دراسة التاريخ

*عُرِف الحجّاج بن يوسف الثقفي ببطشه وجبروته خاصة حينما ولي العراق، حيث قال في بداية عهده بالحكم مقولته المشهور ” أما والله فإني لأحمل الشر بثقله وأحذوه بنعله وأجزيه بمثله، والله إني لأرى رؤوساً قد أينعت وحان قطافها، وإني لصاحبها، والله لكأني أنظر إلى الدماء بين العمائم واللحى”، كان الجميع يخشى الحجاج وبطشه عدا التابعي سعيد بن جبير وحينما أمر الحجاج بقطع رأسه لم يدم في الحكم كثيراً ومات بعدها.

*بطش الحاج استمده من من شيئين أولهما غضبه على جنود عبد الله بن الزبير بن العوام والذي كان أميراً للمسلمين في مكة ومن الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان الذي قطع الكثير من رؤوس المسلمين وفي مقدمتهم ابنا الصحابي الجليل الزبير بن العوام من زوجته أسماء بنت أبي بكر الصديق”مصعب وعبد الله”، الخليفة الأموي في سبيل تثبيت حكمه قتل الكثيرين وفي عهده رميت الكعبة المشرفة بالمنجنيق من قبل جيوش الحجاج وعلق جسد عبد الله بن الزبير على بوابة مكة المكرمة.

*انتهى عهد الأمويين بقتل جميع أمرائهم ولم ينج من العباسيين سوى القليل منهم الذين احتموا بمصر وتونس وبعضهم هاجر إلى الأندلس بعد أن أسس عبد الرحمن بن معاوية دولة الأمويين في قرطبة.”القتل والحقد لا يولد إلا مزيداً من القتل والأحقاد”.

*المناضل الجنوب أفريقي ورئيس جنوب أفريقيا الأسبق نيلسون مانديلا، قال في مذكّراته: بعد أن أصبحت رئيساً، طلبت من بعض أفراد حمايتي التّجوال معي داخل المدينة مترجّلين.

دخلنا أحد المطاعم، فجلسنا في أماكننا وطلب كلّ منّا ما يريده من طعام.

*في الوقت الذّي كنّا ننتظر العامل أن يحضر لنا الطّعام وقع بصري على شخص جالس أمامي ينتظر بدوره ما طلبه.

قلت لأحد أفراد حمايتي: “اذهب إلى ذلك الرّجل واطلب منه أن يأتي ويشاركنا الأكل على طاولتنا”. 

*جاء الرّجل فأجلسته بجانبي وبدأ كلّ منّا في تناول غذائه، كان العرق يتصبّب من جبينه ويده ترتجف لا تقوى على إيصال الطّعام إلى فمه، بعد أن فرغ الجميع من الأكل وذهب الرجل في حال سبيله، قال لي حارسي الشخصي “الرّجل الذي كان بيننا تظهر عليه علامات المرض  فقد كانت يداه ترتجفان ولم يستطع الأكل إلاّ النّزر القليل”.

*فأجبته لا.. أبداً، ليس كما ظننت. هذا الرّجل كان حارساً للسّجن الانفرادي الذّي كنتُ أقبع فيه، وفي أغلب الأحيان وبعد التّعذيب الذّي يمارس عليّ، كنت أصرخ وأطلب قليلاً من الماء، فيأتي هذا الرجل ويقوم بالتبول على رأسي في كل مرة، لذلك كان يرتعد خوفاً من أن أعامله بنفس ما كان يفعل معي فأقوم بتعذيبه أو بسجنه. لكن ليست هذه أخلاقي فعقلية الثأر لا تبني دولة في حين عقلية التّسامح تبني أمماً.

*الكرسي لا يدوم.. والتاريخ يحفظ أعمال الخير والشر، لتعلمها أجيال المستقبل، والحقد لا يولد إلا حقدًا والقتل لا يجلب سوى القتل.

*نسأل الله أن يحفظ بلادنا وينير طريق حكامنا بدراسة التاريخ ليتعلموا منه الطريق الصواب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى