هل تمرّدت هيئة العمليات؟

عاشت البلاد بأسرها والعاصمة القومية الخرطوم خاصة ساعات حرجة وعصيبة بعد إعلان نبأ تحرك هيئة العمليات السابقة بجهاز الأمن والمخابرات الوطنى المحلولة، وتضاربت الأنباء والآراء في أوساط الرأي العام، فبينما ذهب فريق من المحللين أن الخطوة عبارة عن مقدمة انقلاب من داخل الأجهزة الأمنية، ذهب فريق آخر أن الأمر مجرد اعتصام ووقفة احتجاجية للمطالبة بحقوق شرعية تأخر الإيفاء بها من قبل الدولة، بينما سكتت أجهزة الدولة الرسمية فترة طويلة لا تحتمل في مثل هذه الأوقات وأمام أزمة أمنية داخل عاصمة البلاد،  روعت الشارع العام، وأوقفت الحركة العامة في جزء كبير شمل مناطق حيوية واستراتيجية، مما ترك فرصة كبيرة أمام الشائعات والتلفيقات والتحليلات الشعبية المختلفة التي كان معظمها ساذجاً وعفوياً وغير محترس ينطوي على ضرر كبير يخلق فجوة وثغرة في منظومة الأمن القومي، وهو أمر خطير غفلت عنه الدولة، لأن مثل هذه المواقف والأحوال لا يقتضى أن يتأخر إعلان وإعلام الدولة في الكشف السريع عن طبيعة المشكلة حتى لا يترك الأمر للتخمينات والشائعات المضرة. 

عملية هيئة العمليات بدأت منذ وقت مبكر شاهدها وتابعها عدد من المواطنين الذين مروا مبكراً بتلك المناطق في طريق توجههم نحو أعمالهم، وتطور الأمر بعد فترة قصيرة إلى تعطيل حركة الملاحة الجوية في مطار الخرطوم، وهنا لابد أن نشير إلى مسألة فى غاية الأهمية، وهي أهمية التفريق بين مصطلحين هما (تعطيل الملاحة الجوية) في المطارات، و(إغلاق المدار الجوي)،  ولعل المصطلح الأخير تترتب عليه نتائج خطيرة على الأمن القومي، ومبدأ السلامة الجوية التي تتصل بمصالح الوطن العليا، ولذلك غياب المعلومة الرسمية المبكرة يربك الموقف، ويزيد الطين بلة، ورغم ذلك، فقد جاءت تصريحات السيد وزير الإعلام فيصل محمد صالح الأولية ـ وإن تأخرت بعض الوقت ـ إيجابية ومتوازنة بعض الشيء.. غير أن حديث الفريق أول شمس الدين كباشي عضو مجلس السيادة،  وهو رجل كبير ومهم فى القوات المسلحة أن هيئة العمليات تمردت، وأن هنالك تقصيراً في الترتيبات الأمنية وضع علامات استفهام عديدة، منها ما هي الإجراءات الأمنية والإدارية والفنية التي صاحبت عملية حل هيئة العمليات بجهاز الأمن والمخابرات الوطني لمجموعة كبيرة يبلغ عددها حوالى ثلاثة عشر ألفاً تم تدريبها وتأهيلها وإعدادها وتسليحها بصورة متقدمة، ولا يستطيع أحد أن ينكر أن هيئة العمليات بجهاز الأمن والمخابرات الوطني قد لعبت دوراً وطنياً مهماً وإستراتيجيا بجانب القوات المسلحة والدعم السريع في مناطق العمليات  والحدود، ومكافحة جرائم داخلية وخارجية كثيرة تستحق عليها الاحترام والتقدير، ولعل معالجة مثل هذه المشكلات ينبغي أن يتم في إطار حوار ومفاوضات وترتيبات بين قيادات الأجهزة الأمنية المختلفة بعيداً عن جهل كثير من المدنيين بطبيعة مثل هذه التحديات، لأنها متعلقة بالأمن القومي، فلا تصلح فيها الأقوال والمواقف والتحليلات الثورية أو الحماسية الانفعالية، وإلا دفع الوطن ثمن بوادر هذا التنازع بين الأجهزة النظامية والأمنية، ولذلك ندعو قيادات الأجهزة النظامية في القوات المسلحة، والدعم السريع، وجهاز الأمن الوطني الالتقاء لمعالجة الوضع الداخلي بعيداً عن أي تصور ثوري أو مدني، لأن الأمر يمس الأمن القومي وفيه بعض المسائل لا تحتمل تصريحات الهواء الطلق وأمام أجهزة الإعلام والصحافة.

جهاز الأمن الوطني أكد أن منسوبي هيئة العمليات اعترضوا على قيمة المكافأة وفوائد ما بعد الخدمة، فلماذا لا يعالج هذا الأمر إدارياً وفنياً من سلطة القوات المسلحة والأجهزة النظامية من قبل الدولة، ولا شك في أن هناك قانوناً ولوائح تنظم هذا الجانب، والقوات المسلحة أكثر الجهات تمتاز بالتراتيب الإدارية والنظم الفنية…. وأي حديث حول أن مثل هذه المشكلات لا تؤثر على مسيرة الثورة يعد حديثاً فطيراً يفتقد الموضوعية والخبرة، ولعل هذه الحادثة تنبه إلى وضع آخر لتنظيمات أخرى ماذا فعلت الدولة بتراتيبها منها،  منسقيات الخدمة الوطنية والدفاع الشعبي والشرطة الشعبية، التي تم دمجها وتسريح بعضها مثلها مثل هيئة العمليات، فهم أبناء هذا الوطن وأبناء هذا الشعب وكانت لهم صولات وجولات إلى جانب القوات المسلحة والأجهزة الأخرى أبلوا بلاء حسناً يوم كان بعض أبناء السودان يريدون هدم السودان عبر السفارات والمنظمات والتقارير الكاذبة! وهذا أمر تدركه القوات المسلحة والشرطة والأجهزة الأمنية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى