خلايا مسلحة بالخرطوم.. بيِّنات وحقائق!

 

عبد الله عبد الرحيم

تمكّنت مباحث محلية شرق النيل، من ضبط شبكة إجرامية تضم أجانب وسودانيين يديرون مصنعاً للمتفجرات بشرق النيل، وضبط كميات كبيرة من مواد كيميائية خاماً وأدوات تستعمل في العمليات الأولية لصناعة المتفجرات، وأن المعروضات تم تحريزها وإخضاعها للفحص والتصنيف بواسطة الإدارة العامة للأدلة الجنائية.

ومن خلال التحري والتحقيق بواسطة الفرق المتخصصة لكشف أبعاد العملية الإجرامية،  وجه وكيل أعلى نيابة الحاج يوسف معتصم عبد الله محمود أمس، بتقييد دعوى جنائية تحت المواد (165) ق. ج و(26)/ أسلحة وذخائر و(5/ 6) من قانون مكافحة الإرهاب في مواجهة أحد عناصر خلية إرهابية بمنطقة الحاج يوسف، كما وجّه بتسجيل أقوال المتهم کاعتراف قضائي، واستصدار أوامر قبض في حق بقية أعضاء الشبكة.

الصلة بالإخوان

وبحسب المعلومات، أن المتهم ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين في مصر، ويحمل الجواز السوري. وأقر المتهم بتلقيهم دورات على صناعة وتركيب المتفجرات، وأنه تم إرساله وبقية أعضاء الشبكة للسودان عن طريق التهريب بجوازات سفر سورية مزورة. وسُجن المتهم في مصر عدة سنوات قبل صدور قرار بالإفراج عنه، ليأتي إلى السودان. وكشف أنهم وصلوا البلاد قبل نحو ستة أشهر، وظلوا في حالة تنقل خلال هذه الفترة بمدن الخرطوم الثلاث. وأكد المتهم أنهم يتعاملون مع رئاسة المجموعة الموجودة في تركيا أيضاً. ووجدت السلطات مواد متفجرة كان يشتريها المتهمون من أماكن متفرقة، كما عثروا على حزام ناسف وخرائط للمواقع وعدد من الهواتف النقالة. واكتشاف قيامهم بتصنيع مواد كيميائية في أحد المنازل بالحاج يوسف، ولم تعثر السلطات على بقية المتهمين وتُجرى محاولات حثيثة للقبض عليهم.

ناقوس الخطر

هذه التداعيات عدّها البعض أنها ناقوس خطر، بعد أن ضبطت الشرطة في أوقات سابقة مصنعاً للتزييف بالمناقل بولاية الجزيرة إضافة للكثير من الإجراءات الجنائية التي وضعت عليها الشرطة يدها. وهذا الأمر يجعلنا نتطرق لأبعاد المسألة الإجرامية وخطورتها، خاصة فيما يتعلق بضبط هذا المصنع للمتفجرات وبمشاركة أجانب يستهدفون إرباك المشهد الداخلي السياسي، إضافة لذلك إثبات الجهة المسؤولة من هذه المتفجرات وصناعتها وأهدافها من التصنيع والتي في الغالب تستهدف إنسان السودان في نفسه وإرثه وحياته.

وهذا يجعلنا نلقي الضوء على نوعية هذه المتفجرات وصفتها من حيث شدة الانفجار، ودلالاة العملية وتداعياتها على المستويين الداخلي والخارجي، السياسي والأمني، وهل وراء كل ذلك أهداف سياسية أم مجرد التشويش على حكومة الفترة الانتقالية حتى لا تمضي في إنجاح أهدافها لبلوغ المرحلة الدستورية؟.

ضعف العقوبات

وحول تداعيات هذه الأحداث، وما وراء أهداف هذه العملية وبعدها السياسي والأمني، أكد الفريق أمن حنفي عبد الله لـ(الصيحة) أن كشف هذه الشبكة في هذا التوقيت يؤكد وعي الأجهزة الأمنية على ملاحقة كل من تسول له نفسه القيام بمثل هذه الجرائم التي تهز البلد. وأشار حنفي إلى أن الكثير من ضعاف النفوس ومن يتم توريطهم في مثل هذه القضايا يحاولون استغلال هذه الأوضاع ويعتقدون أن الدولة بمؤسساتها الأمنية غائبة عن متابعة الجرائم التي لها مدلولاتها.

وقال إن المدلول الأول هو محاولة هز الاستقرار واستغلال الوضع الهش الأمني واستمرار ضعاف النفوس في النهب المسلح والعصابات والذين قاموا بترويع المواطنين للقيام بمثل هذه الأدوار، والعمل على إضعاف ثقة المواطن بمؤسسات الدولة خاصة أن هذه الثقة بدأت تضعف بصورة كبيرة نتيجة الأوضاع الاقتصادية المعروفة، ونتيجة سوء الخدمات.

وقال حنفي، إن الأمر يقودنا إلى أن الأمر لا يمكن أن يتوقف عند هذا فقط، مطالباً بضرورة مواجهة الدولة لكل من يقوم بمثل هذه العمليات الخطيرة تخزين وتوزيع السلاح والمضاربة بالعملات الأجنبية وعمليات التخريب التي تتم، أن مخاطرها تهز الفترة الانتقالية التي يتطلب منها أن تدفع البلد للأمام والانتقال لعهد ديمقراطي.

وأكد أن ضعف العقوبات في مثل هذه الجرائم من المحفزات لارتكابها، مشيراً إلى أن بعض الدول تصل فيها العقوبة للإعدام والسجن المؤبد، وقال إن الجهات المعنية مع تعقيدات المسألة لا تكمل البينات والأدلة ويلعب المحامون في مثل هذه المسائل لإخراج المتهمين بأضعف العقوبات.

ضعاف النفوس

وأكد حنفي أن هذه الأفعال تستهدف بصورة كبيرة، حكومة الفترة الانتقالية، حيث أنها لا ترغب في الانتقال للديمقراطية، إضافة لوجود جهات كانت منتفعة من النظام السابق سواء أكان في وظائف أو مخصصات أو في استغلال النفوذ أو التجاوز عن الفساد، وترى أن المحاكمات التي طالت بعض المفسدين من قادة النظام السابق نوعاً من إرباك الموقف في مثل هذه القضايا. مشيراً إلى أن كل تلك السمات انتقلت إليهم، ومن شأن العامل النفسي أن يقود آخرين ويورطهم بالإنابة عنهم في تلك القضايا.

في وقت وصف فيه حنفي القضايا بـ(المتشعبة). ولم يستبعد حنفي تورط أطراف خارجية في هذه الجريمة، خاصة بما لازم موقف البرهان فيما يتعلق بالتفاهمات مع الطرف الإسرائيلي، رابطاً ذلك المواقف بما تم في عهد النميري في الثمانينات حينما قام بزيارة السادات في مصر في ظل المقاطعة العربية، ودفع هذا الأمر منظمة الجبهة الشعبية الثورية لتحرير فلسطين بقصف السفارة السودانية في بيروت كنوع من استهداف السودان، لأنه لم يكن ضمن المقاطعة العربية لمصر.

وقال إن بعض المتفلتين يرون أن السودان بتطبيعه قد خرج عن المقاطعة الإسرائيلية. وقال إن كشف مثل هذه الأسلحة مردها لتورّط بعض ضعاف النفوس وخائني القضية الفلسطينية، ويمكن أن يكون من الفلسطينيين أنفسهم، داعياً إلى التحسب لمثل هذه القضايا من قبل الأجهزة الأمنية بمساعدة المواطن الحريص على أمن بلاده.

إجهاض الثورة

من جهته، أكد الخبير في الشأن الإقليمي والدولي، المهندس عمر البكري أبو حراز لـ(الصيحة) وجود البعد الدولي في القضية، بإشارته إلى أن احتقان الأجواء في كل جبهات السودان يظهر التآمر الدولي ضد قوى الحرية والتغيير والشباب صانعي ثورة التغيير. وقال البكري إن هناك جهات عديدة لا ترغب في استمرار الثورة والفترة الانتقالية بوجود مؤثر وقوي، من قوى الحرية والتغيير وتجمع المهنيين الذين يقودون ثورة تغيير حقيقية في كل علاقات السودان الداخلية والخارجية، مما يؤثر على مصالح دول كثيرة في المنطقة.

وكشف أبوحراز أن جزءاً من المخطط هو الضغط على السودان من الناحية الاقتصادية والإحجام عن تقديم مساعدات عاجلة وملحة من دول عرفت بدعمها في مثل هذه الظروف. وهذا الضغط الاقتصادي إذا تزامنت معه تفجيرات أو أعمال إرهابية وقتل تزيد من احتمالات التغيير وتدخل القوات المسلحة لبسط الأمن وبالتالي يتم إجهاض الثورة إجهاضاً كاملاً.

سيناريوهات وخطط

وكشف البكري في تحليله لـ(الصيحة) أن المخطط هو أن تحدث أزمات اقتصادية ومصادمات قبلية كما حدث في مناطق كثيرة في السودان وفي  بورتسودان والجنينة، وتعم الخرطوم فوضى ومواجهات، وفي هذه الحالة يتم التغيير الكامل، ووقف المد الثوري ووأد الفترة الانتقالية. ولعل ذلك أحد الأسباب التي دفعت د. عبد الله حمدوك رئيس الوزراء لمطالبة الأمم المتحدة بضرورة التدخل وفق البند السادس من ميثاق الأمم المتحدة حتى يتأكد استمرار الفترة الانتقالية لثلاث سنوات من غير تهديد للفترة الانتقالية وتمكينها من بلوغ أهدافها.

أجندة ومخابرات

بينما يرى الخبير العسكري الفريق أول ركن حسن يحيى محمد، أن مجرد التفكير في تصنيع متفجرات أو امتلاك أسلحة في عاصمة البلاد، وفي هذا الوقت تحديداً، مؤشر قوي على الهشاشة الأمنية التي تمر بها البلاد ما يشجع بعض أصحاب الأجندات لاستغلال هذه الظروف لدعم المخططات والأجندة الخفية لتحقيقها في البلاد، في الوقت الذي يسودها عدم استقرار نتاج اضطراب الميزان الاقتصادي وبروز الندرة الكثيرة في المحروقات والدقيق والتي ألقت بظلالها السالبة على المعيشة.

وقال يحيى لـ(الصيحة)، إن المقصود بهذه المتفجرات هو تهديد أمن الولاية وأمن السودان عبر ضرب نسيجه الأمني لإشاعة عدم الاستقرار وتفتيت الجبهة الداخلية.. وقال إن مثل هذه الأعمال من المتوقع أن يكون من خططت لها أيادٍ لمخابرات أجنبية، ويدعم هذا الاتجاه ضبط أجانب في هذه العملية.. وأكد حسن يحيى، أن هذا الأمر يتطلب من الأجهزة الأمنية والشرطية التدقيق في عملية دخول الأجانب للبلاد والمتابعة المستمرة لتحركاتهم داخل البلاد بالصورة التي  تقوم بها الدول الخارجية، مشيراً إلى أن عدم اتباع مثل هذه الخطوات من شأنها أن تؤثر على الجبهة الداخلية في ظل خلافات الساحة السياسية.

تنسيق أمني

وقال حسن يحيى: هناك أيادٍ خفية داخلية أبدت سخطها مما يجري بالداخل جراء الندرة في المحروقات والدقيق وتدهور العملة، ودفعها هذا إلى القيام بمثل هذه الأعمال التخريبية، وأضاف أنه من الممكن وجود استخبارات خارجية تقوم بتحريك هذه الأيدي لخدمة أهداف وأجندة خاصة، عبر استغلال بعض الناس لخلق اضطرابات داخلية.. مؤكداً الضرورة إلى إحداث تنسيق بين الأجهزة الأمنية الداخلية والأجهزة الأمنية والشرطية لدول الجوار والإقليم، وقال إن أمن الإقليم والقارة مهم، خاصة وأن السودان يطل على أكبر ساحل بحري طوله (740) كيلو،  ويقع في قلب القارة الأفريقية، وأن البحر الأحمر تمر به التجارة الدولية، وهي يمكن أن تكون هدف هذه المجموعات، مشيراً لإمكانية نقل التفجيرات لمناطق أخرى يستهدف بها محطات المياه والكهرباء والمواصلات لإظهار معاناة الخرطوم أمنياً، وبالتالي يمكن أن تكون مستودعاً لدعم الإرهاب.

ودلل الخبير العسكري، بهذا لأن السودان بذل في هذا الوقت جهوداً جبارة لرفع اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب، ولتبييض صحيفته خارجياً. مشيراً إلى أن واشنطن، أكدت من قبل أن السودان هو البلد الوحيد الذي ينافسها من حيث الثروات والموارد إذا ترك لحاله والدور الذي يمكن أن يلعبه في الأمن الخارجي. وأشار حسن يحيى إلى أن مزاعم تقسيم السودان إلى دويلات بدأت من هذه القناعة، وقاد من بعد لفصل الجنوب. وقال إن ما يؤكد تلك المزاعم هو الشعارات التي رفعها السودان من قبل باستعدائه للعالم الخارجي.

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى