الكفاءات .. أين الخلل؟

 

الخبير الاقتصادي د. التجاني الطيب: تجربة السياسات البديلة (منفستو سياسي)

خبير اقتصادي: الحكومة ضمّت كفاءات وخُبرات ونشطاء سياسيين

عبد الماجد عبد الحميد: وزراؤنا (برّه اللعب)

مهندس: الكفاءة هي مُقارنة بين المدخلات والمخرجات

عندما تم تشكيل حكومة الفترة الانتقالية مطلع سبتمبر من العام الماضي، وصف رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك، وزراءها بأنهم (كفاءات)، وتناقلت الوسائط سيرهم الذاتية التي تحوي الكثير من الألقاب والشهادات، وقد اطمأن الشارع وقتها أنّ الاختيار فعلاً تم وفقاً لمعيار الكفاءة وليس المُحاصصة أو الولاء، ومِمّا طمأن الناس أكثر أنّ حمدوك استبعد بعض الأسماء التي رشّحها تجمُّع قِوى إعلان الحُرية والتّغيير على أساس أنّ الشروط التي وضعها لم تنطبق عليهم، وبمعنى أكثر صراحةً ليسوا بكفاءات، ولكن في الواقع وبعد مضي ستة أشهر من عُمر مجلس الوزراء، تدهورت الأوضاع الاقتصادية تدهوراً كبيراً، وارتفعت أسعار السلع ارتفاعاً جُنُونياً، كما تفاقمت أزمات الوقود والمواصلات والخبز، ولم تُجدِ أيِّ حلول من حكومة حمدوك مما جعل جل الشارع يسلبهم صفة (كفاءات) ويعتبرهم (كفوات) لأنّهم ليسوا مُؤهِّلين للمناصب التي وُلّوا عليها ولم يكونوا بمُستوى المسؤولية، خاصّةً وأنّ تحديد وزير المالية مدة 90 يوماً لحل المشاكل المُلحة في البلاد تبخر ولم يكن له أيِّ أثرٍ.

هذا الواقع جعل المُراقبين يتساءلون عن مفهوم الكفاءة وهل الشهادات والمُؤهّلات العلمية وحدها تكفي لحيازة هذه الصفة أم أنّ هناك مهارات أخرى يتطلّبها الوصف؟ ومن ثمّ أين وزراء الحكومة الانتقالية من تلك المهارات؟

تقرير: هويدا حمزة

معلومات حصلنا عليها، اقتبسناها من العنكبوتية، عرّفت الكفء لغة بأنّه الند المكافئ لنده، أما الكفاءة اصطلاحاً فعرفت بأنّها مجموع الصفات الدالة على مماثلة، قدرة من كُلِّف بمهمّة أو مسؤولية، للمُهمة التي كُلِّف بها، فهي الاستعداد الفطري أو المُكتسب لتحمُّل أعباء مُهمّة أو مسؤولية في مجال من مجالات الحياة.

أما أُسس الكفاءة ومَظاهرها فتتمثّل في العلم والخبرة ويُعتبر العلم هو الأساس في اختيار الأشخاص لتحمُّل المسؤولية في مجالات مُعيّنة، كما تعد الاستقامة والأخلاق الحسنة مفتاح النجاح في أداء المهام والمسؤوليات.

ومن أهم أُسس الكفاءة القوة والأمانة، فلا يُمكن إسناد المهام والمسؤوليات إلا لمن كان أميناً أي أهلاً لأنّ تُوضع فيه الثقة، ولا تكتمل مَعايير الكفاءة إلا بالقوة، التي هي القُدرة على اتّخاذ القرار المُناسب في الوقت المُناسب وتنفيذه بالشكل الذي يُحقِّق الهدف.

أما طريق اكتساب الكفاءة فهو التزوُّد بالعلم، والتحلي بالخُلُق الكريم، والتزام الأمانة، واكتساب أسباب القوة البدنية والنفسية، حتى يكون الإنسان جديراً بتحمُّل أعباء التكليف بالمهام والمسؤوليات.

والمُستحق هو من توافرت فيه الشروط التي تُؤهِّله إليه كالدين والأمانة والعلم والصدق والقوة والشجاعة.

بين المدخلات والمخرجات

يصف المهندس عبد الله عبد المنعم في حديثه لـ(الصيحة)، مفهوم الكفاءة بأنّها مُقارنةً بين المدخلات والمخرجات، وبمعنى آخر هي إدارة الموارد المُتاحة واستخدامها للحصول على أفضل المخرجات، وهناك كفاءة شخصية وكفاءة جماعية، بالنسبة للأولى يقول عبد الله: هي عبارة عن المُؤهّلات والخبرات والصفات الشخصية مُجتمعةً، بمعنى آخر شهادة + خبرة + معايير أخلاقية كالنزاهة والأمانة، بما أنّ مفهوم الكفاءة مفهومٌ عملي، فالمقياس الحقيقي هو المخرجات النهائية مُقارنةً بالمُدخلات وفق المعايير والقوانين والتشريعات الحاكمة، أما الكفاءة الجماعية فهي مفهومٌ إداريٌّ بمعنى إدارة الكفاءة الشخصية والفردية في تناغُمٍ وانسجامٍ كلٌّ في دوره للحصول على نتائج مُرضية، يعني توافر الكفاءة الشخصية في بعض الأفراد لا يعني الحُصُول على كفاءة جماعية إذا لم تتم إدارة هذه الكفاءة بصُورةٍ فعّالةٍ، كمثالٍ لذلك حالة اللاعب ميسي مع نادي برشلونة ومع منتخب الأرجنتين.

بالنسبة لوزراء حكومة حمدوك يقول عبد الله إنّه (بالنسبة لوزيرة الشباب والرياضة ولاء البوشي ووزير الأوقاف، أنا انتقدت بعض تصرُّفاتهما، ولكن لا يحق لي أن أقول إنهما لا يصلحان كوزيرين بصورة مطلقة، لأنني لست مُلِماً بكل تفاصيل الأمور، ولم أدرس سيرتهما الذاتية)، ويمضي عبد الله في القول، إنّ الشهادة وحدها لا تكفي وكذلك الخبرة وحدها ولا حتى المعايير الشخصية والسلوكية وحدها تكفي، لذلك ظهر مفهوم الكفاءة الجماعية ليكمل النقص الموجودة في كل شخصية.

أصحاب فكر سياسي

الخبير الاقتصادي د. هيثم محمد قال لـ(الصيحة)، إنّ الكفاءة هي خليطٌ من المهارة والمعرفة وضبط السلوك ضمن الضوابط المطلوبة للعملاء وأداء الأعمال بطَريقةٍ صَحيحةٍ، أي القدرة على تحقيق الأهداف المُحَدّدَة في زَمنٍ مُحَدّدٍ مع مُراعاة جودة المخرجات وهي أساس نجاح المُؤسّسات ولها أهمية في إظهار جودة المَخرجات ودعم الخبرات وهي المُكوِّن الأول للخبرة، لكن الخبرة تتطوّر نتيجةً لتراكُم الكفاءات الشخصية والاجتماعية والاقتصادية.

وبخُصُوص وزراء الحكومة الانتقالية، يقول د. هيثم إنّ الكثيرين عولوا عليهم، خاصّةً عندما أعلن عنها كحكومة تكنوقراط لمُعالجة كَثيرٍ من الترهُّل الوزاري تزامناً مع دمج كثير من الوزارات والمُؤسّسات والهيئات الحكومية، لكن فُوجئ المراقُبون أنّها حكومة تجمع أصحاب الكفاءات والخبرات والولاءات، لكن يجمعهم أنهم أصحاب فكر سياسي.

بخُصُوص وزير التجارة والصناعة هي أهم الوزارات، لأنها تشمل التجارة والصناعة والصادرات والواردات، حتى الآن توجد قرارات من الوزارة ولكن ليس لها أيِّ أثر في حل الضائقة الاقتصادية، يُمكن أن يكون للوزير بعض الخبرة، لكن ليست لديه الكفاءة، إضافةً لذلك يطغى عليه النشاط المُجتمعي والطوعي، وأهم مقياس لهذه الكفاءات أو الخبرة أو تحديد مهام الوزير هو النتائج، بمعنى الجميع ينتظر المخرجات والبصمات، دائماً تظهر خلال الأشهر الأولى لعمل الوزير في نتائج وليس قرارات وفي التنفيذ وليس في رسم سياسات.

(برّه اللعب)

أمّا الكاتب الصحفي عبد الماجد عبد الحميد ورئيس تحرير صحيفة “مصادر” فبدأ حديثه معي بقوله: (الكفاءة معناها القُدرة على أداء العمل المعني وخاصةً الفني بمعرفة ومهارة صالحة، إضافةً للابتكار أيّ إضافته الخاصّة التي يضيفها في المجال المعني، عندما أتحدّث عن حكومة كفاءات في هذه الفترة، معناها أنا أتحدث عن حكومة لديها برنامجٌ واضحٌ على الأقل مُقنع للمُختصين في مجالهم حتى المُعارضين للحكومة)، ويمضي إلى القول بأنّ أيّ حكومة في العالم لديها برنامج اقتصادي حتى إذا اختلفت معه تحترمه، ولكن هذه الحكومة ليس لديها برنامج من الأساس لا على مُستوى المُكوِّن السياسي ولا على مُستوى الوزراء، الحكومة كجهاز تنفيذي يجب أن تكون لديها فكرة غير المُكوِّن السياسي وهذا غير موجودٍ، وبالتالي الكفاءة بمعنى المعرفة والمهارة والإضافة لم تتحقّق في أيٍّ من الوزراء الموجودين الآن، وليس هذا افتراءً عليهم ولكن يُصدِّقه الواقع، حمدوك مثلاً كرئيس للوزراء ماذا أضاف رغم تجربته الدولية؟ لم يضف شيئاً! وزير المالية حتى الآن لم يخرج من المفهوم الليبرالي لإدارة الاقتصاد، ولا تجربته كمُوظّف في البنك الدولي أضافت شيئاً.. وزيرة الشباب والرياضة ليست لها علاقة بالملف.. الخارجية نحن (برّه اللعب).. مجلس الوزراء أيضاً.. وزير الأوقاف أول مرة يشتغل وزير غرقان في تفاصيل لا قيمة لها ولا علاقة لها بالموضوع الرئيسي وبالتالي لا يُمكن القول إنه وزير، بل لا يصلح كمدير إدارة.. الوحيد الذي طرح رؤية يُمكن الاختلاف حولها هو مدير المناهج وحتى لو اختلفنا حولها ولكن هذا يعني أن لديه فكرة في رأسه، كان يريد تغيير المناهج، هذا الوحيد الذي يمكن الحديث معه وكان يفترض أن يأتي كوزير لأن الوزير (برّه اللعب).

هذه هي المخرجات

إذا كانت الكفاءة هي المُقارنة بين المدخلات والمخرجات، فإنّ الخبير الاقتصادي في صندوق النقد والبنك الدوليين د. التيجاني الطيب قَدّمَ المخرجات لقناة “الجزيرة” فقال إنّ الدولار اليوم 105 جنيهات ومتوسط التضخم للعام 2019 هو 53% والأسعار ارتفعت في الأشهر الأربعة الأخيرة من يناير إلى نوفمبر بمُعَدّل 39% وفي الفترة من أغسطس إلى نهاية العام بمُعَدّل 15% مِمّا يعني أن وتيرة التضخُّم أسرع في الأشهر الأربعة الأخيرة مِمّا كانت عليه في كل الفترة من يناير وحتى أغسطس، هذا الفشل واضحٌ جداً ليس في الدولار، لأنّ الدولار ليس هو كل المُشكلة، بل هو انعكاسٌ للمُشكلة الأساسية، هي عدم التوازُن في الاقتصاد الكلي، لأنّ السودان ليست له رؤية اقتصادية لأسباب عدة، لأننا لم نبن أسساً سليمة، ولم نُطبِّق خلال الـ60 عاماً الماضية نمطاً تنموياً مُعيّناً لينمو وينهض من دائرة التخلُّف، كل الحكومات التي حكمت السودان أتت في الواقع دُون رؤية وبدأت تعمل رزق اليوم باليوم، الحكومة الحالية عندما أتت ببرنامج السياسات البديلة أحسن تجربة لها هي مُوازنة 2020، فإذا نظرنا لأجزائها أنّ العجز فيها نَاتجٌ على الصرف غير التنموي أعلى من العجز الذي تركته الحكومة السابقة، وإذا أتينا للعجز الكلي زائد التنمية وهو حسب تصريح آخر لوزير المالية حوالي 70 مليار جنيه وحسب الميزانية 60 ملياراً، لأنّ الميزانية كانت مبنية على زيادة أسعار البنزين وهذه أُلغيت أو أُجِّلت مُقارنةً مع عجز يساوي 54 ملياراً لمُوازنة 2019، مُعَدّلات التضخُّم ستزيد أكثر لأنّنا ما زلنا في الصرف الاستهلاكي، وما زالت عملية التنمية هي تحصيل الحاصل، زيادة موازنة التنمية من 22 ملياراً إلى 24 ملياراً لا تعني شيئاً لأنّها لا تزيد عن 500 مليون دولار في بلدٍ تعداد سُكّانه 43.7 مليون، إِضَافَةً إلى أنّ الغالبية العُظمى من السكان تنمو بمُعَدّل 2 – 3%.. التجربة الأولى للسياسات البديلة ليست بها أيِّ سياسات أو أرقام، بل هي (منفستو سياسي)، لكن حتى من الزاوية الاقتصادية في كيفية التعامُل مع المشاكل فهي بعيدة كل البُعد، لأنّ السودان يُعاني من الإنفاق الزائد في القطاع العام، أي أنّ الحكومة تنفق أكثر من إيراداتها.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى