الشاكوش!!

لمُبارك الفاضل مَقولة مُلسنة حَول الرّئيس السّابق عمر البشير أطلقها في إحدى مراوحاته مَا بَين القصر والمُعارضة:

(البشير دا زي الشاكوش المختوت في تربيزة حولها عَدَدٌ من الأشخاص، أول زول بيقدر يَصل ليهو بيخبط الباقين).

وأظن أنّ واحدة من أكبر الصفات المعروفة لدى البشير أنّه يمتلك (أضان كبيرة)، ولذلك يحرص الذين من حوله أن يباعدوا بين أُذنه وأعدائهم.. شَهِدَت أروقة وكواليس القُصُور الرئاسية إبان عهده صراعات مُحتدمة وحَامية الوطيس من لَدُن (فضل بدري) و(سبدرات) و(طه) و(أيمن المامون) و(الشريف) و(أسامة) وصلاح قوش في نسختيه الأولى والثانية.

في ثنيات هذا الصراع غابت المُؤسّسية، وأجهد الشاكوش نفسه في سنواته الأخيرة مَا بَين اليومي والمُؤقّت و(دفن الليل أب كراعاً برّه).. حتى ختمها وفي وقتٍ واحدٍ وبغباءٍ لا يُجارى بإعادة مديري جهاز الأمن والاستخبارات والمخابرات العسكرية في خطوةٍ وُصفت بأنّها مَجنونة.. وهي الخطوة التي مثّلت قَاصمة الظّهر وانتهت به حَبيساً في كوبر.

البشير لم يكن قادراً وبعيداً عن مُؤسّساته – التي حَرِصَ عَلَى تَدجينها – على الرؤية السَّليمة واختيار مَن حَوله، وكَلّما اختار أحداً (جاطت) المسألة أكتر، لأنّ الجديد مفروض أن يكون (مُرَيّسَاً لا مُتيّسَاً) ستُتاح له فُرصَة تَحريك (كَرّاكاته) ليزيل كل الرّكام و(الوَسَخ) الذي صنع سلفه دُون النّظر أو الاهتمام لِمَا تَقتضيه المَصلَحَة والهَــــــــــمّ العَــــــــام.

عَمّت هذه اللّعبة الصِّبيانيّة المُفرغة، واشتكى من وَطأتها الكَثيرون رغم مُشاركتهم الواعدة فيها.. وأصبح المَنصب (ضُل ضُحَى) لا أسبابٌ منطقية لمنحه أو تجريده.. فقط أهواء الشاكوش و(أضانه الكبيرة).

كبرت الهوّة ما بين البشير والمُؤسّسية، خَاصّةً بعد أن استعان اللاعبون بتلك المُؤسّسات في تدبيج وتلفيق الأدلة و(تزويقها) لتُقدّم للرئاسة وفق سلسلةٍ (لا مُؤسّسية) يقف على أبوابها (إخوة البشير) حُرّاساً وسماسرة.. ضَاعَفت تلك الطَريقة في إدارة الشأن العام في مَأساتنا وإضَاعَة أوقَاتٍ ثَمينةٍ من عُمر الشّعب السُّوداني وسَمَحَ للمُتردية والنطِّيحة وزُمرة الكَسالى عن الركض النبيل، بل وحَتّى الخَوَنَة من الدُّخول إلى تلك الدُّوائر المُهِمّة وإشغالها بما هو ليس مُهِمّاً.

ليستمر الشاكوش في حصد الرؤوس وِفق خوارزمياته الشريرة فيفقد ذات صباح (جمال الوالي) كل أراضيه وكل حُظوظه الظاهرة وحظوته المُمتدة على نحو أرعب الوالي نفسه وهو لا يعرف حتى الآن الأسباب الحَقيقيّة وراء كل هذه المُنَافَرة.. ومثله (أسامة عبد الله) الذي مَا طَارَ وارتفع إلا وكَمَا طَارَ وَقَعَ.. والقائمة تطول لقائمة مُنسدلة من شخصياتٍ (سَاطَت ثُمّ بَادَت) لا تنتهي عند (عبد الغفار الشريف)، الذي قَابلته لأول مَرّة وَكَانت نَفسها المرة الأخيرة التي أراه فيها.. قابلته قبل عشر ساعات من اعتقاله والتمست منه (أن يتخارج) ويُقدِّم استقالته، وأردفت مُشيراً إلى قُوش والذي كَانَ يَتَحدّث في المَنَصّة أمامنا:

– (الزول دا ما بَخَلِّيك).

كان الشريف يومها معولاً على تَفَاهُمات سَابقة جَرَت بينه وبين قوش، ومُتكئاً على تعهُّدات مُوثّقة من البشير نفسه لكن ذلك كله لم ينفعه.. فتلك أمّة كما يقول الشارع:

(لا بيمسكها عهد ولا حليفة).

إنّ السُّلطة المُطلَقة لا شَــــــــــكّ مَفسَـــــدة مُطلقة.. ولو ترك البشير أمره لمُؤسّساته ووثق فيها لنجح في تَوريثنا دولة تَستحق الاحترام ويسيرة التّدَاوُل والانتظام.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى