنيا والعالمين، بل تملكها القبيلة، ليتصرّف فيها البعض كَمَا يشاء، وليس كما تشاء المصالح العامة..!!

:: وامتلاك القبيلة والمُجتمعات للأرض من مُعيقات الاستثمار في بلادنا، وكان وزير العدل قد أكّد ذلك في إحدى الورش، فلماذا لا يُعالج هذه المُعيقات بإصلاح القوانين..؟ والمُحزن أنّ هؤلاء الحمقى عجزوا حتى عن استثمار ما توارثوها عن أجدادهم (المِلِك الحُر)، ومع ذلك يُصارعون المُستثمرين في الفيافي.. لن تتطوّر البلاد بحيث تدخُل في موسوعة الدولة الحَديثة التي يَستفيد كل شَعبها من كل أرضها، ما لم نُؤسِّس دولة المُؤسّسات.. ولن ينهض الشعب في ظل ثقافة تمنح للقبائل والمُجتمعات سُلطة وضع يدها على (أرض الدولة)..!!

 

 

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى