ثورة بهرت العالم”شتاينماير” بالخرطوم … تفاصيل زيارة مُختلفة

تقرير: مريم أبشر
أبدت برلين إعجاباً خاصا بالثورة السودانية السلمية منذ لحظة إعلان انتصارها على حكم الإنقاذ والمخلوع البشير، وابتعثت أول مسئول للخرطوم، هو وزير خارجيتها ليسطر في سفر التاريخ أنه أول مسئول أوروبي تطأ رجلة أرض السودان في أعقاب ثورة بهرت الجميع بسلميتها وإصرارها على أن تكمل المشوار.
بالأمس انحنى الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير أمام العلم السوداني بعد وصوله مطار الخرطوم في أول زيارة لرئيس ألماني منذ عقود، تقديراً لهذا البلد وإعجابًا بثورته السلمية.
شتاينماير وصل الخرطوم أمس على رأس وفد كبير رفيع المستوى في زيارة تستغرق يومين ضمن جولة أفريقية له وكان في استقباله الذي جرى بمستوى يليق بضيف كبير، حيث كان في استقباله بمطار الخرطوم رئيس المجلس الانتقالي الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وعدد من كبار المسئولين والوزراء في الحكومة الانتقالية.
قمة سودانية ألمانية بالقصر:
قمة مصغرة شهدتها القاعة الرئاسية بمطار الخرطوم الدولي، ضمت رئيس المجلس الانتقالي وضيف البلاد الرئيس الألماني استكملاها بالقصر الجمهوري بقمة أخرى أعقبتها جلسة مباحثات ثنائية قصيرة ترأسها الزعيمان، أكد بعدها الرئيسان حرصهما على تعزيز العلاقات بينهما في كافة المجالات والانطلاق بها بما يعزز الشراكة الإستراتيجية بينهما في ظل المرحلة الجديدة التي يشهدها السودان.
وقال الفريق البرهان في تصريح مشترك عقب الجلسة إن المباحثات تركزت على القضايا ذات الاهتمام المشترك والتعاون المستقبلي والدعم الألماني المطلوب.
وأضاف أنها تناولت المساندة الألمانية لرفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب ومساعدة ألمانيا من خلال أصدقاء السودان، بالإضافة إلى مساعدة ألمانيا للسودان في تحقيق السلام ودعمها للسودان في القضايا الاقتصادية. ووصف البرهان زيارة الرئيس الألماني للبلاد بالزيارة التاريخية، مبيناً أنها بداية حقيقية للتغيير الذي دفع ثمنه الشعب السوداني.
النظرة المختلفة
واعتبر البرهان أن من ضمن المكاسب التي تحققت من خلال التغيير، هي أن السودان بدأ يعود للمجتمع الدولي وأن النظرة إليه بدأت تتغير.
وعبّر البرهان عن شكره وتقديره للحكومة الألمانية والبرلمان الألماني الذي أصدر قراراً برفع الحظر عن الدعم الاقتصادي المقدم للسودان، وعبر عن تقديره للشعب الألماني لمؤازرته ودعمه بقوله “نشكر شركاءنا في الاتحاد الأوروبي وأصدقاء السودان للدعم الذي قدموه للثورة السودانية” فضلًا عن شكره لاستعداد ألمانيا للوقوف مع السودان ودعم ثورته وجهده الشعبي لعبور هذه المرحلة بأمان وأن يصل في مقبل أيامه إلى حكومة ديمقراطية.
وأشار إلى أنه قدم تنويراً لما يجري في السودان منذ اندلاع ثورة ديسمبر المجيدة، كما استعرض المجهودات الكبيرة التي يبذلها الجهاز التنفيذي من أجل حل مشاكل السودان.
وأشار إلى طلب السودان العون والمساندة من ألمانيا، وقال إن العلاقات مع ألمانيا كانت متميزة في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، ونسعى لإعادتها كما كانت في السابق.
فرانك: ندعم التغيير
من ناحيته، أكد الرئيس شتاينماير دعم بلاده لعملية التغيير السياسي في السودان، وذكّر بالقرار الذي اتخذه البرلمان الألماني خلال الشهر الجاري بتصويته على رفع الحظرالاقتصادي عن السودان من أجل تطوير العلاقات بين البلدين، وأضاف أن زيارة وزيري الخارجية والتعاون التنموي الألمانيين للسودان مؤخراً، جاءت من أجل تأكيد واستعداد ألمانيا لدعم السودان خاصة في مجال التدريب المهني والتقني، مضيفاً أن ألمانيا لها خبرات جيدة في هذا المجال يمكن أن يستفيد منها السودان، وقال هنالك موارد مالية متوفرة لدعم هذا المشروع، قائلاً “سوف نبحث عن مجالات أخرى للتعاون بين ألمانيا والسودان، ونحن ندعم عملية التغيير السياسي، نعرف أن هنالك صعوبات تواجه هذا الطريق”.
وأعرب فرانك عن أمله في أن تنجح التغييرات التي حدثت في السودان، داعياً العالم للوقوف بجانب السودان.
العزل والمحاسبة
ودعا فرانك إلى أهمية تحقيق العدالة ومحاسبة من تسبب في المشاكل الاقتصادية والسياسية في السودان التي أدت لعزله عن العالم.
وأنه من غير العدل أن يُحاسَب الآخرون بهذا الفعل، مشيراً إلى أن معالجة هذا الأمر تتطلب وقتاً طويلاً، قائلاً “إن هناك تحديات يواجه مجلس السيادة والحكومة، ونحن نعرف صعوبة هذه العملية وسندعمها بكل ما في وسعنا”.
حمدوك ومجالات الشراكة
وفي المؤتمر الصحفي المشترك الذي حظي بتغطية إعلامية ضخمة عقب جلسة المباحثات المشتركة بمجلس الوزراء، قال الدكتور حمدوك إن القرار الذي اتخذته برلين برفع الحظر التنموي عن السودان يؤسس لعلاقات قوية، غير أنه أضاف: ولكن نطمح لمزيد من التعاون، وهناك مجالات عديدة.. تشمل الطاقة، الكهرباء، التعدين، التعليم، الإعلام، وهي مجالات تسمح بالعمل المشترك”.
الثورة العميقة
ووصف حمدوك ما حدث في السودان، بأنه ثورة عميقة، وقال إنه تغيير خلق مناخاً وأملاً للشعب السوداني والإقليم من حولنا. وأضاف أن التغيير الذي تمّ عميق وشمل جميع أنحاء السودان.
وأضاف: “لدينا نموذج لشراكة بين المدنيين والعسكريين لبناء ديمقراطية راسخة”. ونفى حمدوك أن يكون الجانبان وقعا أي اتفاق، لأن الزيارة تمت قبلها زيارات سابقة لوزير الخارجية الألماني ومسؤولين آخرين، اتفقنا فيها على العديد من الموضوعات والمشاريع”.
وأضاف: هناك مشاريع تم النقاش حولها.
هيكلة الجيش
وفي رده على أسئلة الصحافيين، أقر حمدوك بأن هيكلة الجيش مهمة وضرورية، وهي إحدى الأجندة التي تم تناولها، وإحدى المساعي الحميدة لتحقيق السلام.
وأكد أن السودان يحتاج لشركاء جادين للعمل معه، من أجل الاستفاده المشتركة، مشيراً إلى أن السودان بلد غني ولا يحتاج للهبات.
ونبّه لضرورة إقناع المجتمع الدولي وصندوق النقد الدولي بدعم السودان، مؤكداً أنه يمكن انتشال الاقتصاد السوداني من عنق الزجاجة عبر الاستفادة من القطاع الزراعي الذي لم يُسخّر منذ الاستقلال بالصورة المطلوبة.
فرانك: سعداء للتغيير
الرئيس الألماني قال (أعلم أن زيارة آخر رئيس ألماني كانت في 85) وأضاف: “أنا هنا لأقول إننا سعداء للتغييرات في السودان والرأي العام يهتم بذلك أيضاً”.
وتابع: “يجب أن يفتخر الشعب السوداني للإطاحة بنظام أذله وعانى معه كثيراً”.
واعترف بأن تحديات تواجه السودان وألمانيا، وقال إن هناك تشجيعاً لخطوات تالية “ونريد دعم الاتفاق”.
وزاد “نعرف الوضع الاقتصادي الصعب والسودان يحتاج للوصول إلى المؤسسات الدولية المالية”.
وتابع “أنا أكدتُ لحمدوك أنه يمكن الاعتماد على ألمانيا، وأشار للتطرق إلى الإمكانيات الاقتصادية وأن العمل جارٍ لتحسين الوضع بشكل دائم، وألمانيا جاهزة لدعم عملية السلام في المستقبل”.
الفرصة التاريخية
وقال فرانك: هنالك فرصة تاريخية للسودان، لأن ما يحدث فيه يؤثر على المنطقة بأكملها، وإن السودان يستطيع اتخاذ خطوات أفضل وسندعمها بكل ما في وسعنا.
وقال الرئيس الألماني: “لم نتفق أو نوقع على شيء”. وأقر بأن المجتمع الدولي لا يشارك بشكل كافٍ، وزيارته للفت نظر القادة الأوروبيين للسودان بشكل أفضل.
وتابع: “زيارتي اليوم (أمس) تأتي احتراماً لهذا الشعب”.
ترتيب محكم
حظيت زيارة الرئيس الألمانى بتغطية إعلامية كبيرة جداً ورصدت “الصيحة” وجوداً كثيفاً للقنوات وكاميرات النقل اللايف، وأعداداً ضخمة من الصحفيين، فضلاً عن وجود نوعي لرؤساء التحرير الذين نالوا حظهم في توجيه الأسئلة، وحرص مكتب حمدوك الإعلامي والعاملون بالمؤسسات ذات الصلة على تجنب الوقوع في الربكة والتشويش الذي خصم كثيراً من تغطية زيارات سابقة أبرزها زيارة وزير الخارجية الألماني، فكان الصوت والترجمة بأفضل ما يكون رغم الزحمة والتكدّس.
ثورة الوعي
طارت الصورة التي التقطتها الموبايلات المحمولة وكاميرات المصورين لانحناء الرئيس الألماني لتحية علم السودان، وأحدثت صدى واسعاً وتقديراً واهتماماً كبيراً وملأت الصورة الأسافير ووسائط التواصل الاجتماعي ووكالات الأنباء، لتعبّر بأن ما قام به الشعب السوداني تخطّى الأفق وأثبت أنه شعب صانع الثورات والتغيير الأول في العالم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى