مرضى الإيدز.. ليس الألم وحده

فواتير قاسية من العذاب يدفعها المرضى بأمر القدر والمجتمع

مريضة تحكي بألم: المرض نقله لي زوجي والمجتمع والفقر قهراني

 

أحلام سلمان

مرضى الإيدز رغم الحملات التثقيفية ما زالوا يعيشون في مربع الوجع الأول بسبب فهم المجتمع القاصر في التعامل معهم،  وما زال البعض يظن أن التعامل الحياتي العادي مع هذه الشريحة يمكن أن ينقل هذا المرض رغم الحملات التثقيفية الواسعة عن طرق انتقال المرض، ومن جهة أخرى هنالك من انتقل إليهم المرض دون ذنب  مثل أن يكون انتقل إليهم من الطرف الآخر في العلاقة الزوجية، ومع ذلك يجرمهم المجتمع ويسقيهم كأساً من العذاب النفسي الذي لا يطاق .

دعونا نستمع في هذا الجزء إلى حكايات موجعة من خلال الحديث لبعضهم.

انتقل إلي من زوجي الراحل

 تقول السيدة الشابة (لم يخطر في بالي إطلاقاً أن قصة زواجي التي كانت تشبه قصص ألف ليلة وليلة ستنتهي على هذا النحو المأساوي، فقد بدأت فصول المأساة عندما رآني رجل ثري في حفل زفاف، وكان الأمر أشبه بالخيال حينما أخبروني بعد ايام أنه تقدم للزواج مني دون بقية البنات الجميلات، فقد كنت عادية في مظهري، وتم الزواج في تفاصيل يصعب نسيانها، فقد كانت تكلفة الزواج باهظة، ولم يدخر شيئاً في سبيل إسعادي، وعشت حياة كلها بذخ أنجبت خلالها البنين والبنات، لم يعكر صفوها أحساسي ببعد زوجي عني وهواتفه الكثيرة وخروجه أغلب الوقت من البيت وسفرياته الكثيرة إلى أن حدث الأمر فجأة حينما مرض زوجي وتم احتجازه بمستشفى كبير في دولة أجنبية، ولم يكن في بداية الأمر يريدني أن اسافر إليه، ولكنني أصررت على السفر ليتفاجأ بي أمامه وتفاجأت وقتها من أمرين، الأمر الأول غضبه العاصف حينما تفاجأ برؤيتي أمامه والثاني هزاله الشديد وهنالك في ذلك المستشفى أخبروني بحقيقة مرض زوجي لتظلم الدنيا أمام وجهي وسقطت مغشياً علي، وحينما أفقت أجروا لي فحصاً للمرض واتضح أنه انتقل إلي من زوجي ومن وقتها تغيرت نظرة المجتمع لي أصبحت نظرتهم تجريمية، وشربت المر من هذا الكأس حتى أقرب الأقربين نبذوني وأصبحوا يتجنبوني، وعندما أجلس في مكان في مناسبة اجتماعية إلا وينهض الكثيرون وأرى نظراتهم التجريمية وهمساتهم، الأمر الذي دعاني إلى أن لا أخرج من البيت وأنتظر قدوم الموت وهو الراحة التي أنتظرها.

 قهر المجتمع والفقر 

بطل قصتنا الثانية رجل في نهاية الخمسينات، ولكن مظهره يبدو كأنه تجاوز المائة عام، شديد الهزال يكسو محياه شيء من القهر والألم، بدأ يحكي قصته قائلاً:

(كانت أرملة جميلة جداً حينما تزوجتها وعرفت أن زوجها كان يعمل في وظيفة تتعلق بالحروب، وأنه توفي بعد أن تزوجها بعام أو يزيد، بعدها جاءت لهذا البلد الذي اعمل به وعملت في نفس المكان الذي أعمل به وأحببتها من أول نظرة، وطلبت الزواج منها ولكنها في البداية رفضت، وبعد إصرار مني وافقت، ولكن بعد عام من الزواج حدث أمر غريب فقد أصررت أن نذهب للطبيب معاً بعد أن تأخر الحمل، ولكنها ارتبكت ولاحظت عليها الخوف الشديد ورفضت، وفي أحد الأيام ضبطتها وهي تتناول حبوباً وحينما رأتني خافت حتى سقط الكوب عن يدها وأسرعت لأخذ الحبوب لأرى الأمر، ولكن تفاجأت بأنها كانت تصارعني حتى لا آخذ الحبوب، وفي النهاية انتزعتها منها لأتفاجا بأنها حبوب منع الحمل، ولاحقاً عرفت بأنها مصابة بمرض الإيدز، وأوضحت لي أنه انتقل إليها من زوجها المرحوم، فطلقتها وغادرت البلد لأعود للسودان، وهنا عرفت بأنني مصاب بمرض الإيدز بعدها اسودّت الدنيا في وجهي، وضعفت مقاومتي وأصبحت عاجزاً عن العمل وأحيانا كثيرة أفشل في توفير ما يسد رمقي، وأصبحت كما ترين الآن هجرني الأقارب والأصدقاء، فما أن يعرف شخص انني مصاب بالمرض إلا ويبتعد عني لتضاعف نظرة المجتمع معاناتي وصاروا يعاملونني كمجرم، حتى وصل الأمر أن زوجة أخي خطفت طفلها مني، ورفضت أن تترك أطفالها يأكلون معي أو حتى أن يصافحوني، لم أنتظر حتى تطردني، وأصبحت لا أزور أو أقابل أحداً، حتى تم حجزي في هذا المستشفى الحكومي في عنبر معزول، ومعي آخرون ننتظر الرحمة في قدوم الموت، ولاحقاً علمت  أن زوجتي في ذلك البلد قد تزوجت بعدي وجاءت لتعيش هنا في السودان.

منفى بأمر المجتمع

بطل القصة الثالثة كان مظهره متماسكاً أو ربما هكذا يبدو  لكنه أفضل حالاً من الآخرين ويتحدث بتماسك، ولكنه بعد قليل انفجر باكياً وهو يقول (أعيش في منفى بأمر المجتمع في حالة ترقب مثل المحكوم عليه بالإعدام وكأن بعد هذا المرض لا جديد يطرأ على حياتنا غير الموت أنا لا أزعم بأنني ملك منزل من السماء، ولكنني لم أكن شيطاناً، ذلك لأني جاريت شباباً فاسدين في الدولة الأجنبية التي كنت أعيش فيها، وهناك تعلمت منهم الذهاب إلى أماكن الملذات لأكتشف بعد موجة من الأمراض أنني مصاب بمرض الأيدز، وعدت كي أبحث عن الدعم المعنوي والنفسي لدى أهلي، ولكنهم ردموا ما تبقى من حب الحياة في نفسي ومارسوا كل أنواع القمع الروحي والنفسي والاجتماعي حتى أصبحت حطاماً، ولكن الحمد لله تداركت الأمر وعدت إلى الله عز وجل الرحيم وحدثت نفسي بأن الله سبحانه وتعالى أراد لي الخير حتماً طالما أنه عاقبني في الدنيا فهنالك الكثيرون ممن عاثوا في الأرض فساداً وظلماً ولم يصابوا بمرض ولا أزمة فهذا في حد ذاته يدل على أن الله يؤخر عقابهم في الآخرة، وأدركت أن تعجيل عقابي في الدنيا الفانية بلا شك هو رحمة، لذلك تماسكت قليلاً وأكثرت من اللجوء إلى الله وما أحلى العودة إليه، وأنا الآن الحمد لله راضٍ بما كتبه  لي وأتطلع إلى رحمته الواسعة.

زوجي سبب عذابي

كانت تبدو وكأنها على شفا جرف هارٍ، وكانت تعيش في وجع لا ينتهي، ويبدو الخوف الشديد عليها، وهي تحكي قائلة:

(أخرجني أهلي من المدرسة وأنا ابنة خمسة عشر عاماً بسبب الفقر وزوجوني لرجل يكبرني بأربعين عاماً وكان متزوجاً قبلي وليس له أطفال وأقنعت أهلي أن السبب في عدم الانجاب يعود إلى زوجته، وبدوا كأنهم كانوا يريدون تصديقه بعد المال الكثير الذي أغدقه عليهم وسرعان ما كنت في بيته لاتفاجأ بأنه زير نساء وكان يجاهر بأفعال السوء واستمر زواجنا خمس سنوات ولم أنجب فنعتني بالعاقر وتزوج من أخرى، وبعد شهور من زواجه مرض ليتضح لاحقاً أنه مصاب بالإيدز منذ أعوام وأن المرض انتقل إلي وإلى زوجتيه، لكنه توفي بعد فترة بسيطة وعدت إلى أهلي أبحث عن الأمان، ولكن نظرة المجتمع دمرتني فالجميع يعاملونني كأنني مجرمة، فأحسست كأنني أموت ألف مرة في  اليوم الواحد.

+++++++++++++++++++++++++++++++

ثقافة نشر الإحباط.. مرارات مستبطنة وإسقاطات سلبية

أجرته عائشة الزاكي

من المعروف أننا كسودانين حبانا الله باجواء ساخنة بسبب سطوع الشمس وارتفاع درجات حرارتها العالية، فتغير على إثرها  سلوك شخصيات الكثيرين منهم بالطاقة السلبية فانعكس ذلك على وجوه البعض بالعبوس والتبرم رغم أنه يكمن بداخلهم غير ذلك، هذا الشيء يبدو واضحاً في  المظهر العام ويتمثل في اختيار لون الملابس والاهتمام الواضح في وضع المكياج لدى المرأة، ولكن قد يأتي أحد فيعلق تعليقاً سلبياً على مظهر صديقه الأمر الذي قد يكون  له مردود سلبي على حالته النفسية ويصيبها بقدر من الإحباط ربما تكون له انعاكسات سالبة في حالة تكرارها على الصعيد الاجتماعي، ويترك أثراً يلازم الشخص لفترات طويلة يصعب التخلص منها. (الصيحة) أجرت استطلاعاً واستنطقت  نفراً من المواطنين وخرجت بالإفادات التالية.

آمنة عمر (طالبة جامعية)  ابتدرت الحديث قائلة: إن الاحباط موجود  بكثرة في مجتمعنا، وكذلك نقص ثقافة إعطاء الطاقة الإيجابية للآخرين، ونحن في الجامعة لا يمكن أن يمر يوم  دون أن تلتقي ببعض المحبطين سواء كان على الصعيد الأكاديمي أو المظهر العام، وهذا الإحباط يزيد الضغوط الاقتصادية والظروف المعيشية الصعبة التي نعيشها.

 وأضافت: نحن كطلاب هذا الإحباط يؤثر علينا في التحصيل الإكاديمي، وربما يكون سبباً رئيساً في رسوب الكثير من الطلاب.

(ع. م) علق قالئاً: يحدث الإحباط في كل تفاصيل حياتنا اليومية وليس هنالك من يعطيك ذرة تفاؤل أو إشارة فرحة حتى على صعيد المحادثات الهاتفية، حيث يستقبل المتصل عليك بفتور أو اشمئزاز على سبيل المثال (نعم، مرحباً) بكل جفاف نأمل من مجتمعنا أن يتعامل بقليل من روح الأمل والتفاؤل وأناشد  كل الأسر بتحفيز الطلاب باستخدام كلمات الود والوئام، وأضاف أن الإحباط أثره واضح في اللحظة ويكون آنياً.

كما قالت حواء عثمان (ربة منزل) إن زوجها يعلق سلباً على ما تقدمه له من الطعام رغم المجهود الكثير الذي بذلته في إعداده، بجانب القيام بالواجبات المنزلية الأخرى  يجعلها في حالة غضب لدرجة أنها في إحدى المرات ألقت (حلة) الملاح بكاملها في الزبالة، وأضافت أن الأحباط يترك مفعولاً حتى اليوم التالي بالإضافة إلى أداء المهام المنزلية بما فيها الطبخ.

بينما ترى هبة صديق أن الإحباط الذي تواجهه من المجتمع يتمحور في تعليقه على  عن النحافة والسمنة وكذلك في التعليقات اليومية حيث يفاجئك البعض بحديث عن اسمرار اللون أو يشير إليك بقوله (مالك الليلة كدا) مما قد يسبب هاجاساً خاصة في ظل الظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد والضغوط المترتبة عليها، وأتمنى من هؤلاء المحبطين التقليل من هذا الإحباط  وخاصة في الشارع العام، فالفترة المقبلة تتطلب أجواء معافاة لكي تسير الأمور بطريقة سليمة خالية من الإحباط ملأى بالمعنويات والطاقة الإيجابية.

رأي علم النفس

يرى الأستاذ  بعلم النفس محمد عبد الرحمن ان الإحباط شعور يلازم الشخص نتيجة للفشل أو من بعض الأشخاص الذين تخصصوا  في نشر التعليقات السلبية المحبطة التي قد تؤدي أحياناً الى مرض جسدي في حالة تفاقم موجات الإحباط التي يرسلها الآخرون سواء كانوا من أصدقاء  العمل أو من الشارع كما تؤدي إلى الإصابة بالتوتر الذي يدفع المرء للاستسلام والشعور بالعجز والرغبة في الانطواء، إضافة إلى أن الإحباط يعوق تقدم الفرد في مواصلة الحياة ويجعله مكبلاً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى