اتفاق جعفر والحلو.. ما أشبه (الليلة) بالبارحة!!!

على غرار اتفاقية الميرغني ـ قرنق

الخرطوم: عبد الله عبد الرحيم

وقّع الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل، والحركة الشعبية لتحرير السودان شمال بجوبا، اتفاقاً حوى ثماني نقاط تتصل بالسلام ووحدة البلاد. وقّع عن الاتحادي نائب رئيس الحزب جعفر الصادق محمد عثمان المرغني، وعن الحركة الشعبية شمال عبد العزيز الحلو رئيس الحركة والقائد العام للجيش. واتفق الطرفان على تأكيد الالتزام الثابت بالوحدة الطوعية وبالعدالة الاجتماعية واحترام حقوق الإنسان وضرورة منع قيام الأحزاب السياسية على أساس ديني، واحترام التعدد والتنوع الثقافي، ومنح كل الشعوب فرصتها لتطوير تجربتها الثقافية والسياسية، مع التركيز على الطريق إلى الوحدة الوطنية، وأن قضية السلام واستدامته هي الحل لاستقرار اقتصادي وتحول ديمقراطي حقيقي.

وفتح اتفاق الاتحادي والحلو الباب أمام محاور مختلفة من الاستفهامات، ففي الوقت الذي تدور فيه المفاوضات بجوبا بين الحكومة والحركات المسلحة والجبهة الثورية، يأتي هذا الاتفاق الثنائي وكأن يرتجى أن يقدم نائب رئيس الحزب الاتحادي دعماً ملحوظاً للأطراف المتحاورة في جوبا “حكومة – ثورية”، فهل هذا الاتفاق يعد التفافاً على اتفاقيات الحكومة مع الحركات المسلحة أم إنه محاولة لإعادة اتفاقية “الميرغني- قرنق” في 1988م بأديس أبابا؟ وما مدى شرعية هذا الاتفاق الثنائي، وهل سيكون الاتفاق ملزمًا؟ وما هي طبيعة الاتفاق، هل هو سياسي، عسكري، أم أمني؟ 

الميرغني ـ قرنق

أعاد الاتفاق الذي تم التوقيع عليه أمس الأول بين الاتحادي والحركة الشعبية، الأذهان إلى اتفاق الميرغني ـ قرنق في نوفمبر من العام 1988م، والذي جاء فيه التأكيد على أن قيام المؤتمر القومي الدستوري ضرورة قومية ملحة توجب على كافة القوى السياسية السودانية العمل الدؤوب والمخلص لتهيئة المناخ الملائم لقيام المؤتمر. وتوافق الطرفان على تجميد مواد الحدود وكافة المواد ذات الصلة المضمنة في قوانين سبتمبر 1983م، وإلغاء كل الاتفاقيات العسكرية المبرمة بين السودان والدول الأخرى التي تؤثر على السيادة الوطنية، ورفع حالة الطوارئ، ووقف إطلاق النار. 

وأُجهض اتفاق الميرغني ـ قرنق عقب المعارضة القوية التي وجدها من بعض الأحزاب كالجبهة الإسلامية وحزب الأمة القومي، لأن روح الاتفاق بحسب هذه القوى إنما تسعى لإجهاض الشريعة الإسلامية التي كانت معروفة بقوانين سبتمبر، والتي تتعلق بالحدود.

 ويشير بعض المراقبين إلى أن اتفاق قرنق والميرغني، ورغم أنه جاء بزخم سياسي وإعلامي كبير، وكاد أن ينجح، إلا أنه أجهض بفعل التناحر السياسي. وقد أبدى قرنق زهداً في التمسك به  عقب سقوط العديد من المدن، وهذا دفع الاتفاقية لتتهاوى كما فشلت اتفاقية كوكادام (حزب الأمة) وفرانكفورت (الجبهة الإسلامية القومية).

دعم الانتقالية

ويفند د. علي السيد القيادي بالحزب الاتحادي لـ(الصيحة)، كل ما يدور حول الاتفاق، وقال إنه لم يأت إطلاقاً خصماً على جهود الحكومة نحو تحقيق السلام، وزاد: بالعكس نحن ندعم كل الجهود بما لنا من علاقات مع القوى السياسية والحركة الشعبية منذ رئاسة رئيس الحزب السيد محمد عثمان الميرغني للتجمع الوطني الديمقراطي.

 وقال إن علاقتنا مع الحركات قوية خاصة الحلو وعبد الواحد النور ومناوي وبقية القيادات. وأكد أنهم وبعد أن وقعوا اتفاق تفاهم مع الحلو فإنهم يسعون الآن للتوقيع مع عبد الواحد نور الذي جرت معه اتصالات من قِبل قيادة الحزب. وقال إن كل تحركاتهم هذه تأتي لدعم الحكومة والفترة الانتقالية كما جاء في بيانهم، وقال: نحن ما معارضة ولسنا من أحزاب المعارض، بل نشجع وندعم الحكومة رغم رؤية قوى الحرية والتغيير وقولها بأننا جزء من النظام السابق. 

وأكد السيد دعمهم اللامحدود لحكومة الفترة الانتقالية، وقال: رغم أن قوى الحرية والتغيير لم يطلبوا منا دعماً، إلا أننا ندعم جهود الحكومة لتحقيق الأهداف الوطنية بدعم الفترة الانتقالية. وأكد أن الاتفاق مع الحلو جزء من دعم الفترة الانتقالية. وكشف علي السيد اتصالاتهم المستمرة مع الحركات المسلحة للجنوح للسلام، وفقاً للاتفاق الذي تم معهم في التجمع الديمقراطي. 

وقال إن هدف التجمع كان التحول الديمقراطي، وفشلوا لتحقيق ذلك، لأن المؤتمر الوطني كان لا يريد ذلك التحول، مضيفاً أنه لا زالت مشاركتهم مع تلك القوى قائمة على البقاء بالقرب من مراكز وموقع القرار لدعم التحول الديمقراطي. وأكد أنّ هَم الحزب وهدفه الأساسي أن تنتهي الفترة الانتقالية بتحول ديمقراطي حقيقي، ولتجري انتخابات حقيقية.

غير ملزمة للحكومة 

وأكد السيد أن اتفاقيتهم مع الحلو غير ملزمة للحكومة، لأنها لم تطلب منا هذا الدعم، ولذلك فهي قد لا تلتزم بها، ولكنها ستُساهم في إنجاز مهام الحكومة الانتقالية. وقالك إذا وافقت الحكومة على مجهودنا فبها، وإذا لم توافق فهذا ما نقدر على فعله. وقال: لا يوجد في السودان حزب يقوم على الأساس الديني، لأنها كلها الآن مسجلة لدى مسجل التنظيمات السياسية وأغلبها حتى الإخوان المسلمين وأنصار السنة، وقانون الأحزاب نفسه يرفض ذلك المبدأ، وقال إن الحزب الجمهوري رُفض تسجيله للحيلولة دون الاصطدام بالأحزاب الأخرى. 

مكايدة سياسية

وقال علي السيد، إن معارضة الصادق المهدي لاتفاقية الميرغني ــ قرنق كان “مكايدة سياسية” وليس لأنها تسعى لتقويض الدين كما يقول بذلك البعض، مؤكداً أن نجاح الاتفاقية كان سوف يسبب أزمة حقيقية لحزب الأمة، لذلك قام بمعارضتها. 

وقال إن برنامج الاتحادي الديمقراطي وحزب الأمة مُتقاربان بشكل كبير جداً، وليس هناك فرق شاسع، مشيراً إلى أن المهدي لم يرفضها وإنما قال إنه يريد إيضاحات واستيضاحات، إلا أن انقضاض الإخوان المسلمين والجبهة الإسلامية على الثورة أطاح بتلك الجهود. وقال: لولا الاعتراض الذي وضعه الصادق المهدي لكان تمّ إنفاذ تلك الاتفاقية. 

الاتفاق مع عبد الواحد

وقال علي السيد القيادي بالحزب الاتحادي، إن هناك خطوات فعلية ومشاورات تجري الآن بين قيادات الحزب ورئيس حركة جيش وتحرير السودان عبد الواحد محمد أحمد النور، مؤكداً انعقاد لقاء، أولاً مع عبد الواحد، ويجري الآن الترتيب لتوقيع اتفاق تفاهم بين الحزب والحركة. 

وأكد أن عبد الواحد  نقل لهم رغبته في القدوم للسودان، للحاق بركب السلام في جوبا، وقال إنهم تركوا أمر تحديد الميعاد الزماني والمكاني لعبد الواحد نور لإتمام ذلك الاتفاق الثنائي لأجل التحول الديمقراطي ودعم جهود السلام التي تقودها الحكومة الانتقالية الآن. 

السلام أولوية

ويقول د. السر محمد حسن المحلل السياسي لـ(الصيحة)، إن قضية السلام أصبحت قضية محورية خاصة بعد توقيع الوثيقة الدستورية بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير التي نصت على ضرورة تحقيق السلام في الأشهر الستة الأولى من عمر الاتفاق وبداية إنزاله على أرض الواقع بتشكيل حكومة الفترة الانتقالية والمجلس السيادي. وأكد أن أية جهود للقوى السياسية المختلفة في الساحة السياسية في هذا الشأن فهي تأتي دعماً و تتويجاً لجهود بُذلت من بعد الثورة وساهمت فيها كل القوى السياسية، ووجدت تأييداً شعبياً منقطع النظير باعتبارها المدخل الرئيسي لإيقاف الحرب وتحقيق السلام التي تنهك الشعب فى كل أقاليم وولايات السودان المختلفة. 

وقال السر: لا ضير إطلاقاً من هذا الاتفاق، إذا كان يخدم الحكومة الانتقالية التي تبذل الآن جهوداً مقدرة للايفاء بمتطلبات الوثيقة الدستورية والسياسية. مؤكداً أن طبيعة الاتفاق سياسي بحت وليس عسكرياً وفق ما تتخوف منه بعض القوى السياسية التي تضع حساباً للتحول العسكري لحسم الخلافات داخل الوطن.

ولنا أن نتساءل لماذا سقطت اتفاقية الميرغني – قرنق على الرغم من أن مذكرة القوات المسلحة الشهيرة في العام 1989م كادت أن تشير إلى تأييدها.

                         

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى