تغيير العملة.. حسابات الربح والخسارة

 

 تقرير: رشا التوم

تباينت الآراء حول الجدوى الاقتصادية لخطوة تغيير العملة، والتي طالب بها تجمع المهنيين السودانيين لأسباب يراها منطقية في إطار تحقيق الإصلاح الاقتصادي عقب سقوط نظام الحكم البائد، في الوقت نفسه  قللت وزارة المالية  من جدوى الخطوة باعتبار أنها مكلفة جداً من ناحية مالية، ساندها في الرأي  ذاته  البنك المركزي،  حيث قطع المحافظ في مؤتمر صحفي  بعدم الاتجاه إلى  تغيير العملة في الوقت الراهن.

إذاً، فالحكومة  الانتقالية  وضعت امام خيار تغيير العملة  باعتبارها  واحدة من  معالجات الأزمة الاقتصادية وخروج الأموال والكتلة النقدية المخزنة.

بداية التغيير  

وبالعودة إلى  الوراء، نجد في  سبتمبرالعام 1956م قامت الحكومة الإنجليزية بجمع كل العملات  المصرية وسلمتها إلى الحكومة المصرية ، وأصدرت لجنة العملة السودانية في العام 1956 عملات  معدنية وورقية. وفي العام 1960م تم إنشاء بنك السودان المركزي وصار له الحق بإصدار العملة بنص قانون الإنشاء. في العام 1970م تم تغيير العملة لأسباب فنية لإدخال الوسائل التقنية الحديثة في الطباعة لتفادي التزوير. في العام 1992 تم إصدار عملة الدينار الجديدة وتم تداولها بجانب الجنيه. في العام 2007م تم تغيير العملة إلى فئة الجنيه السوداني وإلغاء فئة الدينار.

العهد الجديد

وبالنظر إلى  سياسات بنك السودان المركزي في هذا العام، نجد أن السياسة  مرنة  ومنحت الحرية مع التشدد والرقابة اللصيقة  للمصارف لضمان تنفيذ السياسة بقياس الأداء.

ونفى محافظ بنك السودان المركزي بروفيسور بدر الدين عبد الرحيم  في مؤتمر صحفي  سابق، أنه لا يوجد أي  اتجاه لتغيير العملة كما يشاع.

 تكلفة مرتفعة

قرار تغيير العملة  بالطبع له تأثيرات كبيرة على قطاعات الاستيراد والتصدير، وفي أوساط الرأسمالية ورجال المال والأعمال  نتيجة طبيعية لتعاملاتهم  التجارية الواسعة في بلايين الجنيهات بالنقد الأجنبي والمحلي معاً.

ولمعرفة تأثير قرار التوجه لتغيير العملة قال عضو بغرفة المستوردين  السابقة ـ فضل حجب اسمه ـ  إن قوى الحرية والتغيير تعول على عقد المؤتمر الاقتصادي المزمع في مارس المقبل، ودمغ  قوى الحرية بأنها في وادٍ والجهاز التنفيذي في وادٍ آخر، مبيناً أنهم يعتقدون أن الأجهزة التنفيذية أخطات في عدم الاستماع إلى نصائح الخبراء والمختصين في شأن تغيير العملة، وما يحدث من تصاعد  في سعر الدولار نتيجة لعدم اتباع تلك النصائح،  وقال في حديثه لـ(الصيحة)، إذا جاز لنا الحديث عن الكتلة النقدية، فقد كانت إحدى الإشكالات لشح السيولة والتي أطاحت بالحكومة السابقة، وإذا وجد أي إنجاز اقتصادي واضح خلال الفترة الماضية ما حدث من وفرة السيولة وعودة الثقة في المصارف وأي  حديث في الوقت الراهن عن تغيير العملة سوف يفقد الثقة في المصارف ويعجل بسحب الأموال من البنوك وتوجيهها نحو العقارات والذهب.

ووصف عملية تغيير العملة بالمكلفة جداً من ناحية مالية، وأكد أن الكتلة النقدية تتم وفقاً لحسابات دقيقة جداً تحددها السياسة المالية، وليست قرارات سياسية،  وتتم وفقاً لقرارات من بنك السودان بالتنسيق مع وزارة المالية، واستبعد إمكانية تغيير العملة  في الوقت الحالي،  ورهن الأمر بحدوث الاستقرار الاقتصادي مستقبلاً،  وفي تلك الحالة  يمكن تغيير  العملة بالتدرّج في الفئات الصغيرة.

كتلة نقدية مزيفة

وفي  رأي مخالف لسابقه، قال عضو اللجنة الاقتصادية بقوى الحرية والتغييرعادل خلف الله، إن الدعوة لاستبدال العملة  ليست قاصرة على قوى الحرية  وتكاد تكون  مطلباً شعبياً ومطروحة من المختصين والفنيين وقطاعات واسعة من الشعب ويبدو ذلك تعبيراً عن عدم الثقة في الكتلة النقدية المتداولة حالياً  لعدم معرفة كم يبلغ حجمها، ولا توجد أي جهة سواء بنك السودان أو وزارة المالية يمكن أن يجزموا بذلك، وربما مرده إلى  عدة أسباب  آخرها  الإجراءات التي اتخذها بنك السودان قبل سقوط النظام السابق بإصداره  منشوراً أعلن  فيه عن تزوير  كبير حدث في الكتلة النقدية  المتداولة، ودعا المواطنين لإيداع اموالهم داخل الجهاز المصرفي حتى تتم السيطرة على العملة المزيفة واستبدالها بحكر التداول على العملة الأصلية. وفي ذات المنشور أكد تدريب عدد من الموظفين وتخصيص أجهزة للقيام بذلك.

محاربة التمكين والتجنيب

وقال خلف الله، إن الهدف الرئيسي  من مسألة  تغيير العملة مرتبطة بكيفية توفير متطلبات الانتقال من نظام فكرته الأساسية  كانت قائمة على التمكين والتجنيب، ووجود  قوة اجتماعية ومؤسسات سياسية ومالية وأمنية،  سيطرت بفقه التمكين على كتلة نقدية كبيرة جداً، إضافة إلى  أصول عربات وعقارات  والجانب الآخر عبر التجنيب للمؤسسات الحكومية، وهناك أموال كبيرة لم تدخل أو تخضع لسلطة وزارة المالية أو المراجع القومي،  مما يمكن من التلاعب بالكتلة النقدية وزعزعة الاستقرار الاقتصادي،  بجانب المضاربات في النقد الأجنبي،  وهذا ليس بمعزول عن مشاهد الاختناق في أكثر من سلعة.

لافتاً  إلى ما بعد سقوط النظام،  حيث انخفض الجنيه مقابل الدولار إلى 48 جنيهاً، والسبب الرئيسي أفاعيل الكتلة النقدية المزورة  والمضاربة في  النقد الأجنبي.

واستدل على نجاح تجرية تغيير العملة باتجاه عدد من الدول لتطبيقها، وحققت نتائج كبيرة جداً، مبيناً وجود  ضرورة وطنية  واقتصادية لاستبدال العملة.

مؤكداً الجلوس مع وزيرالمالية قبل الموازنة وطرح مقترح استبدال العملة، وقال إن وزير المالية أكد لهم إحالة  طلبهم إلى جهات فنية والتي بدورها نصحت  بعدم الإقدام عليه  لعدم الجدوى الاقتصادية وارتفاع  التكلفة، مشيراً إلى ردهم للوزير بأن  من نصحوا بذلك ربما يكونوا مستفيدين من الوضع أو هم من أركان النظام السابق، ولا يوجد اقتصادي حريص علي  الفترة الانتقالية وأداء الحكومة مهامها يقول إن  تغيير العملة ليست له نتائج اقتصادية ومكلف.

استعداد شعبي

وفيما يتعلق بالتكلفة، أكد خلف الله أن هناك استعداداً شعبياً كبيراً جدًا  لتمويل  الميزانية والتي لا تتجاوز مبلغ 8.500 مليار جنيه، وزاد قائلاً: وزارة المالية أدخلتنا في  جدال واسع  حولها، وهذا مبلغ زهيد مقابل الإمكانيات اللا محدودة  للسودان  بغير حسابات  ثرواته وموارده  وموارد المغتربين التي تصل إلى 14 مليار دولار.

وهناك مبادرة من قطاع واسع من السودانيين في الداخل والخارج  لتمويل تكلفة تمويل العملة، مما ينفي الحديث أن  التغيير مكلف، وهو حديث لا يتسق مع الأهداف الوطنية والاقتصادية المرجوة من وراء الاستبدال،  وحال تم التغيير يمكن السيطرة على حجم الكتلة النقدية، وتحديد قيمتها، وماذا يحتاج الاقتصاد السوداني في التداول  اليومي والشهري والسنوي والسيطرة على معدلات التضخم لضمان استقرار سعر الصر ف والمستوى القياسي لأسعار السلع والخدمات وتحرير الكتلة النقدية المزيفة وتجريد عناصر من الثورة المضادة والمخربين  للاقتصاد الوطني،  وعزا عدم استقرار السلع  إلى الاحتكار والمضاربة.

واعتبر تغيير العملة  مدخلاً آخر لزيادة إيرادات الموازنة العامة، وتقليص نشاط الظل ونتائجه المباشرة  على السلع والأسعار،  مؤكداً وجود مؤشرات سياسية وضرورة وطنية واقتصادية لاستبدال العملة،  وهي انتصار للقوى العاملة في الاقتصاد الحقيقي وذوي الدخل المحدود والمنتجين  في القطاعات الصناعية والزراعية.

توفير التمويل

الخبير  الاقتصادي د . محمد  الناير، قال إن مقترح تبديل العملة  إذا كانت الحكومة ذكية فعلاً كان في وسعها  وبطريقة موضوعية أن تبدأ تغيير  العملة  بالتزامن مع الفترة الانتقالية  رغم أن هناك عقبات كثيرة جداً تعترض الطريق،  ولكن لابد من الطباعة بجودة عالية وتوفير علامات تأمينية عالية غير قابلة للتزوير والمشكلة أنها  مكلفة، وكثير من دول العالم خاضت التجربة، ولكن المحك الأساسي أو العقبة التي جعلت الدولة لا تقبل على الخطوة بحسابات الربح والخسارة،  وعلى الدولة ترتيب  أمرها وتوفير  التمويل اللازم لإعادة طباعة العملة أو تبديلها بصورة أساسية،  فأعتقد أن الأمر في مصلحة الاقتصاد السوداني،  والهند حققت نجاحاً كبيراً من خلال تجربة استبدال العملة  وحوالي 96% من حجم الكتلة النقدية  خارج إطار النظام المصرفي مقابل 4% فقط  داخل الجهاز المصرفي  ومن التشوهات التي أثرت في الاقتصاد وخلقت ندرة في السيولة، وإذا الدولة لم تفعل منظومة الدفع الإلكتروني يمكن أن تعود مشكلة السيولة مرة أخرى ومشكلة الطباعة والضخ ليست حلاً.

ووصف الناير قضية تبديل العملة بالقضية المهمة، ولكن نجاحها بنسبة كبيرة جداً كان في بداية عهد الحكومة الانتقالية ولماذا؟  لأن حجم الأموال كبير جداً لدى المواطنين ولمعرفة من أين لك هذا؟ وكان في إمكان الدولة أن تعلم  مصادر تلك الأموال بما أن القوانين الدولية تقر المسألة، وهناك ما يعرف  بغسيل الأموال وتمويل الإرهاب،  وهو امر يزعج المجتمع الدولي والفكرة فعاليتها في البداية، وأن تدرس  بحساب الربح والخسارة العائد منها، أعلى  ولكن ما تزال ضرورية إذا استطاعت الدولة توفير تكلفة طباعة العملة بجودة عالية  وما يشاع الآن عن طباعة العملة السودانية في دول  أخرى من شأنه تدمير الاقتصاد، ولن يعالج إلا بتبديل  العملة أو إدخال الكتلة النقدية للجهاز المصرفي مع الحرص على حصول المواطن على حقه كاملاً من  السيولة  وهي خطوة مهمة ومطلوبة ويجب تنفيذها  بطريقة  سرية  حتى لا يفقد الجهاز المصرفي المصداقية، وحال تم التوافق على التبديل بسرية تامة  وأمر منطقي أن تنفي الدولة، ولكن هناك ضرورة للتبديل لتفادي المخاطر التي تحيط بالاقتصاد السوداني.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى