شهر على تطبيق الموازنة المؤقتة.. قراءة في خيارات تطبيق موازنة 2020

الحزمة الإصلاحية عقبة لم تُحسَم، وتعويل على المؤتمر الاقتصادي

خبراء: لا ضمان لدعم المانحين والحل في الإنتاج

الخرطوم: جمعة عبد الله

مضى شهر وتبقى شهران، أمام وزارة المالية، لتحديد تفاصيل الموازنة التي ستعتمد عليها البلاد للعام الجاري، حيث ما تزال الصورة ضبابية حتى الآن، ولم تتضح تفاصيل الموازنة، وحتى اللحظة لم تتضح بشكل تفصيلي شكل الموازنة التي ستعتمد عليها البلاد حتى نهاية العام الجاري، بعد رفض قوى الحرية والتغيير الإصلاحات التي أقرها وزير المالية ومطالبتها بتأجيل تطبيقها حتى مارس المقبل، على أن يتم إجراء مشاورات إضافية وإدخال تعديلات حولها.

نقطة الخلاف

وتتمثل نقطة الخلاف بين وزير المالية، وقوى الحرية والتغيير، في نقطة وحيدة هي “حزمة الإصلاحات”، وتشمل هذه الحزمة رفع الدعم تدريجياً عن الوقود، وتحريك الدولار الجمركي، والأخير هو أساس الخلاف، أما بقية البنود فهي تأتي بدرجة أقل، وبعضها تم إنفاذه فعلياً، ، أما رفع دعم الوقود فتم الحديث عن تأجيل رفعه على فترتين بين مارس وأغسطس المقبلين.

واستبقت المالية ميقات عقد المؤتمر، وطبقت فعليا بعض الإجراءات، فتم إقرار زيادات ضريبية جديدة بنسبة 75 ٪ والمتمثلة في زيادة ضريبة الأعمال من 15٪ إلى 30٪ وزيادة الضريبة على الصناعة من 10٪ الى 15٪ وإعادة ضريبة المحاصيل الزراعية بنسبة 2٪ وتم لاحقاً إرجاء تطبيقها لمزيد من المشاورات من القطاع الخاص واتحاد اصحاب العمل المكون حديثاً.

 

تركة ثقيلة

وستكون موازنة العام 2020م تحدياً عسيرًا على الحكومة ووزير ماليتها البدوي، وهي أصعب مهمة تنتظرها، قياساً على تبعات إرث ثقيل من الانتكاسات الاقتصادية لا تبدأ من افتقار البلاد لموارد حقيقية لتمويل هذه الموازنة ولا تنتهي بتدهور العملة الوطنية، وفي وقت كان متوقعاً أن تشمل الموازنة المقبلة تغييراً جذريًا واختلافاً عما سبقها من موازنات.

وورثت الحكومة الجديدة ذات المعضلات التي أطاحت بسابقتها، بسبب شح موارد الموازنة وما أحدثته من اختلالات إضافية على الوضع الاقتصادي، ويبدو حلم الوصول لمرحلة ما قبل 2018 بعيد المنال، ففي ذلك الوقت لم يكن الدولار تخطى حاجز 20 جنيهاً، وتضاعف بنسبة أكثر من 125%، وقريباً من تلك النسبة تصاعدت معدلات التضخم حتى بلغت أكثر 60% في وقت لم تكن تتجاوز حاجز الـ 32% لذات الفترة.

أعباء جديدة

ويشير خبراء اقتصاديون إلى أن المواطنين ومحدودي الدخل سيتحملون أعباء كبيرة من الموازنة حال لم يتم تعديلها في مارس المقبل، خاصة إذا تم رفع الدعم عن السلع وزيادة الإيرادات الضريبية بنسبة 75 ٪ والمتمثلة في زيادة ضريبة الأعمال من 15٪ إلى 30٪ وزيادة الضريبة على الصناعة من 10٪ إلى 15٪ وإعادة ضريبة المحاصيل الزراعية بنسبة 2٪ والتي سيتحملها  في النهاية الشعب والعاملين من الفئات الواقعة تحت خط الفقر وبعضهم سيكون تحت خط الفقر المدقع.

ويعزو الخبراء هذه الرؤية إلى أن الموازنة لم تعتمد حتى الآن الإصلاح  الهيكلي للاقتصاد، وبدلاً من تحميل هذه الضرائب على المواطن الغلبان والعمال كان الأجدى والأسلم توسيع المظلة الضريبية لتشمل كل الأنشطة غير المدرجة في التحصيل، وظلت خارج المظلة الضريبية في الوقت الذي تؤخذ فيه ضريبة الدخل الشخصي من مرتبات العاملين بما فيها البدلات والمنح والحوافز وغيرها رغم قلة المرتبات وعدم عدالة الضريبة نفسها.

تفاصيل غائبة                                

وليس جديداً أن تتحدث الحكومة عن المساعدات الأجنبية في تمويل الموازنة، وهو بند ثابت يتم تخصيص رقم تقريبي محدد له سنويًا، يسمى بالمنح والقروض، كما أن الخطوة من حيث المبدأ مشروعة وتعتمد كثيراً من دول العالم على مساعدات أجنبية في تمويل موازناتها السنوية، ولكن المحك بالنسبة لحالة السودان هو مدى التزام المانحين أو اصدقاء السودان بالوفاء بالمساعدات.

المؤتمر الاقتصادي ودعم المانحين

وأتاح التغيير السياسي الذي تم بالبلاد فرصة لتحسين العلاقات الخارجية، مما يسهل استقطاب العون، وظهرت بعض البشريات الإيجابية لهذا التغيير، وتبعًا لذلك، ستعقد الحكومة في مارس المقبل مؤتمراً اقتصادياً ينتظر منه الحصول على دعم أصدقاء السودان للموازنة الجديدة مرتكزاً على مشروعات يتم تنفيذها إما بتمويل منهم أو عبر دفع شركات كبيرة لتنفيذ مشروعات بالسودان.

وكانت بعض الدول قد التزمت فعلياً بدعم البلاد، وإن كان حجم الدعم قليلاً، ففي الشهر الماضي أعلن السفير الألماني بالخرطوم، عن تكفل بلاده بتأهيل شبكات الكهرباء في السودان خلال فترة وجيزة وبتكلفة قليلة وتوفير قطع الغيار، موضحاً أن شركة سيمنز الألمانية ستعود للعمل في قطاع الكهرباء بالسودان، وقال إن وفداً من الشركة سيزور السودان الأسبوع الحالي.

كما أوصلت الولايات المتحدة مساعدات إنسانية بقيمة “102” مليون دولار، وقبلها قدمت فرنساً دعما للسودان بقيمة 60 مليون دولار خلال زيارة رئيس الوزراء لباريس خواتيم العام المنصرم، كما أعلن عدد من دول الاتحاد الاوربي التزامها بتقديم مساعدات للسودان لتحسين الاقتصاد المتدهور والمساعدة في عبور هذه المرحلة.

الإصلاح أولاً

وقلل المحلل الاقتصادي، د. هيثم فتحي من الاعتماد على مساعدات الغير في تمويل الموازنة، وقال إنه مخاطرة غير مأمونة العواقب، موضحاً أن الدعم والمساعدات من المجتمع الدولي مشروطة بتطبيق بعض الإصلاحات “سياسية أو اقتصادية” مثل رفع الدعم الحكومي للسلع الأساسية كالخبز والمحروقات.

وقال فتحي لـ “الصيحة” إن التحدي يتمثل في إجراء إصلاحات داخلية، واتباع تشريعات استثمارية جاذبة، لمواجهة تراجع الاقتصاد الحاد الذي تشهده البلاد موضحاً أن أكبر التحديات أن تستهدف تقليل الإنفاق الحكومي وتعظيم الإيرادات ومراجعة الإعفاءات الضريبية ومحاربة الفساد والتجنيب وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية بما يشمل تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وقال إن الصادر يتطلب خطة متوسطة المدى كما ذكرت لأنها تبنى على محور داخلي المتمثل في إزالة معوقات الإنتاج والإنتاجية وتسهيل إجراءات الصادر، مشيرًا إلى أن المحور الخارجي بفتح أسواق الصادرات على أسس عادلة والأهم إعادة حصائل الصادر عبر النظام المصرفي، وأضاف: يمكن التركيز على التحول من دعم العون الإنساني إلى دعم العون التنموي في المناطق المتأثرة بالحروب والنزاعات.

منح غير مضمونة

بدوره، يرجح الخبير الاقتصادي د. عادل عبد المنعم، أن تكون خطط وزارة المالية لتمويل الموازنة بأنها مساعدات وليست التزامات واجبة الوفاء، موضحاً أن الأمر لا يعني اعتماد الحكومة كلياً على هذه المساعدات، بقدر ما يكون إدراجها ضمن مشاريع التمويل المصاحبة للموازنة، لافتاً إلى أن تحسن علاقات السودان الخارجية والتعامل الانفتاحي مع كثير من دول العالم وخاصة دول الاتحاد الأوربي الذي فرضه الواقع الجديد سيسهم في حصول البلاد على المزيد من المساعدات، موضحًا أن هذه المساعدات تساعد بدورها في تنفيذ مشروعات محددة في بعض القطاعات مثل الصناعة أو الزراعة أو الكهرباء، ولكنها لا تعتبر مصدر التمويل الأساسي للموازنة، وأكد أن المساعدات جزء من اجتهادات الوزير بحكم علاقاته الدولية.

دعوة للاعتماد على الموارد الذاتية

وقال القيادي النقابي، خيري النور، إن أخطر ما في الموازنة اعتمادها بنسبة كبيرة على المساعدات الدولية ومساعدات الأصدقاء  في شكل هبات على المستوى الاتحادي والمستوى الولائي.

وقال النور لـ “الصيحة” إن مكمن الخطورة يتمثل في حالة عدم الحصول عليها أو عدم الإيفاء بها من المجتمع الخارجي، إضافة إلى أن الاعتماد على المساعدات والهبات بهذا الحجم في الموازنة له خطورة على الأمن القومي للبلاد  لتي ستصبح رهينة للمانحين الذين سيشكلون ضغوطًا وإملاءات على الحكومة لتنفيذ أجندتهم مقابل الدعم، كما يفعل صندوق النقد والبنك الدوليين بالمطالبة برفع الدعم وتسديد الديون مسبقاً للتعامل معهم، وهذه وصفات أثبتت فشلها تماماً لدى كل الدول التي استجابت لوصفاتهم، بينما الدول التي اعتمدت على مواردها وإمكانياتها الذاتية نهضت من كبوتها الاقتصادية.

وقلل من توقعات النمو الواردة بالموازنة بنسبة 2.9%، مشيرًا إلى أن ذلك يتناقض مع العجز الكبير بين المصروفات والإيرادات، وتوقع أن يزداد العجز نسبة لضعف الصادرات وتعويضات العاملين بالخدمة العامة الذين يتم إنهاء خدماتهم بأعداد كبيرة من العاملين ومن القوات النظامية المختلفة بمبالغ طائلة وغير مرصودة في الموازنة ما سيشكل عبئًا إضافياً على الموازنة، إضافة إلى الاضطراب الأمني والصرف على متطلبات السلام.

وثمة اتفاق بين الخبراء الاقتصاديين حول رفع الدعم بين مناصر للأمر ورافض ومتحفظ بشروط، ويرى مناصرو الفكرة أن رفع الدعم هو السبيل الوحيد المتاح أمام الحكومة لإصلاح مسار الاقتصاد المتدهور، فيما يرى الطرف الآخر أن الظروف التي تمر بها البلاد وتزايد الضغوط المعيشية على المواطن تجعل من الصعب تطبيق الخطوة لتأثيرها المباشر على المواطن الذي لا يحتمل المزيد من المعاناة.

واتفق الخبراء على أن الحكومة ينبغي عليها مكاشفة الشعب بما تعتزم القيام به، حتى لا يتفاجأ المواطن برفع الدعم في الربع الأول من العام الجديد، كما أشاروا لأهمية إجراء إصلاحات في السياسات، لأن الموازنة ليست كلها أرقام بل تحوي سياسات تحدد مسار الاقتصاد خاصة تشجيع الإنتاج وزيادة الصادر واستقطاب موارد المغتربين وغيرها من المحفزات التي تسند الموازنة لتجتاز البلاد صعوبات المرحلة الحالية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى