ضلالات وخداع الخطاب العلماني ـ1ـ

 

من أبجديات أصول الخطاب بصورة عامة،  أن يستخدم اللغة الواضحة السهلة المألوفة للمخاطب الموجهة إليه الرسالة، وأن يراعى الخطاب الظرف الزماني والمكاني للمُخاطَب، وأن يحترم الخطاب عقل وثقافة وقناعات المخاطب الفكرية والعقدية، وأن ينتهج الخطاب النهج العلمي والموضوعي القائم على قوة الحجة والبرهان ومنطقية الاستدلال، وأن يتسم الخطاب بدلائل الإقناع وأصول الحوار والمجادلة الموضوعية، وأن يتجنب الخطاب ممارسة التهديد اللغوي عبر عنف اللغة في غير موضعه، وأن يبتعد عن أسلوب الوصاية والإرهاب الفكري، وأن يلتزم الصدق والأمانة العلمية في النقل والشواهد والتوصيف والمقارنة والمقابلة التاريخية للأحداث والوقائع، وأن يكون جاداً ومسؤولاً وأميناً يبحث عن الحق والحقيقة، ويلتزم بالإنصاف مع الآخر المخالف، وأن يدعو إلى العدل والاعتراف بالتنوع ، واحترام واقعية الغالب، واعتبار واقعية الأقلية، وأن ينطلق الخطاب من أصول ولوازم البيئة والهوية الجامعة للمخاطب، والحاضنة الاجتماعية والثقافية والحضارية، أي بتعبير آخر ألا يكون الخطاب مستورداً من بيئة أخرى غريب الفكرة واللغة والثقافة،  والوجه واليد واللسان،  وغير ذلك من مواصفات الخطاب العلمي الموضوعي، وإلا صار الخطاب صورة مشوهة مبتذلة يعبر عن الضعف والوهم ومشكلات نفسية داخلية، وهروب من الواقع والمواجهة.

من ينظر اليوم برؤية المهتم والمتتبع بحصافة وتمحيص لا يجد معاناة فى اكتشاف زيف وضعف وخداع الخطاب العلماني سواء أكان على مستوى العقيدة في إثبات وحدانية الله تعالى، وتناسق الكون، ووحدة دائرة المعرفة الجامعة بين الإنسان والطبيعة والكون المنتهية إلى علم الله الواحد الخالق رب العالمين، أو في مجال اليقين بشواهد البعث والنشور والعرض والحساب. أو الخطاب في مجال الفكر السياسي المتخبط الذي لم يهتد بعد إلى حقيقة شمولية الخطاب الإسلامي القرآني والنبوي الذي تضمن المفاهيم والمعارف المختلفة في العقيدة والثقافة والفكر،  والحضارة والتاريخ،  والسياسة والاقتصاد والاجتماع، والطبيعة والإنسان والكون، ويفتقد الخطاب العلماني شجاعة الطرح عند الحوار والمناظرة والمجادلة، ويأرز إلى الهروب عند مطالبة الآخر له بتأصيل الأدلة والشواهد والحجج والبراهين، وينتهج الخطاب العلماني وسائل التأثير العاطفي والوجداني والهرج والتلفيق، ويجيد أسلوب التضليل والتهويل ويتقنه، ويتبع أساليب الخداع والغش والكذب في سياقات الشواهد واستدعاء جذور التاريخ للتوثيق والتحرير، ويبحث الخطاب العلماني دائماً عن بيئة القوقاء المتحمسين بغير وعي ومعرفة،  أو بيئة أنصاف المثقفين الذين يسهل اصطيادهم بخبث ويسر، ويعمل الخطاب العلماني في الظلام والأوكار، وهو دائماً في حرب مستمرة على القيم والفضائل والشرف والأخلاق النبيلة والمكارم، وهو داعية إلى الحرية الغامضة غير المسؤولة  والرذائل،  وركوب موجات الموضة والتغريب المستوردة حلوها ومرها دون فصل وتمحيص واختيار ولا يمل ذلك، والخطاب العلماني يسعى دائماً أن يخلق نزاعًا وصراعاً وتضادًا بين النقل والنص في الخطاب القرآني والنبوي من جهة،  والعقل الإنساني من جهة أخرى، ليحدث القطيعة والتشكيك والتضليل، وهذه أكبر وأعظم أهداف الخطاب العلماني الفكري والسياسي الذي يتبنى خطيئة فصل الدين عن الدولة والحياة،  ويتوارى ويتهرب من حقيقة تاريخية فاشلة كانت وراء خروج هذا التصور القاصر العاجز،  وهذا ما نكشفه في مقالنا القادم بعون الله تعالى.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى