المسؤولية الأخلاقية

على الحكومة الانتقالية أن تتعامل في كل الملفات بمسئولية أخلاقية بعيداً عن المُحاصصات والامزجة الشخصية، وأن تعي أن هذه المرحلة المهمة هي تأسيس  لانتقال الدولة من شمولية دكتاتورية ذات بُعد أيديولجي واحد إلي دولة ديمقراطية تعددية حديثة بنظم مدنية وقانونيه تضمن حقوق المواطنة العادلة بغض النظر عن المعتقد الديني والعرقي…. أهم الملفات الآن هي يجب الإسراع في تكوين مفوضية السلام التي سنأتي لها في عمود لاحق ومفوضية الانتخابات التي ستُشكّل الأساس لبنيان الدولة الحديثة بتسهيل وضبط التنافُس الشريف بين الأحزاب السياسية… فإن كان الإنجلیز ھم من ابتدع مفھوم مبدأ “فرّق تسُد”،  فأحزابنا السياسية هي من مارسته في الواقع، وعملت بعيداً عن المسئولية الأخلاقية الوطنية، وقزّمت الوطن داخل الحزب، وأضفت عليه الوراثة الأسرية في القيادة دون التنافُس الشريف.. إضافة إلى أن الإنقاذ طوال سنين حمكھا السيئ عمدت إلى تقسیم الأحزاب وتفتيتها.. وتكاثرت الأحزاب بشكل طفیلي للدخول في حوار الوثبة ذاك الحوار الوهمي الذي أطلقته الإنقاذ.. ولكي تضفي الإنقاذ أيضاً الشرعية على الانتخابات المُزوّرة الأخيرة في 2015 قامت بإنشاء أحزاب هلامية بمُسمّيات مختلفة لاوجود لها في الواقع أكثرها أنشئ في ظرف يومين للحاق بالانتخابات لا قواعد لها ولا دور حتى…. ونعلم أن الإنقاذ ما كانت ترى عیباً في استخدام وترویج مصطلح (كیكة السلطة)، ھذه الكيكة أغرت كثيراً من الأحزاب لبيع ضمائرها واقتسامها وغمسها في دماء هذا الشعب وأكلها.
 

وليست لها كفاءة حقیقية لخدمة الوطن والمواطن، ولا برامج للنھوض بالسودان، لكي یلحق بالأمم التي سبقته في التنمیة والتقدم، فأصبح الآن لدينا أكثر من مائة وستين حزباً… هل نحن بحاجة إلى هذا الكم الهائل؟ أكيد الإجابة لا.. وستكون خصماً على الديمقراطية القادمة واستمرارها… الأحزاب الفاعلة والمعروفة في الدیمقراطیات الغربیة العریقة على مدى النصف الثاني من القرن العشرین حزبان فقط یتبادلان الحكم في بریطانیا التي ھي سیدة الدیمقراطیة اللیبرالیة في العالم المعاصر.
والأمر نفسه ینطبق على الولایات المتحدة الأمریكیة…  لذا نحتاج إلى مفوضية انتخابات وقانون جدید لتنظيم الأحزاب
یٌصاغ بطریقة تُقیّد تكوین الأحزاب وتنظيمها، فإذا حاولنا تجمیع الأحزاب في فئات تقوم على البرامج فسینتھي بنا الأمر في مجموعتين أو ثلاث على الأكثر بدلالة  أن الفرق
في المرجعیة بین الحزبین الكبیرین الأمة والاتحادي وفق برنامجیھما الانتخابیین في آخر انتخابات برلمانیة جرت 

في السودان في سنة 1986 خاض حزب الأمة تلك الانتخابات تحت شعار “نھج الصحوة” والاتحادي الدیمقراطي تحت شعار “بسط الشریعة”، بعد أن جرتھما الجبھة الإسلامیة القومیة جراً 

إلى سوق المزایدة على المشاعر الدینیة للمواطنین بأنها رفعت شعار “شرع الله”، ووقعوا في فخ الأدلجة الدينية السياسية…  ويجب أن يكون تنافس الأحزاب مشروطاً باستيعاب التعددية الدينية والإثنية والثقافية والعرقية ومضموناً بالالتزام الأخلاقي لممارسات الديمقراطية داخل الحزب نفسه في حق  قواعده لاختيار قيادات الأحزاب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى